الفجر وليال عشر

كوامل

بفضل من الله ومِنّة، لا نزال نتقلّب فى هذه الأيام المباركة، التى عظّم الله شأنها ورفع مكانتها، ألا وهى عشر ذى الحجة،التى أقسم الله تعالى بها ( وَالْفَجْرِ (*) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) أقسم بها سبحانه وتعالى لشرفها وفضلها، هذه العشرُ العملُ فيها ليس كالعمل فى غيرها، بدليل حديث الحبيب عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم : « ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من الأيام العشر - يعنى عشر ذى الحجة - قالوا ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشئ «.
لقد خصّ الله هذه الأيام العظيمة بيوم عظيم المنزلة، ألا وهو يوم عرفة، وهو يوم أقسم الله به - وسأتحدث عن هذا اليوم المشهود فى مقالى القادم بعون الله إذا كنت من شهوده، والذى من المفترض أن يكون يوم الأحد القادم أعاد على الأمة كلها هذه الأيام المباركة، وهى فى خير ويُمن وبركة وسلام، وأعادها على الأراضى كلها وقد عمّها السلام، وزال عن وجهها الفساد والطغيان، وباد أهل الظُلم والفُحش، وتجار الدين وسماسرة الحروب والفتن، ما ظهر منها وما بطن،أولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ونسوا ما حذرهم منهم رسول الرحمة والإنسانية « لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض « وقبل ذلك نسوّا تحذير ربِّ العالمين : (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) سورة الإسراء 33، واليوم وقد ظهر ما حذّر منه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ؛ فكَثُر القتل والاقتتال، وأصبح هناك البعض ممن جعلوا من ذلك الفسق هواية وديدناً- ولللأسف تحت شعار الدين !!- وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) سورة النساء 93.
ولعلنا ونحن فى هذه الأيام المباركة، والنفوس تقترب أكثر من ربها فى مثلها.. علينا التنادى والتذكير بحرمة الدماء، التى شدد ديننا العظيم على حرمتها وحرمة غصب الأموال وسرقتها، سواء كانت أموالاً عامةً أو خاصةً، خاصةً بعدما استشرى الفساد فى البر والبحر وانتشر فى جنبات أمتنا وصار لجبهتها عاراً وفيها وصمةً.
والمجتمعات لا تصلح بسفك الدماء أو بالانشقاقات والرياء، ولا بالمنازعات والبغضاء، وإنما تصلُح بعقيدة الإسلام التى تدعو لحفظ الضرورات الخمس، من الحفاظ على النفوس والعقول والأموال والأعراض والدماء. فهى عقيدةٌ لا أقول تحترم المسلم وحده، بل الإنسان فى كل زمان ومكان، وتحفظ كيانه وتحقنُ دمه،بل وترفع هذه العقيدة للدين الخاتم شعار الإحسان، ليس مع الإنسان فقط، ولكن مع النباتات والحيوانات قبل أن يعرف العالم هيئات الحفاظ على البيئة وما يُسمّى بحقوق الإنسان، والرفق بالحيوان.
كثير من الأمم والشعوب.. كانت وستبقى دائماً فى حاجة إلى مرشدين ورواد فى الفكر تجىء بهم الأيام وتذهب، وكثير من أولئك فشلوا وضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وكثيرٌ من دساتير الأرض كُتبت ومُحيت.. وسادت حيناً ثم بادت، لأنها من وضع البشر ونتاج عقولٍ لا ترقى إلى الكمال، بل ترقى إليها الشبهات وتلفّها الشكوك وعدم الاكتمال، بينما أهدانا الله دستوراً سماوياً خالداً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول عنه المبعوث رحمةً للعالمين عليه صلوات الله وملائكته وسلام الناس أجمعين : « ألا إنها ستكون فتنةً، فقلت : ما المخرج منها يارسول الله ؟ قال : كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذى لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء.. « صدقت ياسيدى يارسول الله، إنه لا يَخلَقُ على كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه، وهو الذى لم تنته الجنُّ إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآناً عجبا..
نعم ما أحرانا أن نُذكّر فى هذه الأيام الفضيلة بكل ما يشُدّنا إلى الله، وبكل ما يعيدنا إلى ربنا لنكون بحق خير أمة أخرجت للناس، ولنظل بصدق على دربه سائرين ولوجه الكريم قاصدين.. وفى المحبة والسلام راغبين.