رؤية مصرية

لماذا تكرهنا الحكومة إلي هذا الحد؟!

خالجتني فكرة عارضة ولكني طردتها فوراً بعد تأكدي من حماقتها وأضرارها المُرجَحَة..إذ دار بخلدي أن أطالب بتغيير الحكومة لأنها فشلت في حل أي مشكلة من تلال المشاكل التي تخنقنا..بل إنها عقّْدَت كل الأزمات التي عالجتها وآخرها معضلة القمامة وشُح مياه الري وجنون الدولار وانفجار الأسعار.. أما ما دفعني إلي وأد الفكرة في مهدها فهو أن المسئولين عن اختيار الوزراء وكبار الموظفين يتمتعون بقدرة مُذهِلة علي اختيار الاسوأ دائماً أو غالباً .. والغريب أن كل مَن يقع عليهم الاختيار لتولي المناصب العليا مصابون ب»حَوَل» سياسي واجتماعي يجعلهم لا يرون إلا جيوب الفقراء وصغار الموظفين..ناهيك عن أنهم يتمتعون بجرأة فائقة علي انتزاع اللقمة «الحاف» من أفواه الجوعي..وأري أنه لو أنفق هؤلاء الجُبَاة غِلاظ القلوب عُشر الوقت الذي يقدحون فيه زناد أفكارهم في ابتكار أخبث وأقسي السُبُل لاستنزاف الشعب وسرقة قوته، في البحث عن حلول خلاقة تحقق التنمية وتُعظِم الموارد المتاحة، لأصبحنا دولة عظمي بكل المقاييس!!..أما الأغرب فهو أن يحدث ذلك بعد ثورتين شعبيتين عظميين طالبتا بتمكين الشباب وتحقيق «العيش» الكريم والعدالة الاجتماعية..

أقول هذا الكلام بمناسبة بدعة حكومية جديدة تُسمي «ضريبة القيمة المُضافة « تهدد بتأجيج نار الأسعار وتحويل حياة الشعب وخاصة الفقراء إلي جحيم لا يُطاق..وما يدعو للضحك حتي البكاء أن أقصي عائد ستحققه هذه «الُمصيبة» الجديدة هو 30 مليار جنيه..وهذا مبلغ زهيد للغاية قياساً بحجم الموازنة وعجزها، ويمكن توفير أضعاف أضعافه بالتفكير خارج إطار وصايا وتعليمات صندوق النقد الدولي وسياسات مدرسة «الليبرالية الجديدة» القائمة علي ذبح الفقراء بلا أدني شعور بالذنب!!..وحتي لا نُتهم بترديد كلام بلا دليل وعدم طرح بدائل عملية لسياسات الحكومة « الكارثية»، نقول إن هناك بدائل بلا حصر لمن يريد التفكير خارج «الصندوق» وهي كفيلة بتوفير مئات بل آلاف المليارات التي يمكنها سد عجز الموازنة وتغطية بنود الإنفاق الأخري.. أول هذه البدائل تطبيق الحد الأقصي للدخول..وبدء خطة تقشف حكومية صارمة تتضمن خفض البعثات الدبلوماسية في الخارج ( نحن أكبر دولة لها بعثات دبلوماسية حول العالم بعد أمريكا مع أننا دولة فقيرة ومدينة وتمر بضائقة اقتصادية غير مسبوقة!!)..إضافة إلي وقف استيراد السلع الكمالية والسيارت الفارهة لكبار المسئولين والحد من سفريات موظفي الدولة للخارج..ثم اتخاذ قرار جريء بقصر أداء فريضة الحج لمرة واحدة وكذلك العُمرة إذ لا يُعقل ولا يجوز وطنياً ولا دينياً أن نسمح باستنزاف ما يربو علي 12 مليار دولار سنوياً من مواردنا المحدودة من العملة الصعبة بهذه الطريقة المُدمرة.

وهناك بديل آخر يطرحه خبير الزراعة والري الكبير الدكتور نادر نور الدين من شأنه توفير 3 مليارات دولار (يعني أكثر من 36 مليار جنيه).. إذ يقول «زرعنا 3 ملايين فدان فقط في العروة الصيفية الحالية وتركنا نحو 3.5 مليون فدان دون زراعة رغم أننا نستورد الذرة وزيوت الطعام الصيفية.. تخيلوا لو زرعنا الذرة الصفراء وعباد الشمس وفول الصويا سنوفر ليس أقل من 3 مليارات دولار عملة صعبة ونضيف لإنتاجنا 3 مليارات دولار من إنتاج أراضينا..كمانحافظ علي الأرض من التَمَلُح بسبب تركها لحرارة الشمس لمدة أربعة أشهر».

نعم..البدائل كثيرة ومتاحة ولكنها تتطلب رؤي جديدة وسياسات مختلفة وأفكاراً ثورية جريئة لا يملكها إلا الشباب المؤهل، كما تتطلب اختيار حكومات تحنو علي الشعب بحق ولا تكرهه إلي الدرجة التي تجعلها لا تفكر إلا في إيذائه بالمزيد من الغلاء والضرائب وكأنه حماتها أو «جوز أمها».