غسان كنفاني.. مراسلو القنديل الصغير

غسان كنفانى وابنة اخته لميس
غسان كنفانى وابنة اخته لميس

محمود بركة
كتبْ غسان كنفانى إلى ابنة اخته الطفلة لميس «القنديل الصغير» فى عيد ميلادها الثامن، أضاء قنديله يديها وزهور العالم وأطفاله، فى ٨ تموز عام ١٩٧٢ استشهد غسان ولميس فى بيروت، وصار القنديل ملهاة الطفولة وحكايتها؛ منهم من صار إلى فلسطين؛ ومنهم من فى المنفى ومخيمات اللجوء.
والحرب على غزة الواقعة، ومعها تواطؤ الأنظمة الغربية التى تعمل بكل السُبُل لتمكين (إسرائيل) للبقاء من خلال التطهير العرقى والتجويع والنفي، والقتل، حيث أكثر الشهداء من الأطفال الفلسطينيين. منذ اليوم الأول للحرب أصبح الطفل الفلسطينى يعيش الحصار وضيق المكان، ويتعرض للإبادة ما أجبرة أن يكون هو الكلمة ومراسلها وناقلها عبر الأدوات الممكنة والشحيحة.

فى اتصال مع أم سلمى، والدة الطفلة سلمى اللولو، طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً،  قالت: تقوم بتصوير المواد وتسجيلها وتوثيقها والتعليق عليها، وارسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقول الأم «إن ابنتها تُجيد اللغة الإنجليزية بمهارة مطلقة وأسلوب متميز، ولديها هواية التصوير والتعبير باللغة الأجنبية، وذلك قبل حدوث.. ووقوع الحرب. حيث كانت فى المدرسة تُشيد بها المعلمات لما تمتلكه من مميزاتٍ وإبداعٍ فى اللغة والتوثيق والتعبير، وهى بحاجة إلى من يساندها ويساند موهبتها فى ظلّ الظروف الصعبة التى يمرّ بها القطاع».

ومن جانب آخر تقول الطفلة المراسلة سمية محمد، فى تسجيل مُصور: «لا يوجد شيء آمن فى غزة، أنا الآن فى مستشفى شهداء الأقصى، عمرى ١١ سنة، من زمان كان عندى الرغبة أن أكون صحافية وهذه الأمنية من قبل الحرب، قدوتى الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة».. هذه الكلمات تعطى درساً فى زمن الجريمة الواقعة.

فالإبداع كثيراً ما يتولد لأطفال فلسطين من رحم المعاناة والمأساة، وهو ما يضيف على الصحافة وأخلاقياتها عنصر المصداقية، الصحافة اليوم تواجه فى العالم حروباً كثيرة على ما يُعرف بديمقراطية حرية التعبير، أى التعبير فى ظلّ التضييق والرقابة، وقد صار الأطفال فى غزة حتى من لم يظهر على الشاشة؛ هو الحكاية وهو الرواية، إيماناً بالمقولة: «اكتب الرواية ثم أضف هوامش التاريخ» وحتى يتحقق التاريخ فى مساره الصحيح؛ يجب ألا ننسى الماضى والحاضر وننقله للعالم، هذه رسالة أطفال غزة الكبار، وهى تعيش طقوس الكارثة فى العصر الفلسطينى نحو حريته واستقلاله.

كما تأخذنا الطفلة الفلسطينية المراسلة لمى أبو جاموس، ذات ال 9 سنوات- وقد أصبحت مراسلة يتابعها الكثير على منصات التواصل الاجتماعي- «لأننا فى غزة، يقتلون الأطفال، كل شيء مستباح، أما العالم واقف مكانه»... بهذه الكلمات الكبيرة واسعة الأفق، تسير بنا فى رحلة قصيرة بين الركام رغم صعوبة الكلمة والحركة، ومشاهد الناس فى طريقهم لسُبُل الحياة الصعبة» تحقق مقولة محمود درويش «لا تسألى الشعراء أن يَرْثُوا زغاليل الخميلةْ، شرف الطفولة أنها خطر على أمن القبيلة، مرحى لفاتح قرية ! مرحى لسفاح الطفولة» من كفر قاسم حتى غزة، وهى تشير اليوم إلى وجود ١٧ ألف طفل أو انفصلوا عن أهلهم.

تجدد هذه المسألة الآَراء والاتجاهات، وتفتح باب النقاش، نظراً لما تحمله من أهمية حول قضايا الطفل وحقوقه، وحقه فى حرية التعبير، وتوفير الحماية له بشكل عام. وفى استطلاع أجريته مع أحد خبراء الإعلام (ع.خ) يقول :أنا لست مع عمل الأطفال فى الوسائل الإعلامية الخاصة بالمراسلين فى أوقات الحروب والأزمات، وذلك لخطورة الحدث نفسه، وعدم اكتمال وعى الأطفال.ويضيف الخبير الإعلامي: إلى جانب ما تتركه هذه القضية من أثر نفسى فى شخصية الأطفال، حيث يؤكد ما يتأثر به الكبار بمثل هذه الظروف، فما بالك بالطفل، ويرى: نحن جميعاً نعلم ما تعيشه غزة من ظرفٍ صعب للغاية وحرب كارثية على البلاد، ولكن هناك أصوات أخرى من الكبار، علينا أن نقوم بنقلها والتعبير عنها، مع تأكيده: إلى ما يجب توفيره للأطفال من أمان قدرالإمكان، وذلك من باب ما قمنا بالتصديق والتوقيع على مواثيق حماية الأطفال..
 ومن خلال التواصل مع المخرجة الفلسطينية ليالى بدر، تقول: ما يواجهه شعبنا الفلسطينى فى غزة أكبر من أى قانون يضعه أى إنسان، أطفال فلسطين تواجه الموت والقتل والعنف فى كل لحظة، وتضيف: ما يعيشه الطفل من مواجهة للدمار والنزوح الجوع والبرد والحر، حيث ترى المخرجة بدر:  أن من حقهم التعبيرعن أنفسهم، وأن المقاييس العادية التى تُطبق على أطفال العالم، لا تُطبق على أطفال شعب فلسطين فى هذه اللحظات التاريخية الفارقة، أنا سعيدة جداً لكل طفل قادرعلى التعبير، لأن كل الأصوات خرساء فى العالم عن التعبير، وتضيف : هؤلاء الأطفال تحولوا للأسف إلى كبار بشكل سريع، البعض منهم يعبر بالابتسامة ضاحكاً وساخراً من الكبار الذين صمتوا، لذلك هؤلاء الأطفال أصبحوا أصواتاً لأنفسهم وشعبهم، وهنا لا يوجد ما يُسمى بعمالة الأطفال، بل توجد مقاومة القتل والدمار.
عدنا لكم من جديد معكم عبود المراسل الصحفى عبود بطاح، «أقوى صحفى فى العالم لعام ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤» ويتابعه الملايين، يطرح القضايا والأزمات السياسية والاجتماعية من داخل غزة وهى تعيش أشد الأوقات مأساة، يضع القضايا فى مكان حدوثها بعيداً عن سجلات المؤتمرات السياسية والتغطية الخارجية، فيكون أشد وضوحاً وواقعية فى تحقيق فاعلية الصحافة من حيث التأثير بين أطراف المرسل والوسيلة والمتلقي، نلاحظ الآراء فى التعليقات على صفحته، تطرح التساؤلات عليه، هكذا تكتمل قصة الصحافة فى غزة.» . 
 لكل طفلٍ قصته وحكايته وصحافته يأمل أن يلقيها ليجد من يسمعها ويكتبها، ولأجل أصدقائهم فى كل مكان من العالم، نحن هنا معكم، وإن غاب عنا ما يغيب، إلا أن الصحافة تعطينا الأمل فى الوصول والعبور المستمر نحو الحياة، ونكمل جميعاً ما كتبه غسان، ونحقق حُلمه فى سطر كتبه إلى لميس « لن تستطيعى أن تجدى الشمس فى غرفة مغلقة» وغزة اليوم كل جدارياتها وجدرانها مفتوحة فى اتجاه الشمس...وسنوات غزة القادمة تاريخا ً مكتوباً للتذكر وليس « ذاكرة للنسيان» ....
 حين كان إدوارد سعيد طفلاً فى بداية سيرته ومسيرته من القدس المحتلة: يروى كيف خرج من فلسطين إلى المنفى، وكيف سكّن المنفى حياته، وعاشت فلسطين فى وجدانه، يكتب ويبحث لأجلها، وأطفال فلسطين فى غزة صاروا اليوم كل منهم طفل الصحافة والكلمة والمهنة الكبيرة على أن يحمل طفل بطاقة صحفي، يعطى الحقيقة حقها فى الوجود إلى أن تصل ، هذا دور الإعلام وما نتعلمه فى كلياته ومدارسه وحتى نظريات الاتصال والصحافة الحديثة والمعرفية، ولتتحقق المعرفة، يجب أن تصل إلى الوعي، والوعى دوماً بحاجة للاستماع للمعلومات الصحيحة ليمارس دوره فى الرأى والنقد وتصحيح الخلل، وقد عملت الاستعمارية على تضييق المعلومة فى إيجاد مبرر القتل الاستعمارى من أجل دولة المستعمرات فى فلسطين.