فازت هيلاري كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الامريكية في نوفمبر 2016. وفي تقدير عدد من المراقبين انها الاكثر حظاً في الفوز بمقعد الرئاسة. ومن الطبيعي ان تبدأ التكهنات حول السياسات التي سوف تتبناها كرئيسة للولايات المتحدة في ضوء خبراتها كوزيرة للخارجية في فترة اوباما الاولي ولعل ما يفيد عملية استقراء سياساتها كرئيسة هذه السنوات الاربع التي قضتها وزيرة للخارجية وحيث كانت شريكاً ان لم تكن صانعة في معظم قضايا السياسة الخارجية في هذه السنوات وتقدم لنا مذكرات كلينتون مؤشراً عما يمكن ان تكون عليه سياساتها في قضايا السياسة الخارجية.
وسوف نركز في هذا المقال علي قضايا رئيسية ناقشتها كلينتون في مذكراتها وهي:
وضع امريكا في العالم، وسياسة اعادة توجيه السياسة الامريكية نحو شرق آسيا pivot، العلاقة مع الصين وروسيا، الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ثم ثورات الربيع العربي. وقد بدأت كلينتون بتحديد مواقفها مما شاع عن اضمحلال decline امريكا فاختلفت مع هذا الرأي، واكدت ثقتها ان الولايات المتحدة كلما واجهتها صعوبة سواء حرباً ام سلاماً ام انهياراً امام منافسة عالمية، ينهض الامريكيون للتصدي لها بالعمل الجاد والابداع، وتعتبر ان ما تحتاجه امريكا هو شحذ ادواتها واستخدامها علي افضل وجه.
اما الخيار الثاني الذي ارتبطت به كلينتون بل كانت مهندسته هو اعادة توجيه السياسة الخارجية الامريكية نحو شرق آسيا حيث الوعود الاستراتيجية والاقتصادية وقد تبني اوباما هذه السياسة وقام بعدد من الزيارات الاسيوية لدعمها ويتصل بهذا ما واجهته كلينتون في العلاقة مع قوتين صاعدتين هما الصين وروسيا ويبدو من مذكرات كلينتون انها تتبني علاقة الارتباط engagement مع الصين بمعني التعاون معها في قضايا مثل منع الانتشار والبيئة والارهاب والاقتصاد العالمي وان كان هذا التعاون لا يحول دون اثاره قضايا خلافية مثل بحر الصين الجنوبي وحقوق الانسان. اما روسيا فقد بلورت كلينتون العلاقة معها علي انه في وسع الولايات المتحدة تحقيق المصالح الوطنية الامريكية الرئيسية مع روسيا باعتماد نهج يقوم علي ايجاد مجالات محددة للتعاون حيث تلتقي مصالحنا، والبقاء علي مواقف ثابتة حين تختلف المصالح.
أما ما يعنينا بشكل اكثر في اختيارات كلينتون فهي القضايا الخاصة بالعالم العربي. وقد بدأت ذلك بالحرب علي العراق واقرت انها في البداية صوتت لصالح الحرب ولكن علي ان يكون هذا بعد استخدام كافة الوسائل للتحقق من امتلاك صدام حسين لاسلحة نووية وتعتبر كلينتون انها ندمت بعد ذلك علي موافقتها اذ استخدم بوش القرار علي انه اعطاه السلطة وحيداً من دون غيره، واعتبرت ان الولايات المتحدة ذهبت إلي الحرب «بنصف استراتيجية». اما القضية الام في العالم العربي وهي القضية الفلسطينية فان كلينتون تبدأها بتأكيد ان اسرائيل « هي اكثرمن دولة هي حلم راود اجيالاً» ولكنها مع ذلك كانت من الاصوات الاولي التي دعت علنا عام 1998 إلي اقامة دولة فلسطينية ستكون في مصلحة الشرق الاوسط علي المدي البعيد، وقد عاصرت كلينتون كوزيرة للخارجية مبادرة اوباما للحل علي اساس الدولتين والمطالبة بوقف بناء المستوطنات، وهو ما تحداه نتانياهو وذهب في هذا إلي الاعلان علي بناء مستوطنات في القدس خلال زيارة نائب الرئيس بايدن الامر الذي اعتبره اوباما «اهانة» وطلب منها ابلاغه بذلك هكذا شهدت كلينتون تصدع مبادرة اوباما وجهود إدارته في عملية السلام، ولابد انها تدرك من هو السبب في ذلك.
أما عاصفة «الربيع العربي» فقد عاصرتها كلينتون من بداياتها سواء في تونس ام في مصر وكان رد فعلها الاولي حول الثورة المصرية ان «نظام مبارك مستقر» ولكنها شهدت ان تطورات الثورة المصرية اثبتت العكس، وان اوباما قد تبني تيار مستشاريه الذين نصحوه ان يأخذ الجانب الصحيح من التاريخ اما النقاش الجوهري الذي دار داخل الادارة فكان حول «كيف يمكن تحقيق التوازن بين المصالح الاستراتيجية والقيم الاساسية» وقد بلورت كلينتون تقييمها للثوار المصريين انها «وجدتهم مجموعة غير منظمة وغير مستعدة لخوض اي شيء او التأثير في شيء ولم يملكوا الخبرة السياسية ولم يفقهوا طريقة تنظيم الاحزاب والترشح للانتخابات وإدارة حملاتها» اما تداعيات الثورة فقد جاءت في رأي كلينتون لكي تؤكد مخاوفها من الصعوبات التي تواجهها التحويلات الديمقراطية، وحتي حين وطدت جماعة الاخوان سلطتها إلا انها فشلت في الحكم بطريقة شفافة او شاملة.
كانت هذه هي الخبرات «والخيارات الصعبة» التي واجهتها كوزيرة للخارجية، فهل سوف تؤثر هذه الخبرات والخيارات في تشكيل مواقفها من هذه القضايا كرئيسة؟
في تقديرنا انه اذا اختلفت مع سياسات اوباما فان الاختلاف سيكون حول التفاصيل ونقاط التركيز، اما المضمون والجوهر فإن المعطيات والوقائع التي أملت سياسات اوباما سوف تظل تفرض نفسها.