الصندوق والشركات الحكومية

سؤالان  مهمان مطروحان على المائدة هذا الأسبوع؛ السؤال الأول: هل تؤيد استمرار الحكومة فى التفاوض مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 12 مليار دولار أمريكى؟ وهل يصب هذا القرض فى مصلحة المصريين أم أنه سيكون وبالاً علينا جميعاً؟
صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية عموماً لا تخلو من البيروقراطية، ولا شك تتأثر سياساتها برغبات الدول الرئيسية، وأحياناً كثيرة ما يقترحه خبراء الصندوق من روشتات إصلاحية على الدول النامية يتجاهل الأبعاد الاجتماعية والسياسية لهذه الدول. والأخطر من هذا أو ذاك أن أى خطأ فى برنامج الإصلاح الاقتصادى وأى ثمن لهذه الأخطاء سواء كانت اجتماعية أو سياسية لا يتحملها الصندوق أو صاحب الاقتراح، بل يدفع الثمن الشعب، وتتحمل الحكومة مغبة الفشل. وفوق هذا وذاك لو أن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ برنامج الإصلاح بحذافيره أو تلكأت فيه؛ فإن التقرير الدورى للصندوق لن يرحمها، وفشل برنامج الإصلاح يعنى التجريس دولياً بسمعة البلد، وتوقف كافة الاستثمارات الدولية والصناديق والمؤسسات المالية مع مصر.
فى ظل هذه المعطيات لا شك أن الابتعاد عن فلوس الصندوق أفضل وأسلم لمصلحة مصر والمصريين، والأولى أن يكون برنامج الإصلاح الاقتصادى مصرياً بنسبة 100%. ولهذه الأسباب سبق لمصر فى التسعينيات أن أوقفت إجراءات الاقتراض من الصندوق، ولهذه الأسباب أيضاً رفضت الحكومة المصرية بعد 2011 مرتين الاستمرار فى إجراءات الاقتراض رغم أنه قد كان قد تم الاتفاق على كافة التفاصيل، وكان الاتفاق فى سبيله للعرض على مجلس إدارة الصندوق، إلا أن الحكومة تراجعت فى اللحظات الأخيرة. ولهذه الأسباب المشار إليها أيضاً رفضت حكومات عديدة الاعتماد على الصندوق فى تنفيذ برنامجها الإصلاحى، ومن هذه الدول الحكومة الماليزية، إذ رفض مهاتير محمد بعد مفاوضات مضنية فى بداية الثمانينات الاقتراض من صندوق النقد الدولي. وخلاصة هذا الكلام أنه لا يجب الاقتراض من صندوق النقد إلا إذا أعيتنا الحيلة، وكنا فى حالة الضرورة. وللأسف الشديد نحن الآن فى حالة ضرورة، والوضع الاقتصادى فى مصر فى حالة خطر.
وأوافق على الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وأوافق على أن تقوم الحكومة بالتزامن مع ذلك بإصدار سندات دولارية، وذلك كله مشروط بتطبيق برنامج إصلاحى بجد وليست على طريقة الفنكوش الذى أصدرت بها الحكومة برنامجها 20-30 أمام البرلمان. مصر تواجه أزمة اقتصادية خطيرة غير مسبوقة فى تاريخها الحديث كله، وقد بلغ معدل العجز فى الموازنة أكبر نسبة له فى تاريخ مصر الحديثة، وانخفض الاحتياطى بالنقد الأجنبى إلى أقل معدلاته بحيث لم تعد تكفى السيولة النقدية المتاحة بالنقد الأجنبى لمواجهة أكثر من شهرين ونصف لتغطية احتياجات مصر من السلع الأساسية. ولذلك فإن الاقتصاد المصرى فى حاجة إلى جرعة أكسجين عاجلة -أو قل قبلة للحياة -من أجل الاستمرار وتفعيل البرنامج الإصلاحي، فالتوقف عن سداد الديون الخارجية أو العجز عن استيراد السلع الأساسية ينذر بوصول معدلات التضخم وارتفاع الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة، كما حدث من قبل فى تركيا والأرجنتين واليونان -وتلقت هذه الأخيرة دعماً من أوروبا غير متاح لمصر. ولذلك وجب ضخ نقد أجنبى عاجل لمواجهة الالتزامات الحالية ودعم الاحتياطى بالنقد الأجنبى، والأهم من ذلك منح قدر من السيولة والمرونة للبنك المركزى لدعم سياساته النقدية وتحقيق الاستقرار فى أسعار السلع الأساسية. وهذا القرض والسندات الدولارية المزمع أن تصدرها الحكومة تتيح فى حدود5 مليارات إلى 6 مليارات دولار عاجلة خلال الشهور القليلة القادمة لإجراء عملية إنقاذ سريعة.
وليكن معلوماً أنه إذا لم يكن ذلك مصحوباً بتنفيذ برنامج إصلاحى اقتصادى جذرى وحقيقى لخفض العجز فى الموازنة، وتقليل فجوة الدين، وتشجيع الاستثمارات، والإصلاح المؤسسى للجهاز الحكومي؛ فلا أمل، وستكون الكارثة هى المصير المحتوم.هذا القرض ينطبق عليه المثل الشعبى القائل "مكرهٌ أخاك لا بطل"، ويجب التعامل معه على أنه مجرد إسعافات أولية لإنقاذ الاقتصاد، فإذا لم يصاحب هذه الإسعافات الأولية عملية جراحية وعلاج حرفى جيد فسيموت المريض لا محالة.
ويضاف إلى ما تقدم، أن قرض الصندوق والسندات الدولارية فى إطار برنامج إصلاحى منضبط ببرنامج زمنى واضح بخطة محددة لمعالجة الآثار الاجتماعية وعدم الإضرار بالفئات المطحونة من الشعب المصرى؛ سيزيل الغموض بشأن مستقبل الاقتصاد المصري، وسيكون له أثر إيجابى على عودة الاستثمار الصناعى والتشغيل، وهذا هو بيت القصيد.
أما السؤال الثانى فيتعلق بخطة الحكومة لطرح حصة من أسهمها فى الشركات المملوكة لها فى البورصة. وطبقاً لما هو متاح لى من معلومات؛ فالحكومة تسعى لقيد بعض شركاتها فى البورصة، وهى على وجه التحديد بنك القاهرة وبعض شركات البترول. أما قطاع الكهرباء فسيقتصر الطرح على مشروعات محطات الكهرباء التى تقوم ببنائها شركة سيمنز الألمانية مع عدد من الشركات المصرية. ووفقاً لما هو متاح لى أيضاً من معلومات فإن الأغلبية لرأس المال فى هذه الشركات المطروحة سيظل مع الدولة، بحيث لن تزيد نسبة المطروح للملكية الخاصة عن 45%. وكما أفهم أيضاً لا توجد نية الآن فى طرح شركات قطاع الأعمال العام الأخرى.
هل يجب أن نؤيد هذا الطرح أم علينا أن نعارضه؟ والسؤال البديهى: ما هى الفوائد المرجوة من هذا الطرح؟ فى رأيى أن دوافع هذا الطرح متعددة؛ أولها: أنه وسيلة لضخ استثمارات جديدة فى رؤوس أموال هذه المشروعات لزيادة إنتاجيتها، ودعم أنشطتها، ورفع ربحيتها. ومن ناحية ثانية: فإن قيد عدد من الشركات العامة فى البورصة من شأنه رفع درجة الإفصاح والشفافية والحوكمة فى إدارة هذه المشروعات العامة. ومن ناحية ثالثة: فإن من إيجابيات هذا التوجه تنشيط البورصة المصرية وبخاصة ما نسميه بالسوق الأولية أو سوق الإصدار، حيث يتم ضخ أموال فى رؤوس أموال عدداً من الشركات لرفع إنتاجيتها ونمو أنشطتها. لهذه الأسباب؛ فإنى أؤيد هذا التوجه الإيجابى، ورأيى الخاص أن يكون التوجه فى عمليات طرح من خلال زيادة رؤوس أموال هذه الشركات، وليس مجرد بيع حصة... فعملية زيادة رؤوس الأموال تعنى ضخ أموال جديدة فى شرايين الاقتصاد المصرى، وافتتاح مزيد من المشروعات، وتشغيل عدد أكبر من العاملين... فهذا هو بيت القصيد.