الحياة إرادة

دعونى أقتله

جلست أمامى تبكى بحرقة طيلة فترة الحديث التى امتدت لقرابة الساعة، ولأننى اتشكك كثيرا فى الدموع النسائية فقد تابعت حديثها بشيء من عدم الإكتراث لكن دموعها التى لم تتوقف جعلتنى أنتبه للحديث، قالت: أقيم فى عمارة بناها والدى بحى مصر الجديدة وعشت مراحل بنائها طوبة طوبة، وعند تحرير عقود البيع والتأجير كنت حاضرة وشاهدة عليها، وبعد وفاة والدى وفقدى السند الوحيد لى فى الدنيا بدأت المشاكل تطل برأسها وتنكد علىّ حياتى.. أنا يا سيدى فتاة فى بداية الثلاثين من عمرى وقد ابتلانى الله بنعمة الجمال الفتان فأصبحت مطمعا لكل من استعين به، مازلت أذكر وجه هذا الرجل الذى جاء لوالدى متمسكنا تكاد كلماته تجعلك تمزق ملابسك شفقة عليه وهو يطلب شراء شقة لابنه الوحيد، كان يقول إنه من أسرة إخوانية وإنه يخشى على ولده من الضياع وأن مساعدة والدى له فى الحصول على الشقة سوف تكتب له فى ميزان حسناته وتدخله الجنة ببركة دعائه له، وبعد فصال ممل وتذلل ممقوت وافق والدى وباعه الشقة بأقل كثيرا عن الآخرين وسكن الطابق الذى يعلو شقتنا، وذات يوم وأنا أعيش بمفردى فى الشقة ذات المستويين لاحظت تساقط قطرات مياه من سقف الحمام، أحضرت السباك فقال إن مصدر التسرب حمام الشقة العليا، صعدت وطرقت الباب فاستقبلتنى زوجة هذا الرجل الذى تساهل معه والدى وكانت غاية فى الأدب ووعدتنى بحل المشكلة عقب عودة زوجها، مرت أيام ولم يحدث شيء فعدت إليها وهذه المرة فتح زوجها واندفع فى وجهى كماسورة مجارى وأقسم أنه لن يصلح شيئا، إجتمع الجيران وحاولوا إقناعه بإصلاح العطل على نفقتى الخاصة فرفض بحجة أنه يكون فى عمله وزوجته لوحدها ولن يدخل عليها غريب، قال نسوة فى العمارة سنكون معها فأقسم بالطلاق أن ذلك لن يحدث، استعنت بالحى فقام بالمعاينة وأقر بضرورة الإصلاح، ولكن من يقوم بالتنفيذ؟ استعنت بمحام فأقام دعوى ضمنها بلاغا من السكان للشرطة بوصول تسرب المياه للمصدر الرئيسى لوصلات الكهرباء مما يهدد بكارثة، تداولت القضية وصدر حكم بحبسه سنة والغرامة، لن أحكى لك مأساتى فى أقسام الشرطة وأروقة النيابة والمحكمة، لكنه استأنف الحكم وفى الاستئناف ألغيت عقوبة الحبس واستبدلت بغرامة 300جنيه قال دفعتها على الجزمة، السقف عندى أصبح كالفطيرة المشلتتة انتفخت طبقة الطلاء وتلونت بالصدأ، فكرت فى قتل هذا الرجل لكن الجيران نصحونى بعدم معالجة الخطأ بخطـأ أفظع منه، قالت رسالة أريد توجيهها للنائب العام وكل مسئول فى هذا البلد.. ماذا تفعل لو كنت مكانى؟.