< النيل هو شريان يربطنا بإخوة يمر الماء بيننا فنحن لانشعر بأن السودانيين سوى أشقاء لنا لايفصلنا عنهم سوى الواقع السياسى ولكن الرابط الإنسانى بيننا شديد القوة <
استطيع أن أرسم خريطة النيل العبقرية بيديه اللتين تحتضنان الدلتا ثم تمسكان بالجسد عند القاهرة ثم أنزل حتى «اللفة» الصغيرة عند قنا ثم اتواصل حتى أخرج من خريطة مصر إلى منابع النيل والبحيرات أما اللفة عند بحيرة طانا فى الحبشة فهى كأنها ذراع حنون تصلنا بالحبشة ومن منا لم ينظر إلى النيل بحب واعجاب وكنافى شبابنا لابد أن «نتمشى» صيفاعلى النيل خصوصا فى منطقة «جاردن سيتي» حيث الهدوء ولامواصلات تزعج الذين يتمشون ثم يجلسون على الجدار المنخفض المطل على النيل ولامانع من شراء اللب والسودانى «وحب العزيز» أو «الآيس كريم» والنيل حنون يحتضننا ونحن نتحدث سواء فى عتاب أو حوارات لنتواصل فى حياة جميلة ما بين شد وجذب. نحن لانتأمل النيل ولكن نتعامل معه بواقع موجود مثل الأسرة نحن نتعامل مع النيل على أنه موجود منذ وجدنا على أرض مصر وهذا واقع فكلنا عاش النيل أبا عن جد وننظر إليه كجزء من حياتنا فكل منا له أب وأم وإخوة وعمات وأعمام وله النيل أيضا.. ولكننا بكل تأكيد لانحافظ على هذا النهر بل هذه النعمة التى أعطاها الله لنا ومهما تقدم العلم وتناهت الاختراعات فإن الماء هو سر الحياة وهو الأساس لأى تطور.. من منا لم يتمتع فى كازينو على النيل مع الأولاد والصحبة!
والنيل هو شريان يربطنا بإخوة يمر الماء بيننا فنحن لانشعر بأن السودانيين سوى أشقاء لنا لايفصلنا عنهم سوى الواقع السياسى ولكن الرابط الإنسانى بيننا شديد القوة ومهما حدثت خلافات سياسية ولكن الوفاق بين الشعبين مستمر فى تواصل جميل وكأن ماء النيل مثل «العيش والملح» يلزم بالمعايشة والحب والتلازم والأخوة ولكننا فى واقع الأمر نتعامل مع النيل كما نتعامل مع أى واقع موجود لن يذهب ابدا.. وهذا واقع فعلا ولكن هذا الموجود الذى يمتد جامعا مصر كلها على جانبين ويحتضنها فى دلتاه محتاج هنا أن نحبه والحب ليس عاطفة بلا إلتزام ولكن لكى نحب النيل لابد أن نعتنى به وقد آلمنى أن وجدت كثيرا من القرى تلقى بفضلاتها الآدمية فى النهر العظيم الذى يروى البشر والزرع والحيوان ولم يفكر أحد كيف نجعل النيل نظيفا للبشر والزرع وكيف نمنع بالقاء فضلاتنا الآدمية فى النيل اعتقادا بأنه يستوعب الكثير ولكن تلوث المياه يصل بلاجدال للبشر والزرع والحيوانات وهذه جريمة بكل المقاييس.
لابد من قانون لحماية النيل
وعلى الدولة ان تصدر قوانين بحماية النيل لأن حمايته من حمايتنا وقد سبق منذ عشرين عاما أن انتشر مرض بين الأطفال اتضح أنه تلوث من ماء النيل.. وحماية النيل ليست صعبة لو وضعها حكام الأقاليم على أولويات عملهم وبرامجهم وتجريم تلويث ماء النيل واجب قومى وهو واجب لحماية البشر ولابد أن تضع الدولة له قانونا حتى يكون هذا القانون هو الذى يحمى البشر ويحمى النهر العظيم الذى كلما نظرت إليه أحسست أن الله سبحانه وتعالى أحب مصر فأهداها هذا النهر العظيم.
ولولا نهر النيل العظيم لما رأينا هذه الأرض الخضراء ولما وصلنا «رغيف العيش» من القمح الذى يرويه النيل ولما وصلنا صحن الأرز اللذيذ الذى رواه النيل.
ان كل ما فى حياتنا مرتبط بالنهر العظيم نظافة أجسامنا سلامة صحتنا كلها من خير مياه النيل ونحن نحافظ على علاقتنا ببعضنا البعض فكيف لانحافظ على علاقتنا بهذا النهر العظيم الذى يمدنا بالحياة؟
سواء بالماء الذى نشربه أو الطعم الذى نأكله أو النظافة التى نحرص عليها ان علينا واجباً لنهر النيل بعد كل هذا العطاء عبر التاريخ ان واجبنا أن نحافظ عليه نظيفا نقيا وعلى السيسى أن يطلب من رجاله سن قوانين لحماية النيل وهى فى واقع الأمر حماية للمصريين.. صحتهم وحياتهم ولابد أن تسن قوانين لحماية النهر هذه القوانين تتواصل مع البشر على شواطئه ليعرفوا أن هذه القوانين هى رسالة حب للنهر العظيم الذى لا يتكلم ولا يشكو ولكن يتدفق بالماء فى سعادة وهو يروينا جميعا.. علينا أن نحب النيل لنحافظ عليه.
أطفالنا والتليفزيون
أطفالنا كما أحب أن أقول هم الاحتياطى البشرى للزمن القادم ولكن نحن كعادتنا نزرع وننتظر أن يثمر الزرع فنقطف ولكن فى حالة البشر لابد أن نتأنى ولابد أن نعلم أن الزمن ليس فى صالحنا ولاصالح أولادنا والتليفزيون ليس به برامج مدروسة للطفل المصرى مع أن هناك متخصصين ولكن لايهتمون بالطفل ومثلا أتمنى أن يكون لدينا برنامج يطوف بخريطة مصر كلها مع اطفال كل محافظة ويختار المقدمون أطفالا متميزين من كل قرية ليتحدثوا عن قريتهم وعن أحلامهم لها.
اتمنى أن يشارك الاطفال بأنفسهم فى البرامج سواء بالاسئلة أو بتقديم مالديهم لأن الطفل الذى يستقبل يقتنع اكثر من طفل آخر اكثر من الكبار ولدينا فى مصر عشرات القرى بل مئات القرى المتميزة سواء بالبشر او رواد التاريخ أو القرى التى تتميز بمحاصيل معينة وكل ذلك هو محصول ثقافى ووطنى هام للانتماء للوطن لكل الاولاد.
والتليفزيون نادرا ما يخرج من الاستوديوهات واذا خرج فلأحدى الاحتفالات أو المناسبات القومية وهذا هام ولكن الأهم هو خريطة مصر الممتدة من الدلتا حتى بعد أسوان حتى ابوسنبل هذه الخريطة شديدة الغنى سواء بالآثار أو المحاصيل أو البشر أو القرى التى تحمل كما قلت مميزات مختلفة.
رجاء وأمنية أن تخرج كاميرات التليفزيون مع مجموعة من الاطفال ليطوفوا مصر ويروا بلدهم من منظور جديد وزاوية هامة سوف تزيدهم معلومات أهم من الكتب مئات المرات وقد زرت كثيراً من القرى المتميزة وكتبت عنها ولكن زيارة التليفزيون والحوار مع اطفال القرى شىء آخر ان اطفالنا فى حاجة إلى ثقافة العين والأذن وليست ثقافة الكتب وهم مازالوا فى سن التعليم أى لن يكون الحرف هو الموصل الجيد لهم وقد كنا قديما ونحن فى المدرسة لدينا حصص نخرج فيها من المدرسة احيانا إلى حديقة الحيوانات وأحيانا إلى المتحف الزراعى واحيانا إلى شاطئ النيل ليتحدث لنا المعلمون عن النهر العظيم.
وأنا الآن أجد العذر لأولادى المعلمين والمعلمات حيث الفصل اصبح مدرسة أى عدد تلاميذه يصل ببساطة إلى اكثر من ثمانين تلميذا كما قلت ولكن بقدر الامكان يمكننا أن ننظم الخروج بحيث يخرج كل اسبوع فصل من الفصول ومعه اربعة من المدرسين والخروج هو جزء من ثقافة العين وهى ثقافة لاتنسى أبدا وأهم من ثقافة الحرف وعلينا أن نعود إلى هذا الاسلوب خصوصا أن الأسرة المصرية لم يعد لديها الوقت أو التفكير فى الخروج بالأولاد لهذا نلاحظ تواجد عدد كبير من الاطفال فى الشوارع حائرين بين بائع غزل البنات وبائع البليلة وغيرها بحيث يصبح الطفل مجرد حيوان استهلاكى فقط وحتى الاسرة اصبحت تساهم بقدر كبير ليصبح الطفل حيوانا استهلاكىا حيث ترتب الأم حقيبة الطعام قبل ارتداء الملابس فيكون الطعام هو أهم شىء يأخذونه معهم إلى الحديقة أو المتحف أو أى رحلة خارج البيت لهذا لم يعد الاطفال يهتمون بشىء سوى الطعام لأنهم يسمعون الاسرة كل صباح «حناكل إيه النهاردة» ولكن لم تفكر الاسرة فى أن تبعد عن الصغار أن أهم شىء فى الحياة «الطعام».
ولعل وجود «الساندويتش» فى حقيبة المدرسة لدى الأم أهم من الكتب فدائما تقول الأمهات: أوعى تنسى الساندويتش ولاتقول أوعى تنسى كتاب الحساب أو كراسة الواجب وهذه اشياء لاتتعمدها الأمهات ولكنها ثوابت فى التراث المصرى حيث تبدأ الأم الصباح بالتفكير فى الطعام حتى لو كانت موظفة فقبل خروجها للعمل لابد أن تعرف ماذا ستأكل الأسرة ولان الأم المصرية خرجت إلى العمل فى السنوات الاربعين الأخيرة فإنها مازالت مسئولة عن الطعام والملابس وكل ما هو استهلاكى فى الأسرة وللحق أجد كثيراً من الأباء الشباب هذه الأيام يحضرون الطعام الجاهز إذا كان حضورهم إلى البيت قبل حضور الأم من العمل وهى ظاهرة طيبة كنوع من التعاون والإحساس بالمسئولية.
وفى واقع الأمر أننا لابد أن نغير من اسلوبنا فى اعطاء الأولوية للطعام حتى من أجل الاجيال والذين يجب ان يشعروا أن الطعام يمكن تدبيره بلامشكلة حيث العمل هو الأهم والطعام يمكن تدبيره بأى شكل من الاشكال حتى لو كان «ساندويتش» بسيطاً وأن الطعام يجب ألا يأخذهذا الجزء الكبير من تفكيرنا فى عصر اصبح الحصول على الطعام سهلا وبالتليفون وأن المطاعم اصبحت تزاحم كل ما يريده البشر وهى حقيقة لامرد لها أن الطعام هام ولابد من ترتيبه ومعرفة مورده وأن تكون الاسرة كلها بعد أن يكبر الاولاد مسئولة عن الطعام وليس الأم وحدها ويمكن تقسيم الاسبوع بين أفراد الاسرة بحيث يكون كل يومين أو كل يوم حسب عدد الافراد يكونون مسئولين مسئولية كاملة عن الطعام وقد وجدت أن مناقشة هذا الموضوع مهمة لأن القاء العبء على الأمهات اصبح صعبا لأن الأم أصبحت تعمل مثل الأب تماما فلايجب أن تظل مسئوليتها كما هى ولابد أن يتعود الأباء على تحمل مسئوليات جديدة مع الأم العاملة وفى الواقع هناك فعلا اباء تحملوا المسئوليات بصدر رحب وبحب للأسرة وهذا من طباع المصريين وهذا جيد لسير الحياة.
اعملوا الواجب
ومن أعباء الأسرة الواجبات المدرسية والواجبات المدرسية اصبحت مهمة جدا لأن عدد التلاميذ فى الفصل اصبح كبيرا واصبح العبء على المدرسين كما أحب أن أؤكد عبئا كبيرا جدا وكما سبق أن قلت أنه «كاد المعلم أن يكون رسولا » فعلا ليتعب مثل الرسل فى توصيل الرسالة لهذا اصبح الواجب المدرسى جزءاً مهما من التعليم حيث لاتكفى «الحصة» ليستوعب التلاميذ كل شىء لهذا كانت الواجبات المدرسية جزءاً مهما من التعليم وعلى الاسرة ان تهتم بأن يقوم التلاميذ بعمل الواجب كمهمة مكملة للعملية التعليمية او هى فى الواقع جزء منها لهذا لم يعد الواجب مجرد مكمل لما يعطيه المعلم فى الفصل ولكنه جزء مهم من العملية التعليمية.
وكنت حينما كان أولادى صغارا أحاول أن أجلس معهم فى عمل الواجب ولكن طول عمرى كنت «بليدة» فى الحساب ثم فى الجبر والهندسة وقد كنا نخضع لنظام تعليم نأخذ فيه شهادتين شهادة فى الرابعة الثانوية ثم شهادة فى الثانوية العامة وكان اسمها «التوجيهية» فكنا نختار «أدبى أو علمى» فأخترت أدبى فورا لأبعد عن الرياضة والجبر والهندسة التى عانيت منها ودخلت أدبى هربا من الرياضيات وليست حبا فى الادبى وفى واقع الأمر أننى لم أجد فى بيتنا من يشجعنى على فهم الرياضيات فقد كان شقيقى الراحل الدكتور جمال الباز كان مازال فى كلية الطب أما الراحل مأمون فقد كان مثلنا يلعب اكثر مما يذاكر ودخل أدبى طبعا والتحق بكلية الحقوق ونجح بتفوق ورحل وهو فى منصب وكيل الوزارة فى رئاسة الجمهورية.
أما أنا فمازلت أعانى حتى الآن ولا استطيع أن احصى «فكة جنيه» فقد ازدادت عداوتى للارقام حتى وصلت «للفلوس» والحمدلله اننى لا املك منها إلا القليل فيسهل على احصاؤه.
رحيل العظيم محمد عبدالحميد
اصبحت الحياة صعبة! صعبة لدرجة ألا نعلم بفقد الأحباء فوجئت برسالة من السيد عبدالحميد السيد عبدالوهاب الشقيق الأصغر للزميل الغالى محمد عبدالحميد.
فوجئت برحيل الصديق الغالي؟ ما هذه الدنيا؟
كيف لم أعلم بخبر الوفاة؟ والمرحوم من أعز الزملاء؟
لعل قراءة الجرائد اصبحت لاتأخذ الشكل الكافى المطلوب كما كنا نفعل ولكن يصعب عليّ أن يفوتنى هذا الخبر وألا أشارك فى العزاء وهو منى بمثابة الأخ!!
ان محمد عبدالحميد الراحل العظيم لم يعش لنفسه أبدا ولكنه عاش لمصر ولمشاكل مصر ولأهل مصر.. لقد كان ولوعا بالكتابة عما ينقص بلدنا ليزدهر وقد كنت أقول له
- يا محمد بطل تحلم!
ولكنه كان يقول لى رحمه الله
الأحلام هى واقع الغد ولو لم نحلم لما استطعنا أن نحقق شيئا من احلامنا ولما استطعنا أن نصل لغد اجمل من اليوم.
كان محمد عبدالحميد- ويصعب على أن أقول كان - كان ولوعا بالاستلهام من التاريخ ليذكر ناس الحاضر فبينما كتب كتابه عن الفريق عزيز المصرى قال لى: هذه النماذج يجب أن نذكر الاجيال بها لأنها لابد أن تكون أمام اعينهم ليقتدوا بها. وحينما قرأت ابنتى كتاب عزيز المصرى قالت لى «ياه.. ده انتوا كان عندكم ناس عظيمة جدا».
أما كتابه عن «النخلة فى بستان التاريخ» فقد كان بقعة ضوء هامة جدا عن النخل وربطها بالتاريخ وقد كانت كتابات الغالى محمد عبدالحميد فى السياسة لها أهمية قصوى حيث هى اشارات كلها للاجيال حول مايرونه ولكنهم لايعرفون عنه تفاصيل مثل النخلة التى نعيش جميعا وننظر إليها إلى أعلى ولكن لا نفكر فى ربطها بالوطن.
وأحيىّ ابننا وائل محمد عبدالحميد المدير العام بالجهاز المركزى للمحاسبات لاهتمامه واصراره بطباعة كتب الوالد والتى تزين المكتبة المصرية وتسد فراغا مهما بها.
وأحيىّ السيد عبدالحميد السيد عبدالوهاب الشقيق الأصغر للراحل الغالى محمد عبدالحميد أحييه والاسرة كلها لاهتمامهم بالكتب التى تحت الطبع والتى تعتبر اضافة هامة للمكتبة المصرية وهى «الشورى من محمد على حتى الآن».
وكتاب هام عن أبوالكنيسة المصرية الراحل العظيم.
البابا شنودة ومشواره الكنسى والانسانى.
والاستشراق الأسود وقد تحول إلى اللون الأبيض
ثم كتاب هام عن مواليد 1889 من العلماء والباحثين وهو تحت الطبع فى كتاب اليوم للأخبار.
هذا الفكر العظيم لراحل عظيم احب مصر والتزم بها وبتاريخها وسجل للأجيال هذه الملاحم العظيمة الهامة انه كمن ترك كنزا لاينفد أبدا لأن مكانه عقول البشر لقد كان محمد عبدالحميد صديقاً غالياً وعظيما وكنت أعرف ولعه بالثقافة والتزامه الثقافى نحو مجتمعه ولكن فى واقع الأمر ليس بهذه الدرجة من «الغزارة» لقد تحول حبه لمصر إلى عطاء ثقافى شديد المقدرة على التغير وشديد الأهمية للاجيال.
ان الرحمات التى سوف يبعثها كل من يقرأ للغالى الراحل محمد عبدالحميد سوف تكون بلاجدال نورا لقبره وراحة أبدية لاحساسه أنه اعطى لبنى وطنه ذوب نفسه وكل المقدرة ثقافيا وعطاء لبناء الانسان المصرى واثبات ان الثقافة بناء هام.