حكايات| «عُقد» الملكة نازلي الأسطوري الضائع .. عاد للعائلة الملكية بعد 40 عامًا

«عٌقد» الملكة نازلي الأسطوري الضائع
«عٌقد» الملكة نازلي الأسطوري الضائع

لم يعرف تاريخ أسرة محمد علي، شخصية نسائية مثيرة للجدل كشخصية الملكة نازلي، فتارة يتعاطف معها البعض وتارة أخرى تلاقي هجوما شديدا بل ويرمى على عاتقها مسؤوليات عدة كسقوط ملك ابنها الملك فاروق أو مأساة ابنتها الصغرى الأميرة فتحية، وغيرها من الأزمات التي عصفت بها وبعائلتها وحولت حياتهم من الفخامة والترف إلى الإفلاس. 
 
لم تكن حياة «الأبهة» غريبة على نازلي عبد الرحيم صبري، فهي تلك الفتاة ابنة الباشا ذات الأصول التركية والفرنسية، والتي تقلد والدها منصبين سياسيين، حيث كان وزيرا للزراعة مرة ومحافظا للقاهرة مرة أخرى، كما كان جدها لوالدها محمد شريف باشا رئيس للحكومة ووزير للخارجية في عهود سابقة، أما من جهة والدتها فقد كان أحد جدودها سليمان باشا الفرنساوي الذي جاء لمصر ضمن حملة نابليون بونابرت وقد استقر بمصر مشهرا إسلامه.

  
شقاء رغم الترف
وعلى الرغم من شجرة العائلة «المشرفة»، وبالرغم من السفر لأوروبا وركوب أفخم «الأوتوموبيلات» وحياة القصور، لكن نازلي عانت كثيرا من عدم الاستقرار، سواء الأسري أو العاطفي، حيث فقدت أمها في سن صغيرة، وطلقت من ابن عمها بعد زيجة استمرت لـ11 شهرا فقط، ثم خطبت لأحد أقارب سعد زغلول الذي فسخ الخطبة في أعقاب نفيه مع الزعيم إلى الخارج ليقرر التفرغ لقضية الوطن وترك حبيبته جريحة متألمة.
 
كان زواجها من السلطان فؤاد تجربة قاسية، تألمت بسببها كثيرا، لتصبح السلطانة الجديدة «حبيسة» أروقة القصر، تأمرها الوصيفات وتحدد إقامتها كالجواري، تعودت على الوضع وأنجبت 5 أبناء أكبرهم ملك مصر فاروق الأول، الذي دعمته وبذلت مجهودات مضنية ليجلس على كرسي عرش مصر بالرغم من عدم بلوغه السن القانوني لذلك.


«المتمردة» تترك القصر
في عام 1946، تركت الملكة نازلي مصر في رحلة علاجية لسويسرا انتقلت بعدها لفرنسا ثم في النهاية للولايات المتحدة، فآلام الكبد كانت مرضا خطرا آنذاك ولم يكن علاجها سهلا أو متاحا في أي مكان.
 
ولتعلق الأميرتين الصغيرتين فائقة وفتحية بأمهما، قررت الملكة اصطحابهم معها في تلك الرحلة رغم اعتراض ولي أمرهما شقيقهم الملك فاروق، إلا أن الأم «العنيدة» صممت وبالفعل سافرت الفتاتين مع أمهما. 


وصلت الأم وبناتها لمجتمع جديدة لم يألفوه من قبل، لم تكن تلك الرحلة كغيرها من رحلات الاستجمام الملكية، بل كانت رحلة ذات تذكرة ذهاب بلا عودة، تنفست الملكة الأم الحرية التي لطالما حرمت منها وما أن تماثلت للشفاء حتى قررت زواج ابنتها الصغرى فتحية من أحد الموظفين بسفارة مصر يدعى رياض غالي، كان مسيحي الديانة، ذو سمعة سيئة، لا يليق بالمقام، «حلنجي» كما تم وصفه، وصلت تلك الأنباء للملك فاروق الذي ثارت ثورته أمرا أمه بالعدول عن تلك التصرفات ومنع تلك الزيجة لكنها رأت في هذا الشاب «ابنها الذي لم تنجبه»، متحدية إرادة ابنها وضاربة بمكانتها وسمعتها عرض الحائط، ليتم تجريدها وابنتها العروس من ألقابهم الملكية وتنقطع صلتهم بالعائلة المالكة.


مجوهرات الملكة..طوق النجاة
في أمريكا، لم تكن الملكة نازلي تملك شيئا سوى مجوهراتها الملكية الثمينة، وبعد تجريدها من لقبها وقطع الأموال عنها، وكونها ملكة لم تعتاد القيام بأي أعمال شاقة، وحفاظا على مستوى معيشتها، بدأت تبحث الملكة عن وسيلة تعيش بها حياة كريمة لا تقل عن تلك التي كانت تعيشها بمصر.
 


أحيطت نازلي بعدد كبير من الطامعين في مجوهراتها الثمينة والتي كانت جميعها مصنوعة لها خصيصا من أفخم محلات المجوهرات في العالم، لعبت قلة خبرتها وعدم احتكاكها بالناس دورا كبيرا في سقوطها فريسة سهلة لهؤلاء، فاستسلمت لهم اعتقادا منها بكونهم أصدقاء أوفياء لها.


كان زوج ابنتها على رأس الطامعين فيها، ولثقتها فيه قامت بعمل توكيل له لإدارة أعمالها وأموالها، أوهمها كثيرا بالعديد من المشاريع وكان يضع لها دراسات جدوى وهمية بغية الحصول على أموال منها، وبمجرد الدخول في تلك المشاريع تفاجأ بأنها كانت ضحية لعملية نصب مما اضطرها إلى السقوط في براثن الديون، إما الدفع أو السجن والذل والفضيحة أمام الجميع، فاضطرت إلى الاعتماد على مجوهراتها كطوق للنجاة. 


إعلان إفلاس
في منتصف السبعينيات وقبل وفاتها بسنوات قليلة، أعلنت الملكة نازلي إفلاسها بعد تراكم الديون التي وصلت إلى 500 ألف دولار وفي أعقاب ذلك قامت البنوك برهن بيتها، مما اضطرها إلى الإقامة في أحد الأحياء الفقيرة بلوس أنجلوس وطرح مجوهراتها ومجوهرات ابنتها فتحية في المزادات. 


قامت الملكة «المفلسة» ببيع مجوهراتها النفيسة بمزاد سوثبي في بارك بيرنيت بمدينة نيويورك في نوفمبر عام 1975، وشملت تلك المجوهرات قلادة شهيرة بتصميم فان كليف آند آربيلز يعود تاريخها إلى الثلاثينيات حيث صممت خصيصا للملكة نازلي لحضور حفل زفاف ابنتها الجميلة الأميرة فوزية من شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1939.


 
تكونت القلادة من حوالي 217 قيراط من الماس الخالص، ووصفها مؤلف كتاب كنوز وعمالقة الشهير بأن تلك القطعة الفنية هي قطعة المجوهرات الأكثر مثالية وجمالا في العالم.


تم بيع القطعة الفريدة آنذاك بمبلغ 140 ألف دولار، ووصف البعض بأن عملية البيع ظلمت القلادة وبخست من ثمنها.


قطعة أخرى من مجوهرات الملكة نازلي تم طرحها بالمزاد وهي تاجها الثمين الذي تم بيعه بمبلغ 127 ألف دولار، لكن كل ما تم بيعه لم يفي بمبلغ الدين لصالح البنك الفيدرالي.


 

بعد 40 عاما..القلادة الثمينة تعود لأصحابها
 
في 2015، قامت مجلة فوج الشهيرة بمحاورة أمينة الدمرداش حفيدة الأميرة فائقة ابنة الملكة نازلي، لم يكن الحوار لصفتها كفرد من العائلة، فالفتاة الجميلة تعيش حاليا حياة عادية خالية من البروتوكولات، حيث تعمل في تصميم الأزياء.


لكن أمينة ظهرت على الساحة بعد قيامها بإعادة شراء قلادة جدتها الكبرى، حيث عقدت دار سوثبي مزادا عرضت فيه قلادة فان كليف آند آربيلز للبيع من جديد، لتعود القلادة الثمينة من جديد إلى أصحابها، حيث قالت أمينة الدمرداش «أعدت شراء القلادة من المزاد، لأن عمي قال لي أن الملكة اشترته لحضور حفل زفاف ابنتها، وتخيلت على الفور أهميته بالنسبة لها».