الضمير الفكرى

كوامل

فى

مناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس اتحاد الصحفيين العرب.. نقلت الأخبار لقاء فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى بوفدهم فى قصر الرئاسة.. ولا أريد أن أُعيد نقل ما تناقلته وسائل الإعلام كافةً فى هذا الموضوع.
ولكن استوقفنى مصطلح « الضمير الفكرى « الذى طالب فخامته الصحفيين بالالتزام به. والصحفى كلمة تُطلق فى دول المغرب العربى على كل العاملين فى مجالات الإذاعة والتلفزيون أيضاً من معدّين ومقدمين.. وهو يتناسب الآن مع مايجرى فى قنوات الإذاعة والتلفزيون فى عالمنا العربى، بعد أن تحول معظم الصحفيين إلى مذيعين ومُقدمى برامج، لدرجة غاب معها المذيع التقليدى، الذى كان متعارفا عليه قبل استيلاء الصحفيين على هذه المهنة. وقد يكون هذا لأحد أمرين :
الأول : اجتهاد الصحفى، والثانى : انعدام أو نُدرة من يمكن أن يُطلق عليهم « مذيع «. وربما يكون هناك عامل آخر، وهو امتلاك القناة والصحيفة لمالك واحد.. إضافةً إلى ما قد يعود على صاحب القناة أو الجريدة من دخل مادى إعلانى بسبب شُهرة هؤلاء الصحفيين وعلاقاتهم بالأوساط التجارية.
وتأكيد الرئيس على ضرورة الالتزام بـ « الضمير الفكرى « مردُّه المرحلة والظروف الحالية التى يمرّ بها عالمنا العربى ومنطقتنا بشكل عام.
ولاشك أن ما طرأ على كل وسائل الاتصال الفردية والجماعية جرّاء ثورة المعلومات والتقنية، قد فرض نوعاً جديداً من الرقابةعلى وسائلالإعلام التقليدية وعلى كل العاملين فيها. فأصبح المتابع عبر هذه الوسائل حَكَماً وناقداً فورياً، يُصدر أحكامه العاجلة بآرائه المؤيدة أوالمناهضة، وتطور بعضهم حتى أمسى يملك من الأدوات ما يقدم به الدليل الذى يُدين بعضاً من المذيعين الجدد والذين لم يعد بعضهم يدين لرقابة الضمير الفكرى، بل صار مراقباً لتحقيق الأهداف الخاصة بهذه المحطة أو تلك الجريدة.
وأذكر أن الرئيس كان قد أكد فى حديث سابق له : أنه لايوجد فى العالم، كل العالم، إعلام بدون رقيب.
وهذه حقيقة، حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية، هناك رقابة ذاتية، ثم رقابة مؤسسية، رغم أن المادة الأولى من الدستور الأمريكى هى « حرية الكلام «. وأصحاب المحطات الخاصة حين يتقدمون للحصول على رخصة البث فإن هيئة FCC تمنحهم مع الرخصة قائمة بالمحظورات التى عليهم أن يتجنبوها، وفى حالة مخالفتهم لها وجرى إنذارهم أولاً، يكون سحب هذه الرخصة هو الإجراء التالى. ولو سأل أحد عن قائمة المحظورات أو ملخص لها، أقول : إنها تتلخص فى عدم تعارض ما تقدمه المحطة مع مصلحة المجتمع الذى تبث فيه. ناهيك عن الألفاظ السيئة البذيئة التى يجب عدم استخدامها، وعدم العبث بالأديان.
وأذكر أننى تعاونت بحكم عملى فى إنتاج البرامج والدراما منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصرى، يوم كان الأستاذ حسين عنان جزاه الله خيراً، رئيساً لمجلس الأمناء..
وأصدر قائمة ضمها كتاب ذهبى تحتوى المبادئ والقواعد التى يجب أن تستهدى بها البرامج والدراما فى التلفزيون المصرى - يوم لم يكن هناك محطات أو شبكات خاصة - وصدر القرار بتاريخ 29 مارس 1988. وكانت الفقرة الأولى فى البند الأول:
إن مفهوم الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى لا يجب النظر إليها فقط من منظور فلسفى أو اعتقادى، ولكن يتعين ترجمته إلى سلوك يشمل كل مجالات الحياة. وكان معنى هذا : أن على برامج الإذاعة والتلفزيون وعلى المسلسلات أن تُنتج فى هذا الإطار. وذلك فى محاولة جادة للتأثيرالإيجابى على سلوك الفرد والمجتمع.وسوف أتعرض للحديث عن هذا الكتاب بتفصيل أكبر لاحقاً..
وأذكر أيضاً أنه بعد صدور هذه اللائحة، وكنا فى شركة الرياض للإنتاج الإعلامى، بصدد عمل درامى يقوم ببطولته الفنان فريد شوقى - يرحمه الله - وأثناء حضورى لبعض البروفات، شاهدت أن فريد شوقى يشعل سيجارته عند كل موقفٍ يتطلب التفكير العميق أو اتخاذ قرار.. فجلست معه بعد نهاية البروفات وتحدثت إليه حديث الأصدقاء.. وقلت له : أخشى أن يرتبط فى أذهان المشاهدين خصوصاً المراهقين منهم أن السيجارة هى حلّالة المشاكل وهى الدافعة إلى اتخاذ القرارات، وأنت بطل العمل وبالتالى يكون تأثيرك أكبر على المشاهدين.. فهل يمكنك الاستغناء عن السيجارة أثناء التصوير ؟ قال دون تردد : طبعاً، كل ما فى الأمر أنها مكتوبة فى السيناريو. فبدأت اتعامل مع كتّاب السيناريو فى محاولة لتنقية سطورهم مما قد يؤثر على سلامة المشاهدة لدى بعض الناس. وأذكر بكثير من التقدير والاحترام، للأمير خالد الفيصل يوم كان مديراً عاماً لرعاية الشباب فى المملكة العربية السعودية، وحينما فكر فى إقامة دورة لكرة القدم تجمع الشباب الخليجى تقام كل عامين، ومازالت قائمة منذ السبعينيات حتى اليوم، وكان البحث عن التمويل المالى لهذه البطولة هاجساً يهدد إقامتها، فتقدمت شركة سجائر معروفة وعرضت عليه التمويل الذى يريده.. فقال : لقد قتلتم الفكرة فى مهدها.. كيف أسمح لشركة سجائر أن ترعى شبابنا.. ثم أطالب هؤلاء الشباب، بتجنب التدخين والامتناع عنه ؟!
سؤال برىء يقاس عليه ما نشاهده اليوم فى معظم المحطات وكثير من الدراما.
ختاما أود أن أشكر الإخوة الذين قرأوا مقالى السابق عن الساحل الشمالى وإلى الذين استجابوا لندائى وأن يشاركونى محبة مصر بإرسال ما يرونه على البريد الإلكترونى لمحبى مصر وسأقوم بمشيئة الله بالرد عليهم شخصياً فشكراً لهم وفى انتظار ما يرد من غيرهم لأى أفكار فى حب مصر.
[email protected]