كوامل

المملكة .. متحف كبير

بعد إطلاق الرؤية السعودية 2030 والتي وافق عليها مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.. بدأ إطلاق برنامج التحول الوطني وهو أحد برامج هذه الرؤية.. وتمثّل في إيجاد حلول لمشكلات يواجهها السعوديون، قدّم لها برنامج التحول الوطني خطوات عملية ضمن برامج تنفيذية لحلها خلال 4 سنوات بمشاركة العديد من الوزارات والهيئات الحكومية.. وكان من ضمن هذه الهيئات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.. والتي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، والذي التقي في جدة معالي وزير الدولة لشئون الآثار المصرية الدكتور خالد أحمد العناني.

وكلنا في المملكة العربية السعودية نذكُر بكثير من التقدير الدور الذي قام به الرواد المصريون في مختلف المجالات في بداية التأسيس الحديث للمملكة العربية السعودية.. ولم ينس خادم الحرمين الشريفين في أول لقاء له مع الكوادر الطبية السعودية المؤهلة، لم ينسَ أن يشيد بدور الطبيب العربي عامةً - وكان أكثرهم من الأشقاء المصريين - يوم لم يكن لدينا في هذه المهنة هذه الكوادر عالية التأهيل التي نراها اليوم..

نعم لقد كان الطبيب المصري والمدرس والمهندس المصري من الدعامات المخلصة التي أسهمت في تطبيبنا وفي تعليمنا في تلك الفترة الماضية..

أذكر هذا وأتذكره وهو ما أوحي لي به هذا اللقاء الذي جمع بين الأمير سلطان بن سلمان والدكتور العناني.. بعد أن كشفت الرؤية السعودية وبرنامج التحول الوطني عن عزيمة صادقة ورغبةٍ عارمة في الاهتمام الشامل بأمور السياحة والآثار.. واللتين أراهما مترادفتين في هدفهما وفي مسارهما..

وإذا كانت المملكة العربية السعودية، وهي بلاد الحرمين الشريفين، قد شرّفها الله بالعديد من المواقع والمواطن والمشاعر.. التي تجعل قلوب المسلمين تهوي إليها وتجعل أرواحهم متعلقة بها..خاصةً والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام - لمن استطاع إليه سبيلاً - وبعدما سمحت المشاريع العملاقة في مكة المكرمة والمدينة المنورة - وما اشتملت عليه مشاريع توسعة الحرمين الشريفين - لأعداد هائلة بقصدهما علي مدار العام.. حتي أن التعديل الوزاري الأخير في المملكة، قضي بأن تصبح وزارة الحج - وزارة الحج والعمرة - وبعدما استنفر وزيرها الجديد كل طاقات وزارته، للتحول من العمل الموسمي إلي الأداء السنوي علي مدار اثنتي عشر شهراً.

إلا أن الرؤية السعودية، أبَتْ إلا أن تكون المملكة العربية السعودية بأسرها وهي موطن العروبة ومهد الحضارات، ممهدة للتحول إلي متحف كبير، يتم من خلاله التركيز علي مقومات هذه الحضارة، والكل يعلم أن هناك الكثير من الآثار القديمة العربية والإسلامية علي طول البلاد وعرضها. وكم اصاب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين أعلن عن المتحف الإسلامي الكبير في مدينة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.. ومن هنا أري في هذا اللقاء الذي جمع مسئولي الآثار والتراث في بلدينا بداية ممتازة لإسهام الخبرة المصرية المحملة بماضيها العريق وحاضرها الأنيق من حيث ما تم بحثه من مواضيع مشتركة في قطاع السياحة والتراث العمراني وسُبُل تنميتها وتطويرها، بموجب مذكرة التعاون التي تم توقيعها، والتي حَوَت العديد من البنود التي تساهم في الارتقاء بالمستوي المهني والعلمي للعاملين في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية ووزارة الآثار المصرية علي حدٍ سواء من حيث تبادل الخبرات في مجال البحث العلمي المشترك، والمسح، والتنقيب الأثري، وتسهيل مهمة الباحثين من أجل أداء أعمالهم وتطوير الدور التربوي والتثقيفي للمتاحف. وكنت قد أشرت في مقالتي الأسبوعية في صحيفة مكة المكرمة يوم الإثنين الماضي، إلي أهمية الدور التربوي والتثقيفي للمتاحف وما يقوم به من عرض تاريخي يجسّد لأبنائنا ولأجيالنا الدور العظيم الذي لعبه إنسان هذه الأرض، والقيمة المضافة الفعلية للحضارة الإنسانية.. علّنا نخلّص أولادنا وأُسرنا من أسر الحضارة الغربية التي استطاعت بحسن العرض وشموليته أن تجذبهم إليها، وأصبحت هناك العشرات من الشركات والمؤسسات السياحية التي تنظّم رحلاتها إلي الغرب من أجل مشاهدة متاحفهم وعروضهم - وأنا بالطبع لا أري بأساً في هذا، لأن الحضارات نسيج متوارث يُثري بعضُها بعضاً - ولكن آن الأوان أن يكون البدء من هذه الحضارة العربية والإسلامية التي هي المرتكز الأهم لتلك الحضارات.

وعلّ خبرة الإخوة المصريين في عروض الصوت والضوء، تفيدنا في تقديم مثل هذه العروض علي سفح جبل أُحد، وفي موقع معركة بدر، المعركة الفاصلة بين الحق والباطل، وفي كثيرٍ من المواقع التاريخية مثل مدائن صالح وغيرها.. مما يوفر مصادر مرئية للتاريخ ويُسهِم إسهاماً فاعلاً في ترسيخه في أذهان كل الناظرين ويوفر المزيد من فرص التواصل بين شعوبنا ومزيد من فُرَص العمل لشبابنا في هذا المجال.