المواقع الزرقاء «ملف كامل».. معاناة من «الإعدادية» إلى بكاء وأزمات بعد الزواج

تعبيرية
تعبيرية

خطر مستتر، الكثير يكذبون وجوده، لكن الحقيقة لا تتوارى كثيرا وتظهر في النهاية، ربما لن نصدق الأقاويل والجًمل الدارجة والشائعات، لكن لغة الأرقام لا تكذب، فأحد أهم المواقع الإباحية يتأرجح في ترتيب المواقع التي تتصدر الزيارات في مصر، وفق مؤشر «ألكسا» الشهير.

 

«بوابة أخبار اليوم» تدخل على خط الأزمة التي لا تخرج من أبواب البيوت، وتتسبب وهي وراء الستار في الكثير من الكوارث الاجتماعية والصحية..

 

شهادات


لم يكن مختار - اسم مستعار-، هذا الشاب العشريني يترك ساعة يخلو فيها مع نفسه إلا وذهب إلى تصفح المواقع الإباحية التي أسرته منذ أن كان في الثانية عشر من عمره.


كان في الصف الأول الإعدادي، ويحمل هاتفًا أرسله له والده من إحدى الدول الخليجية، كهدية إنجاز المرحلة الابتدائية والانتقال إلى الإعدادية، وكان انتشار الهواتف الأندرويد حينها محدودًا خاصة بين أقرانه أو من هم في مثل سنه.

 

يقول مختار لـ «بوابة أخبار اليوم»: إن زميله عرض عليه أن يُحمّل له شيئا قد يسعده على الهاتف، حسبما أخبره ولكن لم يصفح له عما هو.

 

وواصل مختار حديثه: «كنا على موعد لقاء في درس خاص يجمعنا بعد العودة من المدرسة، وحينها وجدته يحضر معه الهاتف الذي تركته له قبل أن نودع بعضنا في المدرسة».

 

ويقول: كان عدد الطلاب المشتركين في مجموعة الدرس قد حضروا، وحينها أخذت أتمحصُ في الهاتف وأبحث ما أضافه زميلي هذا، وهنا كانت الطامة الكبرى، حيثُ وجدتُ مقطعًا إباحيًا، توترت وارتبكت وخطف تركيزي وشتت انتباهي وما زلت غارقًا في هول الصدمة حتى أنهيتُ الدرس. 

 

وأضاف: خلال الحصة، وبينما الأستاذ ملهيًا في الشرح، وأنا في وادٍ آخر، وزميلي هذا ينظر ناحيتي ويضحك ويغمز لي، ثم بعدما فرغ المعلم من شرحه، قال لي من حمل هذا الفيديو: «أيه رأيك يا زميلي في الحلويات دي؟، متنساش التليفون معاك بكرة في المدرسة عشان نتفرج». 

 

اقرأ أيضًا.. برلماني يكشف تفاصيل غلق المواقع الإباحية في مصر

 

ويستطرد مختار في حديثه: «ما عرفتش أرد عليه، وذهبت للمنزل وقبل الخلود للنوم فحصت الهاتف وفتحت الفيديو وأنا أرتعش، وافتحُ وأغلقُ الفيديو»، واستمر الأمرُ مرات ومرات، وفي اليوم التالي وبينما هم في الفصل، فتح زميله الهاتف وشاهدا سويًا، معلقا تقل قلبي وخلي الأمر عادي معايا. 

 

وأردف: تعودتُ على المشاهدة حتى أني أصبحتُ أطلب منه تحميل فيديوهات مماثلة، ومنذ ذلك الحين ولا أستطيع التوقف عنها وأحمِّل الجديد منها فور نزوله، معلقاً على قصته مع الأفلام الإباحية قائلاً: «مش عارف نفسي بشوفها ليه، كله شبه بعضه وحاجات مقرفة وبتيجي عليا وعلى صحتي وحالتي النفسية، بس مش قادر أبطلها بل الأمر زاد؛ لأني دلوقتي مفيش تحميل من السيبر كما كان من قبل، لأن الهاتف به إنترنت والمشاهدة سهلة ومتاحة مجانا».

 

البداية كانت نظرة فضول

 

«الفضول ده مصيبة كبيرة، وأنك عاوز تجرب أي حاجة بيكون بداية حاجات وحشة»، هذا ما قاله أشرف -اسم مستعار-، شاب في التاسعة عشر من عمره، تحدث عن بدايته مع مشاهدة الأفلام الإباحية.

 

وأوضح أنه ذات مرة وأثناء تواجده داخل الفصل، وكان وقتها في عامه الدراسي الأول بإحدى مدارس الثانوية الفنية، حيث شاهد عددًا من زملائه يشاهدون مقطع فيديو لمحتوى جنسي، امتعض في بادئ الأمر، ونفر منهم، ولكن بعد أيام قاده الفضول للاقتراب منهم، ومعرفة ماذا يشاهدون، ولبى فضوله ليفاجأ أن اهتمامهم الشديد ب«حاجة قلة أدب».

 

اقرأ أيضًا.. «الاتصالات» تكشف حقيقة غلق المواقع الإباحية فى مصر


باب دخوله لعالم الإدمان 


ويقول: إن هذه النظرة الملبية لفضوله كانت باب دخوله لعالم إدمان مشاهدة المواقع الإباحية، الذي لم يتمكن من مغادرته رغم ما استجمع من عزيمة كي يحرر نفسه من رهنها له، وذلك بعد علمه وتيقنه ومعايشته لكم الأضرار النفسية والجسدية والاجتماعية والسلوكية التي لحقت به بسببها، فكلما حاول فشل وانتكس ثانية وثالثة، ويبحث عن مناصٍ للخروج منها.


واستكمل حديثه، أنه كلما استمع لطبيبِ يحذر منها أو شيخ يوضح ويدلل على حرمانيتها أو كاشفًا لأضرارها، يبيت النية للإقلاع عنها، ولكن الأمر لا يستغرقُ أكثر من بضعة أيام قبل أن يعود لها مجددًا.

 

السطور السابقة تعبر عن حالتين دخلا في هذا الطريق، ولم يملكا قوة الخروج منه، واتفقا في حديثهما على أن من أمسك بأيديهم لهذا الأمر المؤذي كانوا زملاءً وأصدقاء، ساعدهم ضعف نفوسهم وفضولهما القوي الذي جعلهما رهن مشاهدة الفيديوهات الإباحية حتى بعد انقطاع الصلة بمن كان سببًا في تعرفهم عليها.

 

النجاة من رهن «الإباحية» 


ليس كل من دخل في نفق إدمان المواقع الإباحية غاص فيه، ولم يتسن له الرجوع إلى حياته الطبيعية، فهناك من امتلك العزيمة وتسلح بالإرادة، وخلّص نفسه من الوقوع فريسة لداء الناجون منه قليلون والواقعون في أسره خاسرون. 

 

«الحمد لله ربنا تاب عليّ».. هكذا وصف بهاء - اسم مستعار - حالته مع مشاهدة الأفلام الإباحية، لافتا إلى أن ذروة التعلق بالمشاهدة كانت في أول 3 أعوام من قيده بكلية التجارة بإحدى جامعات القناة.

 

وعن حاله خلال هذه الفترة، قال إنه كان مخطوفًا ودائم الرعشة، عندما يفعل أي شيء، ومشتت الانتباه، حيث يستخرج له عقله الباطن الصور من تلك الأفلام ويتخيلها أمامه، ولا يستقيم يومه حتى يبحث عن ساتر لمشاهدتها؛ حيث كان يذهب لدورات المياه في الجامعة، أو على أعلى منزلهم أو بدورة المياه في البيت، أو حتى خلال المذاكرة.

 

كان مخطوفا ومذلولا


وأوضح أنه ما كان يجلس جلسة إلا ويروح عقله عنها، مشغولًا في تلك الآفة -على حد وصفه- ، حيث يغوص في التفكير فيها، فقد سرقت الأفلام تركيزه وابتسامته النابعة من القلب، وكان دائم التعصب والارتعاش، والخوف من افتضاح أمره، ويحس أنه «مذلول» من جميع من حوله.

 

وحول كيفية تخلصه منها، أوضح أنه عزم على الانتظام في صلاته، وما ترك دقيقة إلا وشغلها برياضة «الضغط والعُقلة»، وكان يضع في حسبانه الأيام القليلة التي عاشها بدون مشاهدة تلك المحرمات والراحة النفسية والسكينة والطمأنينة التي نعم بها، ويقارنها بسنوات العمر الضائعة بسببها، حتى كتب له الله التوفيق وولد من جديد.

 

الإباحية تُفشل الزواج 

ومن ناحية أخرى، رصد معدُ هذا الموضوع بعض الحالات التي لم تمتلك القدرة على التخلص من إدمان المواقع الإباحية، وعاشوا معها حتى بعد الزواج، ولم يتمكنوا من الإفلات منها، حتى أن الأمر وصل في أحايين كثيرة إلى فشل العلاقة الزوجية، وانتهى بهم المطاف على سلالم المحاكم.


بل أن هناك من الزوجات وصل بهن الأمر لرفع دعوى خلع بسبب إجبار زوجها لها لمشاهدة الأفلام الإباحية في العلاقة الزوجية، أو أنه يريدها تقليد ما يظهر في تلك الأفلام وهو ما ترفضه وتفضل الطلاق عن الاستمرار معه.


وزاد الأمر وانتشر لدرجة قضت على الرهبة عند ضحايا العنف الجنسي، وامتلأت أروقة المحاكم بتلك القضايا المؤلمة. 

 

لم ينج بعض المتزوجين من كارثة إدمان متابعة المواقع الزرقاء، وعايشوا أضرارها وتيقنوا من كونها أكذوبة كبرى، ومن يعتقد في صحتها ويحاول تقليدها سيكون واهما، والندم يسيطر عليهم بعدما وقعوا في أسرها ويبحثون عن مخرج منها.. في السطور التالية سنرى عن روايات لحالات متزوجة أدمنت مشاهدة الأفلام الإباحية.

 

خوف الشريكة

 

بدأ «فريد» - اسم مستعار – الذهاب إلى أحد مراكز العلاج النفسي منذ 4 أشهر بمعدل 3 مرات أسبوعيًا، بسبب الورطة التي وقع فيها ـ على حد وصفه ــ ، قائلا إنه كعادة الشباب الطائش دفعه الفضول لمطالعة الأفلام الإباحية، وكان يوهم نفسه بأنها فترة وينساها.

 

وتابع حديثه، أنه كلما مضت الأيام زاد تعلقه بها، بل إن المشاهدة زادت مدتها ومراتها حتى كادت تصل إلى مداومة شبه يومية، وما زال يعاني، ولكن العيب والخجل يمنعه من البوح عن معاناته، معلقا: «كنت عارف أنها زي المرض، بس مش عارف أقول أيه ولمين والناس هتفهمني إزاي».

 

وأشار إلى أنه كان يحدد مناسبة دينية أو موعد مثل بداية العام الدراسي أو الإقدام على خطوة جديدة في الحياة، للتخلص من هذا العبء والكابوس الذي لاحظ بعينه وعايش آثاره السلبية وأضراره، إلا أن المناسبة مضت ومرت وبقيت الأفلام الإباحية ملازمة له.

 

وأوضح أن الفرصة الأخيرة التي توقع بل تيقن أنها ستكون النقطة الفاصلة مع إدمان المواقع الإباحية هو الزواج، لافتًا إلى توهمه بأن العلاقة الشرعية ستغنيه عما يشاهده، لأنه كان يعتبر الأفلام «تصبيرة» لحين الزواج.

 

وواصل كلامه: تزوجت والأمر لم ينته، بل كانت المفاجأة في الأسابيع الأولى للزواج، حيث إنه حاول تقليد الأفلام، ولكنه فشل ولم يجد الاستثارة التي تعود عليها في الأفلام، حتى أن زوجته لاحظت هذا وبدا عليها الريبة والخوف، وساورها القلق، معلقا «توسلت لها، وادعيت أني مصاب بمرض وطلبت منها فرصة للتماثل للعلاج والشفاء وهو ما وافقت عليه خشية المشاكل والفضائح التي يتم عرضها على السوشيال ميديا، وكذلك التماسها صدق الرواية لذهابي للطبيب».

 

ويواصل العلاج في المركز الطبي حتى يعود لما كان عليه، قبل نحو 8 سنوات، وبداية التعرف على المواقع الزرقاء وإدمانها.

 

المشاهدة بعد الزواج

 

وفي حالة مماثلة، لا تختلف كثيرًا عن غيرها من الواقعين في شباك الأفلام الإباحية، إن مراد ــ اسم مستعار ــ والذي قضى 5 سنوات مع مشاهدة الأفلام الإباحية، منها عامين، وهو متزوج.

 

وقال إن مشاهدة الأفلام الإباحية مرض، لا علاج واضح له، مشيرًا إلى أنه لا يفصح عن مرضه إلا لأصدقائه فقط ولا يمكنهم مساعدته، حتى أهله يخفي عنهم الأمر.

 

وأوضح أنه يواجه مشاكل كثيرة في العلاقة الزوجية، وما زال مصدوما لأن الواقع مغاير تماما عن تلك الأفلام، مضيفا: «دي أفلام زي الدراما بالضبط وكلام كذب وشغل سينما عشان يروج لحاجات معينة».

 

واختتم كلامه، موضحا أنه يشاهد تلك الأفلام قبل معاشرة زوجته، وهذا بات عادة له، ولا يستطيع إخبار زوجته، ويخاف من أن يأتي هذا اليوم، الذي لا يتوجع ما سيحدث فيه.

 

فتيات على خط الأزمة

 

تواصلنا مع عدد من الفتيات اللاتي أدمن مشاهدة  الأفلام الإباحية دون الكشف عن هوياتهن، عن طريق إحدى المجموعات الخاصة بالدعم النفسي عبر موقع الفيسبوك «مش لوحدك- للمشاركة والدعم النفسي».

 

بدأت الفتيات في سرد قصصهن على تلك المجموعات وكيف بدأن إدمان مواقع الإباحية في أمل للتعافي وتلقي الدعم النفسي والنصيحة للإقلاع عن تلك العادة الغير محمودة.

 

منذ ٤ سنوات وبالصدفة تعرفت نشوى إبراهيم - اسم مستعار- ٢٥ عاماً على مواقع  الأفلام الإباحية بعدما ترك أخيها عن طريق الخطأ الموبايل على تلك المواقع دون غلقه.

 

لحظات بسيطة شاهدت فيها نشوى صور رئيسية لتلك النوعية من الفيديوهات، لا تترك الموبايل سريعا بعدما شعرت بقشعريرة انتابتها أثناء مطالعة الموقع، وخوفاً من ارتكاب سيئة كبيرة.

 

لكن لم تنس الفتاة العشرينية تلك المقاطع، فبعد مرور أسبوعين على تلك الواقعة، أخذها الفضول في البحث عن تلك المواقع ومشاهدة ما تحتوي فقط النظر إليه لمعرفة العالم الخفي.

 

في بداية الأمر، تملك الخوف من نشوى، وترجمة جسدها مشاعر التوتر والقلق بقشعريرة، ونبضات قلب تتسارع مع كل مقطع لفيلم إباحي تشاهده.

 

ظلت نشوى على هذا الحال قرابة أسبوعين في كل مرة تقرر تصفح تلك المواقع، حتى استقر الوضع وبدأ شعور اللذة .

 

4 سنوات مرت على نشوى وهي تتابع مواقع  الأفلام الإباحية، عرفت فيها ما لم تكن تعرفه عن الثقافة الجنسية، حتى أدمنت تلك النوعية من المواقع فلا يمكن أن يمر أسبوع كاملاً دون أن تشاهد ولو مقطع واحد صغير.

 

تروي نشوى قائلة: «أنا بشتغل، وحياتي ماشية، وكل اللي يشوفني يفتكرني حد كويس ومثالي، وخصوصا إني أواظب على الصلاة، لكني مش عارفة أبطل العالم اللي دخلته».


 

أقرأ أيضا: إدمان المواقع الزرقاء.. تزوجوا ولم يقلعوا عن مشاهدة الأفلام الإباحية

 

وتابعت: «بحاول أتقرب من ربنا وأبعد الموبايل عني وقعدت فترات كبيرة مش بتفرج، لكن فجأة بنتكس وأرجع اتفرج تاني عليهم، ودلوقتي بحاول اشوف حل نفسي للموضوع».

 

التحرش قادها للأفلام

 

بينما تعرضت سوزان - اسم مستعار - للتحرش وهي طفلة، وتقول إن عددم البوح بالواقع كان له أثر في دخولها دائرة إدمان  الأفلام الإباحية، التي تعرفت عليها عن طريقها من خلال والدها الذي كان يدمن مشاهدة تلك المقاطع أثناء الليل.

 

عرفت سوزان بالصدفة أن والدها دائم لزيارة المواقع الإباحية عن طريق تسجيلات متصفح الإنترنت أو (history)، ليأخذها الفضول لفتح الصندوق الأسود، ومعرفة الكثير عن أسباب التحرش الجنسي التي تعرضت له.

 

حاولت سوزان إقناع ذاتها أنها ستتخلى عن مشاهدة تلك الأمور بعد زواجها، لذا تزوجت في سن صغير وأنجبت، إلا أنها لم تستطع التخلي عن تلك العادة وبالأخص بعد سفر زوجها الدائم والجلوس بمفردها لفترات طويلة.

 

العصبية المفرطة والشعور بالخزي والعار بات حال سوزان طيلة الوقت، بسبب عدم توقفها عن إدمان  الأفلام الإباحية، وبالرغم من المحاولات العديدة التي خاضتها، إلا أنها بلا جدوى.

 

تقول سوزان: «أنا بصلي وبعرف ربنا كويس، وبحاول أطلع صدقات وقرب منه، عشان أقدر أتخلى عن الأفلام دي، بس برجع ليها بسرعة، بقيت خايفة أموت وأنا معرفتش أبطل مشاهدة».

 

الإعلانات الممولة أول الطريق

 

لم تختلف قصة حنان - اسم مستعار- عن باقي القصص التي أقبلت على المواقع الإباحية بسبب حادث تحرش وهي في سن صغير.

 

ربما لم تكن لديها الوعي الكامل عن ما شعرت به أثناء التحرش ولكن مشاعر الضيق والحزن سيطرت عليها حينها ولكنها لم تعرف طريقة صحيحة للتعبير عن مشاعرها، التي ظلت تلازمها طيلة مرحلة الإعدادية.

 

بعد ٦ سنوات على تلك الواقعة، وعبر إعلانات ممولة على الفيسبوك، شاهدت حنان مقطع فيديو إباحي لم يتعدى ٣٠ ثانية، شعرت فيها بلذه، لتبدأ بالبحث عن تلك النوعية من المقاطع.

 

في بداية الأمر، لم تعرف حنان كيف تصل لمواقع متخصصة في  الأفلام الإباحية، ولكنها قرأت كثيرا عن تلك النوعية من الأفلام، حتى وجدت ضالتها عبر إحدى المواقع.

 

٥ سنوات على مشاهدة حنان للأفلام والمواقع الإباحية، شاهدت فيها جميع أنواع الأفلام، لكنها لم تستطع التوقف عن ذلك، فبالرغم من محاولات التقليل للمشاهدة إلا أنها أصبحت عادة في وقت الفراغ والتقلبات المزاجية السيئة.

 

الممنوع مرغوب

 

ورغم ما هو معروف عن مجتمعنا أنه محافظ ومتشبث بالعادات والتقاليد، إلا أن الإحصائيات حول محركات البحث على مواقع الإنترنت تثبت أن مصر تحتل مركزًا متقدمًا في مشاهدة للأفلام الإباحية، ما خلق سؤالًا حول هذا التناقض يراود الكثيرين، وردت عليه الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم الاجتماع، مؤكدة أن الممنوع دائمًا مرغوب. 

 

وأوضحت خلال تصريح خاص لـ «بوابة أخبار اليوم»، أن غياب الثقافة الجنسية والتربية الجنسية أحدث حالة من الفراغ لدى أفراد المجتمع، ولدت لديهم الفضول، الذي دفعهم للبحث عن مصادر يستقوا منها المعلومات لملء تلك الفراغات، فما وجدوا أمامهم سوى المصادر غير الأخلاقية، التي أصابتهم بالانحرافات، لأنها قدمت لهم ما بحثوا عنه ممزوجًا بالأفلام الإباحية.

 

وأضافت أن الأفلام الإباحية تثير مشاهدها، وترتبط بمراكز الإثارة في المخ، فيجد نفسه محتاجًا للمشاهدة بشكل دائم كما لو كانت جرعة مخدرات بالنسبة لمدمنها، حيث إن الأفلام باتت عادة يومية للكثيرين حتى بعد الزواج لم يستطيعوا التخلي عنها، لأنهم يجدون فيها استثارتهم ومتعتهم التي تغنيهم عن زوجاتهم. 

 

وأكدت أن الأمر ذاته يتكرر مع السيدات التي تكتفي بحاجتها من العلاقة الشرعية، من الأفلام الإباحية، لأنها شاهدتها ولم تجد فيها على أرض الواقع، فانطوت عليها، وباتت مدمنة لها، موضحة أن هذا الإدمان يجعل الزوجين غير مرتبطان ببعضها وتفتر العلاقة بينهما وسرعان ما تتقطع أوتارها وينفصلان ليضيفوا للمجتمع عبء جديد من المشاكل الأسرية.

 

واستكملت إيمان عبد الله، خبيرة علم الاجتماع: «عيب الحاجات دي» و«لا تدخل على والديك» وهما نائمان.. جمل يرددها الأباء والأمهات كثيرًا على مسامع صغارهم دون أن يعرفوهم ما العيب الذي يقصدونه، مؤكدة أن الوالدين يخشون من تربية أبنائهم وتثقيفهم «جنسيًا» فيكون هذا أسلوبهم.

 

وأشارت إلى من الأخطاء الشائعة في مجتمعنا هو ربط التربية الجنسية بالممارسة، فيتوهم القائمون على مؤسسات التنشئة الاجتماعية -مدرسة وأسرة ودور عبادة- أن تعريف الطفل أو الفتاة هذه الأمور وإيضاحها لهم، سيدفعهم لممارستها.

 

وتابعت أن الأفضل إطلاع الصغار على كل تفاصيل جسمهم وكل الأمور الخاصة بالعلاقات الجنسية حسب المرحلة العمرية، وتعريفهم كذلك بالحكمة من وجودها وتوقيتاتها المناسبة وتحذيرهم من فعلها دون ذلك حفاظا على صحتهم وحتى لا تفسد حياتهم وقتما يكبروا.

 

دور الآباء

 

وأكدت أنه من المهم أنه يبحث أولياء الأمور عن أولادهم وبناتهم الذين وقعوا في فخ الأفلام الإباحية ووإخبارهم عن صناعة تسوق منتجات وأفكار هدامة، لا تمت للواقع بصلة، ومهمتها إفساد الأخلاق وإصابة المخ بأمراض وتشتت الانتباه وتحول دون إثبات الذات وتحقيق الأحلام، وأن المرضى بها يعانون مشاكل كثيرة وفقدوا استقرارهم الأسري.

 

واختتمت كلامها محذرة من متابعة الصفحات التي انتشرت مؤخرًا وتظهر فيها فتيات وسيدات يقمن بروتين يومهم العادي، وهم يرتدون ملابس البيت العادية، ومنها ما يكون كاشفا ومغريا، ويفتعلون حركات من شأنها إثارة المشاهد، لزيادة المشاهدات ويقابلها زيادة دخلهم، مضيفة أن هناك حالات تتلقى العلاج بسبب إدمانهم لتلك الفيديوهات رغم إنها ليست كالبورنو ولكنها تؤدي نفس الشيء المقزز.

 

 

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعتي كوبنهاجن وكاليفورنيا أشارت إلى أن مشاهدة الأفلام الإباحية باستمرار يؤدي إلى اتخاذ الرجال صورة سلبية عن النساء، خاصة عند الرجال الذين لا يتسمون بالود الكافي في الحياة الاجتماعية.

 

وفقا لموقع( Paint Bottle) تعتبر صناعة الأفلام الإباحية صناعة مزدهرة، تبلغ قيمتها 97 مليار دولار، موجهة لـ 4.8 مليار شخص حول العالم كل يوم، حيث تنتج هوليود في كل عام حوالي 600 فيلم وتربح 10 مليار دولار. ويصل أعداد الأفلام المنتجة ضمن صناعة الأفلام الإباحية 13 ألف فيلم، وتبلغ أرباحها 15 مليار سنوياً، ويُشَكِّل محتوى الأفلام الإباحية 30% من البيانات المنتقلة عبر الإنترنت.

 

روشتة خبراء الطب النفسي

 

الدكتورة إسراء السحيمي، معالجة نفسية إكلينيكية وعضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسى، شرحت هذا المرض، وكشفت تداعياته وما يمكن أن يترتب عليه إضافة إلى آثاره النفسية والاجتماعية والأمراض العضوية الناتجة عنه، كما وصفت الروشتة اللازمة للإقلاع من هذا الإدمان الخفي المستتر في الغرف المغلقة.
القشرة المخية مركز الاستثارة.

 

وقالت الدكتورة إسراء السحيمي، إن القشرة المخية هي التي يحدث فيها استثارة جنسية، وتعد مركز التحكم والضبط والسيطرة على السلوكيات.


وأضافت في تصريح خاص لبوابة أخبار اليوم، أن المداومة على مشاهدة الأفلام الإباحية هو إدمان سلوكي، وعلاجه يختلف عن إدمان المواد المخلقةِ مثل الهيروين وغيرها من أنواع المخدرات الأخرى، حيث إن علاج الأخير يكون من خلال إخراج السموم من الجسم يتبعها مرحلة تأهيل نفسي.

 

وأشارت إلى أن الأدوية العادية لا تعالج الإدمان السلوكي مثل مشاهدة الأفلام الإباحية؛ حيث إنها لا ترقى عن كونها مسكنات، كما أن المريض لا يشكو عادة من إصابته بإدمان سلوكي، خاصة مشاهدة الأفلام الإباحية، نظرًا للوصمة الاجتماعية، ولكن يتم تشخيص هذا المرض من خلال سير الأعراض التي يعاني منها الشخص، ومنها «حديث الشخص عن عدم قدرته على العيش، الإحساس بجلد الذات، الشعور بالذنب، اكتئاب شديد، تدني في أداء أدوار الأدوار المهنية والاجتماعية والأسرية، لإصابته بالخمول، التراخي، فقدان الشغف .


واستكملت أن من الأعراض التي يسببها الإدمان السلوكي، هي اضطرابات في النوم، والأكل، عدم الإنجاز، ضمور شامل للدور المهني والدراسي، قد تصل بالشخص لانقطاعه عن العمل والدراسة وذلك لانعدام الرغبة عندهم.


وأشارت الدكتورة إسراء السحيمي، معالجة نفسية إكلينيكية وعضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسى،  إلى أن الكثير من مدمني المواقع الإباحية يتمتعوا بدرجة ذكاء فوق المتوسط فيما عبقري، وغالبا يكون المدمن في إحدى الكليات المعروفة بكليات القمة، حيث ثمة علاقة توجد بين الذكاء والاضطرابات الشخصية والسلوكية والإدمان، قد يعمل على زيادة معدلها العامل البيئي.


ولفتت إلى أن الفئة الثانية من مدمني مشاهدة الأفلام الإباحية، هو ذلك الشخص الذي يعاني من عدم القدرة على تنظيم الذات، حيثُ يوجد أشخاص لديهم أوقات فراغ، فيتم شغلها بمشاهدة المواقع الإباحية، حيثُ يكون هذا الشخص يعانى من تقلبات مزاجية حادة؛ وتناقضات فيما يفعله عكس ما يقوله، أي قوله لا يطابق فعله.

 

ونوهت إسراء السحيمي، معالجة نفسية إكلينيكية وعضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسى،  إلى أن من بين العوامل التي تنمي إدمان سلوك معين، هي العوامل الثقافية والتطور التكنولوجي.


وواصلت حديثها، مشيرة إلى أن مشاهدة المواقع الإباحية لا يقتصر فقط على مرحلة عمرية معينة، أو نوع من البشر دون الآخر، موضحة أن لكل منهم دوافعه التي قد تتشابه أو تختلف مع الآخرين.


وتطرقت للحديث عن حالة مصابة بإدمان مشاهدة المواقع الإباحية، ويخضع حاليًا للعلاج النفسي، حيث دنا عمره من السبعين عاما، ويبدو عليه الوقار والاحترام، ولكن نظرًا لمرض زوجته، بداء السكري الذي جعلها تمنع نفسها عنه، -وهو متفهم لذلك-، ولكن لديه طاقة ورغبة في إقامة العلاقة الزوجية اتجه لمشاهدة المواقع الإباحية، والتي استمر عليها فترة قبل أن تصبح غير مشبعة له، فسرعان ما تحول إلى الممارسة الفعلية للعلاقات آثمة في الحرام.


واستكملت عضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسى، حديثها أن هذا الشخص بدأ يشعر بالذنب وجلد الذات والتناقض مع نفسه، فلجأ إلى العلاج، والذي ينقسم إلى شقين أولهما عضوي، ويكون عند طبيب أمراض ذكورة للرجال ودكتورة نساء بالنسبة للسيدات والفتيات، وبعدها يدخل في مرحلة العلاج النفسي عند الطبيب النفسي المختص في العلاقات الجنسية.

 

لا تحتكره فئة عمرية


وأشارت إلى أن الشاهد من عرض هذه الحالة أن إدمان المواقع الإباحية لا تحتكره فئة عمرية أو نوع دون الأخر، وهو مرض نفسي يستلزم العلاج.
وأوضحت إسراء السحيمي، معالجة نفسية إكلينيكية وعضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسى،  أن هناك كارثة كبرى تطرق أبواب المجتمع، سوف تنفجر ذات مرة، إن تمادينا في إغفالها وحينها يكون قد فات وقت العلاج، وهي أنه لا يوجد اعتراف رسمي أو إحصائيات توضح من يعانون من هذا الأمر، تمهيدًا لدراستهم علميًا ووضع الحل الناجز للقضاء على تلك المشكلة قبل توغلها، لافتة إلى أن مصر في حاجة ماسة للإقدام على الخطوة التي سبقتها إليها الكويت وهي حظر كل هذه المواقع.


كما نبهت عضو جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسي، بأن إدمان مشاهدة الأطفال للأفلام الإباحية منذ سن الرابعة من عمره، بات واقعًا حيث إن هذا هو العمر الذي يبدأ فيه الطفل اكتشاف جسمه، ووقتها يمكن أن تقع أمامه هذه الأفلام بالصدفة من خلال هاتف أحد الأقارب، وحينها سيسوقه فضوله لمطالعتها ومشاهدتها حتى يصبح مدمناً، ويبدأ التلذذ بمشاهدتها.


وأشارت إلى أن هناك أطفال يعانون من إدمان مشاهدة المواقع الإباحية دون أن يعرف أهلهم بهذا، ويستمروا على وضعهم هذا حتى يصلوا إلى طريق مسدود، مطالبة أولياء الأمور بمراقبة تصرفات أطفالهم ومتابعتهم بشكل دوري.


وحذرت مما يفعله بعض الأزواج من إطلاع زوجاتهم على تلك الأفلام، لتتخذها نموذجا عند إقامة العلاقات الزوجية الشرعية، مشيرة إلى أن هذا قد يسبب إدمان الزوجة للأفلام وتقل المتعة مع الزوج؛ لأنها لم تجد فيه ما تشاهده في الأفلام، وحينها تحدث المشاكل التي لا تحمد عقباها.


وختاما طالبت بأهمية وجود تربية نفسية جنسية في المدارس للطلاب منذ المرحلة الابتدائية وتعريفه بجسم وبعض التفاصيل الأخرى التي يجب معرفتها، حتى لا يعرفها من مصادرها الخاطئة وهنا تحدث مشكلة كبرى تؤثر سلبا على الشخص.


الإفتاء.. لا يجوز

 

وورد لدار الإفتاء المصرية سؤال ينص عن “ هل مشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة العادة السرية من الكبائر أم من الصغائر ؟

 

وأجابت الإفتاء بأن مشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة العادة السرية أمر لا يجوز شرعا لأن به كشف لعورات الناس كما أنه يحث الشخص على ممارسة الزنا الذي يعد من كبائر الذنوب وذلك استنادا لقول الله تعالى : «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا » 32 سورة الإسراء .