رؤية مصرية

إردوغان ينقلب علي تركيا

سيمر وقت طويل قبل أن تتكشف حقائق وأبعاد ما جري في تركيا مؤخراً..هل هو انقلاب حقيقي دبرته عناصر من الجيش وفشل، أم خطة مُحكمة التدبير من زعيم «إخواني» مراوغ وفاسد يسعي لاستكمال مشروعه الديكتاتوري لتجميع كل خيوط السلطة في يده والانتقال من النظام البرلماني إلي نظام رئاسي شمولي يقضي فيه علي كل أشكال المعارضة ويقوض الديمقراطية التعددية التي جاءت به إلي الحكم؟.. أياً ما كانت الإجابة فإن المؤكد أن تركيا ما بعد 15 يوليو 2016 لن تكون هي تركيا ما قبل هذا اليوم الفاصل في تاريخها.. فمثلاً مشاهد ضرب وإهانة وإذلال ضباط وجنود جيش «أتاتورك» علي يد الميليشيات التابعة لإردوغان سواء كانت من عناصر الشرطة والقوات الخاصة أو كوادر حزب العدالة والتنمية الحاكم، لن تمر دون رد فعل ثأري عنيف، ولو بعد حين، من جانب عناصر الجيش التي لم تشارك في الانقلاب ولم توافق عليه.. وأيضاً من جانب قوي شعبية ترفض الانقلاب العسكري ولكنها لا تقبل أن يُهان جيش بلادها بهذه الطريقة المُمعِنة في تحقيره.

كذلك هناك العديد من التساؤلات التي بدأت تتردد بشأن ردة فعل إردوغان علي محاولة الانقلاب الفاشلة وحملة التطهير والإعتقالات التي تجاوزت مَن شاركوا فيها من عناصر الجيش إلي القضاة والإعلاميين والمدرسين والموظفين وغيرهم من المعارضين وخاصة من الأكراد وأتباع خصمه الإسلامي فتح الله جولن.. وبدا للكثيرين أن هذه الحملة واسعة النطاق كانت معدة سلفاً وتنتظر فقط الضغط علي الزناد؟!!.. بل تبدو الحملة التي شملت إعتقال وإقالة وتسريح عشرات الآلاف ممن لا علاقة لهم بالجيش، كما لو كانت «انقلاباً مدنياً « كاملاً وناجحاً رداً علي انقلاب عسكري فاشل.. وإن شئت فقل إنه «انقلاب إخواني» يهدِف إلي إعادة تشكيل المجتمع التركي علي «مقاس وهوي» حزب إردوغان.

 ويؤكد ذلك ما ذهب إليه الخبير الأمني المصري البارز الدكتور محمد محفوظ عندما قال إن «الانقلاب الفاشل سيؤدي إلي تقوية إردوغان وليس إضعافه، وإكمال مخططه الساعي لأسلمة الدستور بعد عقود من علمنته.. ومن ثم استكمال سيطرة حزب العدالة والتنمية علي آخر حصون الأتاتوركية التي تتمثل في الجيش بكل تشكيلاته».

ورغم شخصية إردوغان المتقلبة وسياساته حمالة الأوجه وإجادته اللعب علي كل الحبال.. إذ أنه يكذب كما يتنفس ويُظهِر للأوربيين وجهاً عِلمانياً يبيح الشذوذ والخمور والدعارة بينما يعتمر أمام العرب والمسلمين عمامة أمير المؤمنين الحالم بإعادة مجد الخلافة الإسلامية التليد.. ولا يجد أي تناقض بين ذلك وتحالفه الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني.. أقول إنه رغم كل ذلك، وجد إردوغان مَن يقف إلي جانبه ضد الانقلابيين من أحزاب المعارضة ومن القوي العلمانية لسببين جوهريين..أولهما أن سنوات حكم إردوغان حققت طفرة اقتصادية كبيرة لمسها المواطنون في ارتفاع مستوي المعيشة وتحسن الخدمات الأساسية مثل المواصلات والصحة والتعليم.. وثانيهما أن للأتراك تجارب مريرة سابقة مع حكم العسكر منذ الانقلاب علي رئيس الوزراء عدنان مندريس في ستينيات القرن المنصرم.. فقد قضت الحكومات العسكرية علي الديمقراطية وقتلت السياسة والحريات ودمرت الاقتصاد بالتحالف مع لصوص الرأسمالية وأفسدت الحياة المدنية وجعلت من المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة أو فوق الدولة، وصهينت عن فساد الجنرالات المحمي بقوة السلاح.

 والمؤكد أن المعارضة المدنية انتصرت للديمقراطية عندما وقفت مع «المنافق» إردوغان.. فهو أهون الشرين، ويمكن إسقاطه عن طريق صناديق الإقتراع مهما بدا ذلك صعباً وبعيداً.. أما حكم العسكر فهو خيار خاسر بالتأكيد وطريق محكوم بالفشل يرفضه أغلب الأتراك وربما يرددون « لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين»ّ.