نيران إسرائيل تلتهم «الأونروا»

مخطط هدم «الوكالة» مصيره الفشل.. وكابوس مخيف يطارد 6 ملايين فلسطينى

أحمد عبد الرؤوف
أحمد عبد الرؤوف

بينما تتوجه فوهات بنادق إسرائيل رأسا صوب الفلسطينيين منذ شرعت فى عدوانها على قطاع غزة، وبينما تدك صواريخها ومدافعها كل ما هو فلسطينى فى القطاع بلا هوادة .. يدير قادة الاحتلال فى العلن والخفاء حربا ضد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التى يتهم مسئولوها الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو بترويج أكاذيب ومزاعم ليس لها من مأرب سوى إنهاء وجود هذه الوكالة، مثلما تحاول إسرائيل بكل ما أوتيت من جبروت تصفية القضية الفلسطينية.


تأسست وكالة الأونروا عام 1949 بقرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أشهر من إعلان قيام إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، ليجد النظام العالمى الناشئ آنذاك نفسه أمام واحدة من أكبر جرائم التهجير الجماعى فى التاريخ باقتلاع نحو مليون فلسطينى من أرضهم ورحيلهم إلى حيث لا عنوان فى حياة خيام طالت بهم وبأبنائهم وأحفادهم حتى يومنا هذا.
تأسست بعد نكبة فلسطين


ترك مئات الآلاف من الفلسطينيين أرضهم قسرا فى أعقاب نكبة عام 1948، ليقيم بعضهم فى مخيمات بالضفة الغربية وقطاع غزة، بينما شد البعض الآخر رحاله إلى الأردن وسوريا ولبنان، وكان لا بد للنظام العالمى المتمثل فى الأمم المتحدة أن يجد حلا يخفف وطأة هذه الأزمة الإنسانية خشية أن تتحول إلى قنبلة بشرية ربما تنقلب فيما بعد إلى خطر على إسرائيل نفسها.
هذا الحل كان يتمثل فى تدعيم وجود الأونروا بتبرعات من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، كى تتولى مسئولية 750 ألف لاجئ فلسطينى عند بداية عملها قبل 75 عاما، ليصل عدد من تدير الوكالة أمرهم حاليا إلى أكثر من 5 ملايين و900 ألف لاجئ داخل الأراضى الفلسطينية وخارجها.


رعاية اللاجئين
وظلت الأونروا لعشرات السنين توفر خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والإنسانية لهؤلاء اللاجئين فى 58 مخيما منها 27 مخيما فى الأراضى الفلسطينية (19 مخيما فى الضفة الغربية-8 مخيمات فى قطاع غزة) بالإضافة إلى 12 مخيما فى لبنان و10 مخيمات فى الأردن و9 مخيمات فى سوريا.
وحين فتحت إسرائيل أبواب الجحيم على قطاع غزة بعد هجوم 7 أكتوبر الماضى، فتحت منشآت الأونروا وبينها عشرات المدارس أبوابها لمئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين ظنوا أنها ستكون آمنة من نيران قصف إسرائيلى مهول يسحق فى طريقه البشر والحجر والأخضر واليابس، لكن شهوة القتل الإسرائيلية لم تترك حتى تلك المنشآت، فامتد لهيبها إلى مدارس عديدة تابعة للأونروا ليسقط بها الضحايا ومن بينهم موظفو الوكالة الأممية أنفسهم.


وبعد مضى 5 أشهر من بداية العدوان، لجأت إسرائيل إلى سلاح آخر فى حربها ضد الأونروا اعتمادا على اتهامات-دون دليل-بتوظيف عناصر مسلحة تدعى أن بعضهم شارك فى هجوم حركة حماس يوم 7 أكتوبر داخل الأراضى الإسرائيلية، لتقرر عدة دول فى اليوم نفسه على رأسها الولايات المتحدة تعليق تقديم المساعدات للوكالة، وبسرعة عززت الشكوك والمخاوف من مخطط يجرى تدبيره فى الخفاء للتخلص نهائيا من الأونروا ومعه حق عودة اللاجئين الذى يتمسك به الفلسطينيون فى أى تسوية للحل النهائى لقضيتهم.
اتهامات بلا دليل
بلغت هذه الشكوك والمخاوف ذروتها حين أضرم إسرائيليون النار مؤخرا فى محيط مقر الأونروا بالقدس المحتلة، والذى تعرض لتهديدات طوال الفترة الماضية على يد متطرفين إسرائيليين، الأمر الذى اضطر الوكالة لإغلاق المقر بصورة مؤقتة، بينما قوبل هذا الانتهاك بتنديد قوى على مستوى العالم، بما فى ذلك تصريحات منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل الذى وصف الأونروا بأنها شريان حياة لا غنى عنه للشعب الفلسطينى.


وبشجاعة تستحق التقدير واجه الإيطالى فيليب لازاينى المفوض العام للأونروا حملة إسرائيلية كانت ترمى لإقالته، إذ أكد بلا مواربة أن لإسرائيل دوافع أبعد من مسألة استقالته أو بقائه فى منصبه، قائلا إن الهدف الرئيسى يتمثل فى حل الوكالة بما يعنى «حرمان الفلسطينيين من صفة اللاجئين».


وفى تصريح لـ «الأخبار» قال الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس إن محاولات إسرائيل للقضاء على الأونروا ليست جديدة بهدف تدمير أهم معلم من معالم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين باعتبار أن الوكالة حين تأسست عام 1949 كان من ضمن مهامها الترتيب لعودة اللاجئين إلى ديارهم لكن هذا لم يحدث طوال 75 عاما.. وأكد الرقب أن «الأهم بالنسبة للاحتلال هو تفكيك الأونروا فى الداخل الفلسطينى أولا»، مشيرا إلى أن هذه المحاولات وجدت مساندة أمريكية فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى أصدرته إدارته عام 2018 بوقف تمويل الوكالة.


ومن واشنطن تحدث المحلل السياسى إيهاب عباس للأخبار بخصوص الموقف الأمريكى من قضية الأونروا معتبرا أن تأييد واشنطن المطلق لكل ما ترتكبه إسرائيل ضد الفلسطينيين يشجعها على التمادى فى ما تفعله بما فى ذلك الاتهامات والحملة الإسرائيلية التى تستهدف الوكالة الأممية.


محاولات «شيطنة الأونروا»
ومن رام الله تحدث للأخبار الدكتور أحمد أبوهولى عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسئول دائرة اللاجئين، مؤكدا أن إسرائيل تعمل منذ فترة بعيدة على «فكرة شيطنة الأونروا» لتشويه سمعتها ومكانتها ودورها وصولا إلى تجفيف مواردها المالية.. وأضاف أبوهولى أن «إسرائيل بهجومها على الأونروا تريد أن تقوض الأسس القانونية التى تقوم عليها قضية اللاجئين وشطب التعريف القانونى المعتمد للاجئ الفلسطينى وشطب توريث حالة اللجوء».
سلسلة فشل إسرائيلى
ورغم مطالبات عديدة من الأنروا لإسرائيل بتقديم أدلة على ما تدّعيه؛ فإنه لم يخرج عن حكومة نتنياهو سوى بعض مزاعم واهية لم يصدقها العالم، فتراجعت معظم الدول التى كانت قررت تعليق تقديم المساعدات عن ذلك القرار.