فاطميات

أوراق شباك «8»

ولأن الشيء بالشئيء يُذكر، فقد تداعت إلي ذهني القصيدة الشهيرة للشاعر»أمل دنقل» (أوراق الغرفة 8)، التي يصف فيها رحلته مع مرض السرطان في أحد المستشفيات، حيث أقام في الغرفة (8)، ومرض السرطان، والعياذ بالله، يصيب الإنسان نتيجة لتغير تركيب خلايا جسده، وتحولها إلي خلايا خبيثة، تتكاثر، فيصعب السيطرة عليها،لذا عادة مايضرب المثل بهذا المرض لوصف الفساد الآتي من داخل منظومة تبدو متعافية ومُحكمة، ففي صبيحة يوم قريب توجهت إلي «مرور حدائق الأهرام»، لتجديد رخصة سيارتي القديمة، وجني ثمار التزامي بقواعد المرور لثلاث سنوات كاملة، دفعت ثمنا له، أطنانا من سباب قائدي السيارات، المُذيّلة بالسخرية المعهودة: «سواقة ستات»! كنت قد اشتريت فانوسا جديدا بدلا من الفانوس الخلفي القديم الذي أطاح به سائق متعجل فرمل في اللحظة الأخيرة، وبعد أن قرر مسئوليتي عن الخطأ، لأنني لاأسير بالسرعة الواجبة في شارع «مزدحم»! آثرت السلامة، قائلة: «خلاص ياعم أنا الغلطانة»!تكلف الفانوس 5% من مرتبي المتواضع كأستاذة جامعية، وتكلف غسل السيارة، كي تروق الفاحصين 50 جنيها، ولأنني مواطنة تعلمت الدقة من البحث العلمي، تصفحت قيمة مخالفاتي علي الإنترنت، فوجدتها 64 جنيها فقط، فقمت بتحييد مبلغ من المرتب، ومايوازيه من سلع يجب الاستغناء عنها، وتحسبا لأية مفاجآت قررت التخلي عن الترف القديم، حين اشتريت سيارتي 1500 سي سي، التي تكفيني سؤال اللئيم، بأن أجدد الرخصة لعام واحد توفيرا للنفقات، شجعني علي اتخاذ هذا القرار، عبارات الثناء من جيراني، منذ شهور، علي «النظام» في المرور»الجديد»، وأنساني المثل القديم: «الغربال الجديد له شده»، وقفت في طابور الفحص، وكان هناك من ينظم الدخول «مبتسما» ولايبخل علينا بالنصيحة لحل «معضلة» الأوراق المطلوبة، تملكتني بهجة صباحية مباغتة، فجلست في سيارتي أستمع إلي الموسيقي، حتي جاء دوري، الضابط الشاب الذي فحص الأوراق، وهو يجلس تحت الكوبري في الحر كان مبتسما أيضا، والمهندسون الفاحصون الجالسون أيضا علي منضدة تحت الكوبري في قيظ الصيف، كانوا في غاية اللطف، قلت لنفسي: «إذا كان من يجلسون في الحر تحت الكوبري بهذا اللطف، فمابالك بالجالسين في الداخل»! في الخطوة الأخيرة شاب الأمر بعض التوتر، حين طلبوا مني شراء طفاية حريق لأن طفايتي «منتهية الصلاحية»، لكنني تجاوزت توتري من المبلغ غير المتوقع، لمنطقية الطلب، فالطفاية اشتريتها منذ 3 سنوات ووارد فسادها، لكن الطلب الثاني بشراء «مثلث» جديد، وحقيبة إسعاف، بها شاش وقطن، كان غريبا، وفشلت تماما في إقناع أحد أن المثلث لايمكن أن تنتهي صلاحيته، لكنني آثرت السلامة. حين دخلت إلي القاعة الفسيحة، داهمتني طوابير بشرية أمام الشبابيك، بينما يصدح الصوت الأنثوي للمذيعة الداخلية منادية علي أرقام «العملاء»كالبنوك! بدا صوتها خارج العالم الفعلي لطوابير تتدافع فيها الأيدي بالدوسيهات، نصحني أحدهم بالوقوف في طابور شباك السيدات، كان أمامي امرأة واحدة، ظلت واقفة لثلث الساعة لايتحرك منها إلا قدماها لتريحهما من الوقوف، تطلعت من ورائها لأفهم سبب التأخير فوجدت موظف الشباك منهمكا في تخليص عدد من الملفات يحملها ويذهب بها إلي مكتب في الداخل، أخيرا جاء دوري، وماإن تنفست الصعداء،حتي أمسك ببضع ملفات أخري وأنهاها ثم التفت لي، كانت وقفتي قد استمرت مايقرب من الساعة، طلب أوراقا أخري، ذهبت واشتريتها، وعدت للطابور ثانية، وأخيرا دفع لي الموظف في ضجر بالملف قائلا: «خدي الملف وأقعدي»، وهي «كناية» عن الانتظار ! في نهاية الرحلة، كنت قد دفعت مايقرب من الألف جنيه(تذكروا أن مخالفاتي 64 جنيها!) وأمضيت أربع ساعات، منها ساعة أمام الشباك المذكورالمخصص لراحة السيدات! ولأنني مواطنة صالحة فقد ذكرت الإيجابيات والسلبيات، ومنها أيضا أن لدي الآن «مثلثين»، وحقيبتي شاش وقطن، وضعت إحداهما في البيت فصار عندي، أخيرا: «صيدلية»!