الطريق الوحيد لتقدم الشعوب

لقاء الجمعة

إن

التعليم حق أصيل من حقوق الإنسان، ودعوة من السماء لأهل الأرض لإعمارها، وهو حق لا يقبل المساومة أو المزايدة، ويجب ألا نقرن بين حق التعليم وبين التزام الدولة بتعيين الخريجين فهذا موضوع آخر يخضع لقانون العرض والطلب فى أسواق العمل فى الداخل والخارج وفى ظل التنافسية العالمية التى تتطلب التأهيل والتدريب الجيد فى التخصصات المطلوبة، حيث لا مكان فى هذه الأسواق لجاهل أو مهمل أو متراخ.
ومن العيوب الشائعة فى مجتمعات العالم الثالث، أعني العالم المتخلف أن البعض عندما يحصل على ما يريد من متطلبات الحياة ينكر على الآخرين أن يحصلوا على نفس فرصته.. فإذا تعلم أو تملك لا يريد لغيره أن يتعلم أو يتملك مثله، وتلك أنانية قاتلة، وهذا هو حال كثير من المثقفين أو مدعى الثقافة فى بلادنا.
إن تقدم الشعوب وازدهارها يأتى من منطلق اهتمامها بالتعليم لأنه هو الذى يقيم الدولة المتطورة ويقويها، لأنه الذى يحفظ هيبتها وكرامتها.. ولقد أثبتت الدراسات الميدانية، ان انتاجية العامل أو الفنى تتضاعف كلما زاد المستوى العلمى والتدريب المستمر على أحدث تقنيات العصر.
إن الذين يرجعون زيادة معدلات البطالة إلى انتشار التعليم أو التوسع فيه جانبهم التوفيق، فلم يكن التعليم فى يوم من الأيام هو السبب فى البطالة، وعليهم أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية لهذا المرض العضال.. وبالتأكيد لن يكون التعليم أحد هذه الأسباب.
لقد أصبح التعليم فى بلادنا حقل تجارب تتنازعه الأهواء والأغراض، تارة يجعلون شهادة الثانوية العامة على سنتين، وتارة على ثلاث سنوات وتارة سنة واحدة.. وهذا التخبط يؤكد أنه لا توجد سياسة تعليمية مستقرة كما يحدث فى بلاد العالم المتقدم، يأتى وزير ويرحل، ولا أحد يعلم كيف جاء، ولماذا رحل، وما هى انجازاته، إيجابياته وسلبياته خلال تواجده بالوزارة.
وفى غيبة عدم المحاسبة وتقييم الأداء يفعل الوزير ما يشاء. وهذا هو حال جميع الوزراء فى جميع المواقع التى يجلسون على قمتها.
وما حدث فى التعليم الابتدائى، حدث فى الثانوية العامة فقد تقدم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بمشروع قانون لمجلس الشعب سمى بمشروع التحسين لإعطاء الطلاب الفرصة للحصول على مجموع يؤهلهم للإلتحاق بالجامعات والمعاهد العالية، وقد وافق مجلس الشعب على المشروع وأصبح قانوناً تم تنفيذه على الفور، وبعد فترة تقرر الغاء النظام الجديد، ولا أحد يعلم حتى الآن لماذا تم إقرار القانون، ثم إلغاؤه.. والسؤال الذى يطرح نفسه على الساحة الجماهيرية من المسئول عن هذا التخبط فى انتهاج سياسات تعليمية غير معروف هويتها أو أصلها وفصلها.
إن عدم استقرار هذه السياسات يجعلنا نطالب وزراء التعليم بالتريث والتدقيق ليس فقط فى التعليم، ولكن فى كل شئون حياتنا.. فالتعليم هو حاضر الأمة ومستقبلها، ومن ثم فليس التعليم مسئولية فرد أو مجموعة أفراد، مهما كان ذكاؤهم انما هى قضية وطن ومستقبل الأجيال الجديدة.
ان نظام الثانوية العامة فى الدول الأوروبية وأمريكا ثابت منذ سنوات طويلة مع تطوير مستمر فى أساليب التدريس وفق تقنيات العصر مع تغيير مستمر فى مناهج الدراسة وإدخال علوم المستقبل، كما أن محاكاة أى نظام تعليمى نستورده من الخارج، قد لا يتواءم مع البيئة المصرية، لأن مصر لها ظروفها الخاصة، قيم وتقاليد وأعراف خاصة بها.. ومن المعروف أن لكل مجتمع ظروفه وامكانياته وثقافته.. لذلك فإن نقل التجارب بلا روية والإسراع فى التطبيق من شأنه تعريض المجتمع لهزات عنيفة والخاسر الوحيد الشعب ومستقبل الأجيال الجديدة.. واذكروا تجربة مدارس مبارك - كول بمدينة ٦ أكتوبر التى أقامتها ألمانيا، وزودتها بكل حديث فى عالم التقنيات الفنية.. كانت البداية مبهجة.. وانظر إلى ما آل إليه حالها الآن.. والحديث موصول.