عاجل

نجيب ساويراس يكتب : رب صدفة....!

أعود إلي مقالي السابق الذي ذكرت فيه ان التمثيل القبطي في الحكومات المتتالية التي أعقبت ثورة 23 يوليو قد تدهور وأرجعت ذلك لوجود تنسيق وتحالف بين الضباط الاحرار وجماعة الإخوان للقيام بالثورة وذكرت انه ليس من الصدفة أنه لم يوجد ولا ضابط مسيحي واحد في مجموعة الضباط الأحرار.. ولم أكن انوي في مقال اليوم استكمال الحديث في هذا الموضوع لان مجرد فتح موضوع الطائفية يعرض صاحب الرأي إلي حملات الهجوم والتشكيك في النوايا والاتهام بتأجيج المشاعر والنفخ في النار لإشعال الموقف وكلها اتهامات فارغة أصبحت لا تؤثر في وأصبحت معتادا علي التعرض لها لان شعاري في الحياة هو العدالة حق لكل مواطن وانصاف المظلوم أيا كانت طائفته او دينه واجب علي الدولة والمجتمع. ولكن ما دفعني للكتابة مرة أخري في هذا الموضوع هو بعض الردود والتعقيبات علي مقالي وجدت فيها طمسا وانكارا لحقائق ووقائع حدثت بالفعل وشهد عليها شهود ومجرد إنكارها والسكوت عنها يعتبر تزييفا للتاريخ. ان الأمم التي تزيف تاريخها ولا تواجه واقعها لا تتعلم من اخطائها ولا يمكنها بأي حال ان تتطلع إلي مكانة لائقة بين مصاف الدول الكبري التي يسود فيها العدل والقانون.

وقد وصلتني رسالة رقيقة ومهذبة من السيدة هدي عبد الناصر قالت فيها: «اعتبر ان لك صفتين: رأسمالي كبير - وان كنت أعدك رأسمالي وطني - والصفة الثانية انك مسيحي مصري. بخصوص الرأسمالية قل ما تشاء فوالدي حارب الرأسمالية المستغلة والاحتكار والإقطاع، وتلك كانت من مبادئ الثورة. اما انك تقطع بمقولة تمس إخواننا الأقباط فهو مما لا أقبله لأنه غير حقيقي ويتنافي مع مبادئ جمال عبد الناصر التي تربينا عليها». وأكدت السيدة هدي في رسالتها علي ان الطائفية قد بدأت بعد ناصر وان الاقباط في عهده قد استراحوا من تعصب الاخوان واثارتهم المصطنعة للفتن. وقد رددت عليها قائلا: «أولا أنا أقدر حضرتك جدا وانا علي علاقة صداقة واحترام مع العائلة.. الخلاف كما قلت إني رأسمالي مؤمن بالاقتصاد الحر ولكن في المسألة الطائفية التاريخ يؤكد علي تحالف الضباط الأحرار مع الإخوان في التحضير للثورة وهم كانوا بالفعل يعادون الاقلية القبطية.»

وردا علي مقالي، نشر السيد سامي شرف سكرتير الرئيس الراحل عبد الناصر مقالا عنوانه « الأحرار الأقباط «. وقد تعودنا ان ينبري سيادته كعادته كلما ذكر اسم ناصر او الضباط الاحرار إلي الدفاع عن هذه الحقبة منكرا لأي سلبية قد شابتها ومصورا إياها كيوتوبيا العدالة والحريات متناسيا ومتجاهلا ما وقع فيها من تعذيب وتنكيل وانتهاكات جسيمة لحقوق ولآدمية المعارضين والمخالفين في الرأي ولن أتطرق إلي كبت الحريات وتركيز الاعلام في يد شخص واحد صاحب حظوة وصديق لناصر. ذكر سامي شرف في مقاله ان الضباط الأحرار كان من بينهم قبطي هو الملازم اول واصف لطفي حنين في الكتيبة 13 كتيبة الثورة وكان دوره ليلة الثورة هو تأمين البوابة رقم 6 المواجهة لكلية البوليس بالعباسية..كما عدد سيادته الوزراء الاقباط الذين تولوا وزارات سيادية في حكومات حقبة عبد الناصر أمثال كمال رمزي استينو وزيرا للتموين.

وتعقيبا علي ذلك فان وجهة نظري واضحة وتحالف الضباط الاحرار والاخوان في التحضير لثورة 23 يوليو حقيقة لا ينكرها الا ساذج أو مكابر. اما الملازم اول واصف لطفي حنين فهو طبقا لما ذكره سامي شرف يعتبر شاهد ما شافش حاجة لأنه قد تواجد بالصدفة في الأوتوبيس يوم 23 يوليو وتم ضمه صدفة لتواجده في الموقع ولم يشترك باي حال في التخطيط لثورة 23 يوليو ولم يكن يعلم عنها قبلها وبالتالي لم يكن فعليا هناك أي ضابط قبطي في تنظيم الضباط الاحرار.

وبالنسبة لمن خانتهم ذاكرتهم ومن ينكرون علاقة ناصر بالإخوان فأحب ان اذكرهم بالفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف وهو أحد مؤسسي تنظيم الضباط الأحرار وكان ينتمي إلي الاخوان المسلمين وهو الذي جند جمال وضمه للجمعية السرية لضباط الجيش. وقد حلف جمال قسم الولاء للإخوان امام مرشدهم البنا وأكد علي ذلك كثيرون من ضمنهم خالد محيي الدين وهذه حقائق تاريخية لا يمكن انكارها.

ويتفاخر السيد شرف في مقاله بالمناصب العليا والحساسة التي تولاها الاقباط في عهد ناصر مستشهدا بتولي رمزي استينو لوزارة التموين (التي اسماها وزارة سيادية) او اللواء فؤاد عزيز غالي آخر لواء مسيحي عامل منذ السبعينات دلالة علي الاشراك العادل للأقباط في الحياة السياسية والمناصب السيادية بعد 23 يوليو. وأقول لسيادته ان ما ذكرته هو ثمرة وحصاد وآخر ملامح ما تم غرسه قبل عصر يوليو.. ان نظرة واحدة إلي المواقع السيادية التي تولاها الاقباط في حكومات ما قبل يوليو نري انهم قد تولوا أعلي المناصب والوظائف العامة مثل منصب رئيس وزراء مصر ورئيس البرلمان وغيرها لا يسع المكان لذكرها أما اليوم فيتم تخصيص حقائب وزارية بعينها للأقباط كنوع من ذر الرماد في العيون.

وأخيرا.. فلا أحد يريد إلا العدل والمساواة بين أبناء وطن واحد..