ثقافة مدنية جديدة ومتحضرة.. وعملية تأهيلية وتعليمية وتثقيفية تحترم التنوع وتنبذ التعصب <

المفارقة أن تبشر الأديان دوماً بأن الله هو الحب والحق والخير والجمال.. ومع ذلك، فإن هناك من ينشرون ـ باسمه ـ القتل والحرب والدمار. وهناك من ينتحل صفة الدين لقتل المتدينين وذبح كل من يعارض توجها فكريا ظلاميا واقتياد الشعوب كقطعان الغنم ليذبح بعضها بعضا.
لقد حل التعصب محل التسامح، وحل التشدد والتخلف والتزمت والجمود محل الوسطية والاستنارة. وأحيانا نجد فكراً تكفيرياً ناتجاً من تعليم متشدد يرتدي ثوبا دينياً أو من قراءة سطحية للنصوص الدينية المقدسة أو غير المقدسة،.. واتجاه لتكفير كل ما هو عقلاني وإنساني في الحاضر والماضي. وفي منطقتنا، تهاوت بسرعة الجدران العربية الهشة ليبحث العرب عن عنوان جديد لتاريخهم ولغتهم.. وإقامتهم!
وكنا في السابق نرفض نبوءة الكاتب الفرنسي «مارك كرافتس» الذي كتب في صحيفة «ليبراسيون» في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي ليقول بأن العالم سيدخل القرن الواحد والعشرين بدون كلمة «عرب»! هل جاءت تلك النبوءة بسبب الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية المرشحة للتفاقم علي أكثر من جبهة في عالمنا العربي؟ وهل هذه هي نهاية التاريخ العربي بعد أن أصبحت وظيفة العربي اليوم ان يكتب تاريخه المضاد؟
الخطايا العربية الكبري من صنع عربي حتي لو لم يكن مصير العرب في أيديهم، وحتي لو لم تكن ثرواتهم ملكا لهم.
صحيح أن ثمة مصالح أجنبية تتيح فتح الباب أمام الفتن والويلات والخراب، ولكن الخطط الفكرية والثقافية والسياسية والتنموية من شأنها تقوية جهاز المناعة وإعادة الثقة في الدولة الوطنية والتأسيس لتفاهمات حضارية عابرة للدول.
نحن في حاجة إلي الثقافة السياسية التي ترسي القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد وتؤدي إلي تعميق الشعور بالانتماء والمشاركة والمواطنة واستيعاب القيم السلوكية العليا التي تنهي الإنسان عن التمييز الديني والعنف.
ولا يصح أن يظل العقل العربي محاصراً، وأن تظل الأبواب موصدة أمامه. ولا يصح أن يظل هذا العقل معطلا، وقاصراً عن إدراك وتفهم حقائق هذا العصر واللحاق بركب التقدم الذي يدق أبواب العالم كل يوم بما هو جديد.
والواجب الملح هو صياغة المنظومة التي تتيح تنمية قدرة العقل ليفهم الإنسان نفسه وعلاقته بغيره من الناس وموضعه في الكون، وكذلك تنمية قدرته علي حب الآخرين كما يحب نفسه، حتي يتحرر من الحقد علي المجتمع، ويتخلص من الوحش الذي يسكنه.
وقد ظلت الذاكرة العربية تخضع للحكم المطلق ولا تتكئ إلا علي الماضي علي مدي التاريخ، بل أسوأ ما في ذلك الماضي من غيبيات وآراء المشعوذين وفتاوي العاجزين وبعض أبيات الشعر في الفخر والهجاء. فهل حان الوقت لكي ينهي العقل العربي القطيعة مع الحاضر ويستشرف المستقبل وتحدياته ويتحرر من أغلال التخلف ومن الحروب الطائفية والمذهبية والقبلية التي جعلت العرب يحتلون ـ من خلالها ـ الصفوف «الأولي» في هذا العالم؟!
كلمة السر: مصر لكل أبنائها