قضية ورأي

في جناية الجنيه .. من الجاني ؟

لم أدرس اقتصاد ولا أدعي الفهم العميق لمفرداته وأدواته.. ولكن... الكارثة الاقتصادية التي نعيشها وتنعكس آثارها علي كل مصري محب لوطنه جعلتني أستشعر الخطر وأفكر بالتحليل والمنطق وأعرض الأمر علي من يهمه الأمر وعلي أولي الأمر لعلهم يفوضونه إلي أولي الأمر المتخصصين.
حاجة بالعقل كده.. قيمة العملة الصعبة هي ناتج الميزان بين الداخل والخارج (المنصرف) منها.. كيف تحصل مصر علي العملة الصعبة وكيف تنفقها هو ما يحدد قيمة العملة أمام الجنيه.. أي قاعدة العرض والطلب.. ومن هذا المنطلق وبمنطق عد غنمك يا جحا يمكننا أن نعرف كيف انهار الجنيه المصري في الفترة الأخيرة ونحلل الأسباب الحقيقية أملاً في الوصول إلي حلول حقيقية.
مصادر العملة الصعبة لمصر كانت منذ عقود ومازالت:-
١- تحويلات المصريين من الخارج...
و التي كانت تمثل ما يقرب من ١٨ مليار دولار سنوياً.. انخفضت انخفاضا حادا وملحوظا ومؤثرا عما كانت عليه قبل ثورتي يناير ويونيو.. والسبب عرفناه وهو شركات الصرافة الإخوانية التي كانت تشتري العملة الصعبة من أصحابها بالخارج بسعر أفضل لهم عن بيعها او تحويلها في مصر (و ذلك حتي لو بالخسارة عليهم) مع تقديم مزايا أخري مثل توصيل القيمة بالجنيه المصري لذويهم في مصر »لحد باب البيت»‬ تجنباً لبهدلة الطوابير ورسوم وضرائب التحويلات...!!
٢- السياحة...
حدث ولا حرج.. الحرب في سيناء- الطائرة الروسية-الطائرة المصرية القبرصية- العمليات الإرهابية حتي قنابل الصوت الفاشلة منها بالقاهرة (و التي بدأت تنحصر تماماً بفضل الجهود الأمنية) ومع ذلك ما زال حظر السفر إلي مصر قائماً من كبري شركات السياحة مثل توماس كووك البريطانية التي أصدرت قرارين أولهما رفع الحظر عن السفر إلي تركيا بعد محاولة الانقلاب (رغم توتر الوضع الأمني) والقرار الثاني هو استمرار حظر السفر إلي مصر حتي مارس ٢٠١٧!!.  مهما فعلت أي حكومة فلن تصلح ما ليس بيدها...!!
٣- الاستثمارات الأجنبية الخارجية...
و هنا لنا وقفة.. لقد انهارت الاستثمارات الأجنبية في مصر منذ ثورة يناير وتفاقم الانهيار بعد ثورة يونيو.. ولذلك أسباب عديدة أحدها وليس أهمها الحالة الأمنية.. أما الأهم هو ما تقدمه الحكومة المصرية للمستثمر أو بالأحري ما لا تقدمه.. أين نتائج المؤتمر الاقتصادي وعقوده ووعوده؟ أين القوانين التي تُيسر علي المستثمر وتحميه وتضمن حقوقه؟! أين نظام الشباك الواحد الذي يقضي علي البيروقراطية قبل أن تقضي علي الاستثمار؟! أين خطة الحكومة ورؤية القيادة السياسية لجذب الاستثمار؟! فشل يؤدي إلي إحباط.
٤- الصناعة والتجارة الخارجية...
وضع لم يتغير كثيراً.. فنحن شعب مستهلك بطبعه.. كسول ولا يعمل ولا ينتج ولا يزرع حتي قوت يومه فما بالك بفائض او سلع استراتيچية للتصدير.. ورغم ذلك نما إلي علمي افتتاح بعض مصانع الصناعات الصغيرة أو المغذية للصناعات الكبيرة.. ولكن علمت أيضاً بإغلاق مصانع كبيرة مصرية وأجنبية.. والمحصلة صفر...!!
٥- الثروات المعدنية والطبيعية...
مصر بها ١٢٠ منجم ذهب منها منجم جبل السكري الذي يعد من أكبر عشرة مناجم في العالم.. وشكوك كثيرة تحوم حول شبهات فساد في اتفاقيات إدارته وتهريب ثرواته قبل وبعد الثورة بدأت مؤخراً.. أما عن الغاز فهو هدية الخالق لشعب مصر في وقت كانت في أمّس الحاجة اليها.. فاكتشافات حقول الغاز بالبحر المتوسط كان معقودا عليها آمال وخطت فيها القيادة السياسية بخطي مدروسة وقوية .
٦- قناة السويس...
رغم أنها لم تكن تشكل القوام الأساسي للدخل كما يظن البعض إلا أن دائماً الآمال معقودة عليها.. وهكذا كانت آمال المصريين الذين استثمروا أموالهم في شهادات باسمها لحفر قناة فرعية بجانبها وتنمية محورها عن طريق إنشاء منطقة حرة وصناعية وتجارية تهدف إلي زيادة دخل القناة.. وبدأ الحلم الجميل ولم يصحوا منه بعد إلا قليل.. حتي الآن لم يكتمل المشروع التنموي.
٧- القروض الدولية...
يحسب لنظام مبارك أنه خلص مصر من كامل ديونها الخارجية ورفض الاستدانة مجدداً في زمن كان سعر الدولار فيه يتأرجح حول خمسة جنيهات مصرية.. وتغير الحال بعد الثورتين واستدانت مصر كما لم يحدث من قبل من طوب الأرض...!!
أما عن أوجه صرف وإنفاق العملة الصعبة فهذا واقعها:-
١- حدث تغيير استراتيچي أجبرتنا عليه الظروف المحلية والإقليمية والدولية وهو تسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة والمعدات البحرية والجوية في خطوة ربما غير مسبوقة تاريخياً وقطعاً كان لهذا تكلفة باهظة.
٢- هناك مشاريع ضخمة في الإسكان الشعبي يجري العمل فيها علي قدم وساق وتحقق أهدافها لصالح المواطن البسيط.. وفي الطرق والمواصلات نشهد كثافة في الإنشاءات الجديدة من شأنها أن تزيد حركة التجارة الداخلية علي المستوي الاقتصادي إلي جانب التأثير الإيجابي علي المستوي الاجتماعي.
٣- وعن معدلات الاستيراد ونوعيته فلم يتغير إلا من وقف استيراد سلع تسميها الحكومة 'استفزازية' أو 'رفاهية' مما أثر علي مستخدم الرفاهية.. ومقدمها أيضاً...!!
٤- الزيادة السنوية الطبيعية في معدلات التضخم والإنفاق والاستهلاك...!!
هذا هو الميزان.. وهذا هو الواقع.. وهذه هي الأسباب الحقيقية لانهيار الجنيه المصري وانحدار الاقتصاد.. ولن تُجدي المحاولات البائسة للبنك المركزي للعلاج بمسكنات تجرعنا آثارها الجانبية أكثر من نفعها- ومحاولات الطمأنة الزائفة »‬و الضحك علي الناس» بمعلومات مضحكة عن وصول الدولار لأربعة جنيهات- ذلك لان البنك المركزي هو في الأساس جهة تنظيمية للمعاملات والسياسات المصرفية والنقدية وهو مجرد حلقة في سلسلة تحكم قيمة العملة الصعبة ومؤشر الاقتصاد القومي ولا تبنيه...!!
أما الحل الحقيقي في رأيي المتواضع هو قرار سيادي بإنشاء مجموعة عمل اقتصادية ( من ذوي الخبرة في مجالات مختلفة) لوضع خطة إنقاذ علي المدي القريب والبعيد والأهم »‬نسمع وننفذ كلامهم مش هُمّ اللي يسمعوا الكلام وينفذوه»...!!
و بعيداً عن سعادة الشامتين والمتربصين والخرفان.. وإنكار أو انكسار المطبلاتية والفلول والعبيد.. وكل الفئات والمسميات التي ابتدعناها وأبدعنا فيها.. من الجاني في جناية الجنيه؟ الكل جاني.. والمجني عليه وطن اسمه مصر.