ماذا بعد الـ100 مليون نسمة؟.. كابوس الزيادة السكانية يحتاج لتكاتف الجهود

ماذا بعد الـ100 مليون نسمة؟.. كابوس الزيادة السكانية يحتاج لتكاتف الجهود
ماذا بعد الـ100 مليون نسمة؟.. كابوس الزيادة السكانية يحتاج لتكاتف الجهود

- د.ليلى عبد المجيد: دراسة الجمهور وتحديد وسائل الإقناع قبل البدء في أي حملة
- د.عالية المهدي: المشروعات الإنتاجية والاهتمام بالتعليم والصحة لمواجهة شبح الزيادة
- د. إلهام المنشاوي: الرائدات الريفيات عليهن مسئولية كبيرة
- د. سعيد صادق: التباطؤ في تنفيذ الإجراءات سبب رئيسي ولابد من التحرك نحو خطوات فعلية

«حسنين كان زينه والله ومرته كمان غزال لكن الخلفة الكتيرة بلتهم بالهزال».. كانت تلك الكلمات الأشهر خلال مطلع الثمانينيات، والتي تغنت بها «فاطمة عيد»، لتكون هذه الأغنية ومثيلاتها إحدى وسائل وزارة الصحة والسكان لمحاولة بث رسائل توعوية للجمهور من خلال أغان بسيطة تتعلق بها الأذهان لتساعد في تنظيم النسل.. وبالفعل جاءت هذه الحملات بثمارها لفترة من الزمن، وما لبث الأمر إلا أن بدأت الأعداد تزداد مرة أخرى بعد تراجع الحملات، واستسلام الملايين للفقر والجهل والتمسك بمبدأ «العيال عزوة».

وكان نتيجة ذلك ارتفاع أعداد المصريين فقد وصل في النصف الثاني من التسعينيات وتحديدا 1996 إلى 59.3 مليون نسمة، لتبدأ سلسلة الزيادات لينتهي الأمر إلى 100 مليون نسمة في فبرابر 2020، الأمر الذي وصفه الكثيرون بالـ«الصدمة» فهذه الزيادة تعني في نهاية الأمر، كما أشار الرئيس السيسي مرارا، إلى التهام موارد البلاد، لذا نحاول من خلال السطور القادمة إبراز الحلول التي من الممكن أن تساهم في حل الأمر فى مناقشة مع المختصين.

منذ أيام قليلة أعلن اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى لتعبئة العامة والاحصاء، ان إجمالى عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل بلغ 100 مليون نسمة، وأن متوسط الزيادة السكانية اليومية خلال عام 2019 كان «4813» نسمة أى «201» فرد كل ساعة، أو «3.3» فرد كل دقيقة بما يعنى أن الوقت المستغرق لزيادة فرد هو 17.9 ثانية.


وخلال المؤتمر حذر بركات من تبعات هذا الأمر قائلا «معدل الزيادة السكانية فى مصر مرتفع بشكل كبير بما يؤثر بصورة كبيرة على مجهودات التنمية التى تبذلها الدولة» وأضاف «يستلزم الأمر بذل المزيد من الجهد من كافة الأطراف «وزارات هيئات مجالس متخصصة مجتمع مدنى أفراد 000 الخ» للحد من الزيادة السكانية وتقليل هذا المعدل لتحقيق التوازن مع معدل النمو الاقتصادى بما يمكن أفراد المجتمع من جنى ثمار التنمية.

وهو الأمر الذى أكدته د.ليلى عبد المجيد الاستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، موضحة أن البلاد تحتاج خلال الفترة القادمة العمل بخطة محكمة ومنظمة لمواجهة تلك الزيادة الكبيرة، وأنه على كافة الوزارات المساهمة وبقوة سواء الصحة أو الإعلام والتخطيط والشباب والرياضة، والكنيسة والأزهر والثقافة أيضا.

وتضيف أن تغيير المفاهيم الخاطئة فى المجتمع وبث رسائل جديدة لن يتم بين ليلة وضحاها، بل يحتاج لدراسات تمهيدية قبل البدء فى إطلاق أى حملة خاصة الحملات الإعلامية، حتى تؤتى ثمارها، مشيرة إلى ان تلك الحملات كانت كثيفة ولها نتائج ملحوظة خلال الستينات والسبعينات والثمانينات لكنها قلت وبشكل كبير جدا خلال فترة التسعينات.

وتشير إلى أن الخطوة الأولى فى إعداد الخطة هو التعرف على الوسائل المناسبة التى ينبغى استخدامها فى التوعية لكل فئة من فئات المجتمع، وذلك من منطلق أن قرار الإنجاب ليس محصورا على الزوج والزوجة فى سن الشباب، بل يتدخل به الآباء والأمهات أيضا وهم فى فئة عمرية مختلفة ولكل منهم وسيلة تناسبه عن غيره.

وتوضح عبد المجيد الأمر قائلة «من المهم فى مرحلة إعداد الخطط الاستعانة بالدراسات التى تذخر بها كليات الإعلام فهناك دراسات خاصة بخصائص الجمهور والوسائل أيضا، ومن خلالها نستطيع معرفة أنه على سبيل المثال تأتى وسائل التواصل الاجتماعى فى المقام الأول الذى يعتمد عليه فئة كبيرة من الشباب، الذين يكون فئة كبيرة منهم من المقبلين على الزواج فيعتمدون على منصات التواصل كمصدر للمعلومات، بينما تفضل الفئة العمرية الأكبر شاشات التلفزيون، ثم تأتى إذاعات الراديو فى المرتبة الثالثة كمنبع للمعلومات، فى الوقت الذى تقل فيه دور الإعلام التقليدي».

وسائل الإقناع

على جانب آخر تؤكد عبد المجيد أن الخطوة الثانية تكمن فى تحديد «كيفية مخاطبة « كل فئة، مشيرة إلى أن وسائل الإقناع تختلف الآن بشكل كبير وجذرى عما كانت عليه منذ سنوات، فالرسالة التى كان يتم بثها قديما لن تجدى نفعا مع الجمهور الحالي، فطريقة تفكير الجمهور اختلفت والاوضاع ايضا تغيرت.. وتضيف أنه ينبغى أيضا تحديد أى «بعد» سيتم التركيز عليه فى الرسائل هل البعد النفسى أم الاجتماعى أم الديني، فقديما كان يتم التركيز بشكل كبير على البعد الاجتماعى نظرا لتماشى هذا البعد مع خصائص الجمهور ومع الفترة الزمنية التى كان يتم بها بث الرسائل.

وتنهى عبد المجيد حديثها قائلة: «الاتصال المباشر أيضا من أهم الوسائل التى يمكن استخدامها فى الفترة القادمة، وهنا يبرز دور رجال الدين والكنيسة وأيضا الواعظات، والنوادى ومراكز الضباب وقصور الثقافة».

المشروعات الإنتاجبة

أما د.عالية المهدى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، فتوضح أن الدولة عليها أن تركز خلال الفترة القادمة على المشروعات الانتاجية التى تستوعب أكبر كم من الأيدى العاملة خاصة أن هناك علاقة مباشرة بين الفقر والزيادة السكانية.

وتوضح قائلة «أغلب الأسر التى تقرر أن تنجب عددا كبيرا من الأطفال تكون فى حالة فقر، ومن هنا فهى تتعامل مع المواليد على أنهم أيدٍ عاملة، فكل طفل يولد تكون أمامه فرصة ليعمل ويزيد الدخل للأسرة».

وتضيف استاذ الاقتصاد أن الحل يكمن فى البحث عن سياسات أفضل لخلق فرص عمل، فقبل اطلاق أى مشروع يجب مراعاة ان يكون انتاجيا ويستوعب عددا كبيرا من الأيدى خاصة المشروعات الزراعية والصناعية وأيضا السياحية فهى من أكبر المشروعات التى تحتاج إلى أيدٍ عاملة سواء مدربة أو غير مدربة.

وتستشهد المهدى بدول مثل الصن والهند والتى تعدت مقدار المليار و400 مليون وبالرغم من ذلك تمكنت من استغلال القوى البشرية والخروج من إطار الفقر المقمع، عن طريق المشروعات الضخمة الانتاجية.

فى ذات السياق تشدد المهدي أن الاهتمام بالتعليم والصحة عاملان أساسيان فى الحد من الزيادة السكانية، فهما يرفعان من وعى الزوجين بشكل كبير فيجعلهما أكثر حرصا على صحة المرأة والأطفال والتفكير مرارا قبل زيادة عدد الأطفال داخل الأسرة الواحدة.

ومن جانبه اشار د. سعيد صادق استاذ الاجتماع السياسى ان الزيادة السكانية تقدر بـ6،2 سنويا الأمر الذى يشكل خطورة بالغة على معدلات التنمية فى البلاد ويهدد بركود كبير على جميع المستويات، وهو ما نحارب نحن من اجل الفرار منه، فبالرغم من كل الجهد المبذول على مدار السنوات القليلة الماضية من أجل تحريك عجلة التنمية ومحاولة دفع عجلة الإقتصاد ناحية الأمام ولو خطوة، بالإضافة للتصدى للكثير من المعوقات التى تعرقل سير التقدم، إلا أن الزيادة السكانية بمنتهى البساطة هى السلاح الفتاك الذي بإمكانه القضاء على كل هذا بضربة واحدة، تجعل كل الجهد المبذول هباء كأنه لم يكن، فكل المحاولات للتنمية لم تستطع أن تغطى العدد الموجود، وخاصة إن كان الغالبية العظمى لهذا العدد غير فعال فى سير عملية التنمية من الأساس، بمعنى ان الزيادة السكانية ليست بالأمر المضر فى كل أحوالها، بل أنه عندما تكون الزيادة فعالة بحيث يكون لكل فرد دوره فى العمل والإنتاج أي أن كل فرد زائد هو عضو منتج فى المجتمع، فهنا لا تشكل الزيادة خطورة على المجتمع، وإنما الحقيقة ليست كذلك، بل ان الأسر الريفية مازالت حتى الآن مكونة من سبعة وعشرة اطفال يكون فى الغالب معظمهم اميون إن لم يكن جميعهم، وبالتالى تشكل الأسرة الواحدة خطرا كبيرا على المجتمع بأكمله، حيث يخرج منها السارق، والعاطل، والمجرم، والبلطجى، والإرهابى، والمريض النفسى، وغيرها من المصائب تنهمك الدولة فى محاربتها، ولذلك فالأمر ليس بهيننا على الإطلاق، ولا مجال للاستهانة به، او حتى التقاعس فى إتخاذ الإجراءات الخاصة به، وقد حذرنا مرارا وتكرارا من خطورة الزيادة السكانية، وسرعة تفشيها، وطالبنا بالبت فى إتخاذ إجراءات فورية ورادعة لكل من يتجاوز فى اعداد الأطفال، ولكن كانت المشكلة التى دائما ماتوقف الجهات المعنية اننا ليس لدينا الجرأة على محاربة مايخص الأعراف أو العادات والتقاليد، بالرغم من العديد من الدول الإسلامية قامت بإتخاذ إجراءات قاسية بشأن الزيادة السكانية وتم تنفيذها بالفعل وكان لها ابلغ الأثر فى الحد من هذه المشكلة، الأمر الذى نطالب بتفعيله لدينا، وخاصة ان كل الإجراءات التى يتم التناقش فيها الآن قد تناقشنا فيها منذ عدة سنوات ولكن يحدث تباطؤ شديد فى تنفيذها، ونحن على دراية بأن كل المشكلات المجتمعية الخطيرة من بطالة وإجرام وإرهاب ومرض نفسى وفقر وجهل وتدهور فى مستوى المعيشة وإنحدار فى التعليم والصحة وانتشار اطفال الشوارع تسببت الزيادة السكانية فى حدوثها بشكل مباشر,

الرائدات الريفيات

توضح د. الهام المنشاوي عضو لجنة الصحة بالبرلمان، أن التوعية هو خط الدفاع الأول لمواجهة الزيادة السكانية، وهنا يبرز دور الرائدات الريفيات بشكل كبير، نظرا إلى أن دورهم مع الحملات الاعلامية ستجعل كل فتاة وسيدة فى المجتمع على وعى كبير بخطورة الانجاب الكثير على صحتها وعلى المجتمع ككل.

وتضيف المنشاوي أن التوعية ايضا ستجعل كل ربة منزل تتجه بنفسها للوحدة او المستشفى لتركيب وسيلة لمنع الحمل بإرادتها الكاملة.

في الوقت ذاته ترفض المنشاوى، ما يثار حول ضرورة وجود جانب تشريعى وضوابط قانونية للإنجاب قائلة: «مينفعش حاليا نتكلم فى الجانب التشريعى لان الأمر اولا واخيرا ارادة إلهية كمان دا هيظلم ستات كتير جدا، لان احيانا الهرمونات بتطغى على أى وسيلة وممكن يحصل حمل بالخطأ ودا موجود بشكل كبير من حوالينا».

أمن قومي

فيما أكد اللواء فاروق المقرحى الخبير الأمنى « ان الزيادة السكانية لا تقل خطورتها عن الإرهاب الذى تحشد الدولة كل جهودها لمكافحته لما له من خطورة بالغة على كيان الدولة واستقرارها، والتشابه بين الزيادة السكانية والإرهاب ليس أمرا غريبا أو غير مفهوم، بل من المعروف ان الزيادة السكانية هى بيئة صالحة جدا للنمو التطرف والإرهاب وخاصة إن كانت هذه الزيادة غير مسلحة بالتعليم والصحة والإنتماء وحب الوطن، وهى امور يصعب تحقيقها حين تزداد الأعداد فى الأسرة عن طاقة استيعابها، بالإضافة إلى أن الفقر والجهل والحاجة هى ايضا اسباب رئيسية لنمو التطرف والإرهاب حيث يكون الشخص حينها هشا يسهل جدا استقطابه والتأثير فيه وتغيير هويته، وكلها نتائج اولية للزيادة السكانية، مضيفا ان الزيادة المستمرة تسبب فى عدم وجود توزيع عادل للمواطنين حتى فى ابسط الحقوق بسبب من صحة وتعليم وعمل وغيرها وذلك لعدم قدرة الدولة على مواكبة اعداد السكان، ومن ثم مهما بذلت الدولة من جهد فلن يصل منه شئ وذلك لعدم تناسب معدلات الإنتاج مع معدلات الاستهلاك، واضاف الخبير الأمنى ان إنجاب طفلين إلى ثلاثة على الأكثر هو الحل الأمثل للحد من الزيادة السكانية إذا تم تطبيقه بشكل فعلى، وهذا الأمر لن يتسنى إلا بتفعيل كافة وسائل التوعية لبيان خطورة الزيادة السكانية وضرورة تحديد النسل، بحيث يكون الإتجاه نحو ذلك امرا نابعا من المواطن نفسه لشعوره بالمسؤلية والخطر.

وفي السياق ذاته، أوضح اللواء حمدي بخيت الخبير الأمني: «ان مشكلة الزيادة السكانية هى مشكلة امن قومى تشكل خطرا بالغا على سلامة المجتمع وامنه، وبالتالى فالتعامل معها لابد ان يكون بنفس الحذر والأهمية التى يتم التعامل بها كافة القضايا التى تمس الأمن القومى للبلاد من قريب او من بعيد، مضيفا ان مشكلة الزيادة السكانية لا يقع حلها على كاهل جهة بعينها او قطاع بعينه، بل انها تحتاج إلى تضافر كافة الجهود لمواجهة هذه الظاهرة من خلال التنسيق بين كل الجهات المعنية، وكذلك التنسيق بين المؤسسات التعليمية والدينية للتوعية بخطورة الزيادة السكانية، والتنسيق فيما بينهم لتحديد عملية النسل، والتعريف بمدى خطورتها على عملية التنمية للدولة لتحقيق هدف مشترك وهو التصدى للزيادة السكانية».

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي