كنوز| رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك الرأي العام

صاحبة الجلالة الصحافة
صاحبة الجلالة الصحافة

فوضى الألقاب 

بقلم : محمد التابعي

رأيت أخيراً فى الصحف أن وزارة العدل قد انتهت من إعداد مشروع قانون الألقاب وأرسلته إلى قسم التشريع فى مجلس الدولة وينتظر أن يُعرض هذا المشروع على البرلمان فى دورته الحالية 

والواقع أن فى مصر فوضى فى الألقاب .. لا ضابط لها ولا حساب .

ولقد كان هناك قانون صدر فى عهد وزارة صدقى باشا الأولى ..أى فى عام  1930 .. وكان القانون خاصاً بالألقاب وحمايتها .. ولكن القانون المذكور ظل حبراً على الورق .. واستمرت الصحف - وخصوصاً فى إعلانات الوفيات - تنشر اسم المرحوم مقروناً بلقب "بك" أو"صاحب السعادة " ، وهذا تقدير محمود من جانب الورثة المعترفين بالجميل  !

وفى هذه الأيام ... كل من يعتلى خشبة المسرح ...ينال أو يمنح نفسه لقب أستاذ !

وكل من يتصل بالموسيقى - حتى ولوكان عمله القرع على الطبلة... لقبه : أستاذ !

وكل "صرصار" رفع صوته بالغناء.. تقدمه محطة الإذاعة وتنشرالصحف اسمه مقروناً بلقب أستاذ !

ويمكن للقارئ أن يجد فى صفحة واحدة من الصحيفة الواحدة خبراً عن " الأستاذ " حامد جودة رئيس مجلس النواب ..وخبراً أو إعلاناً عن " الأستاذ " إبراهيم البسطويسى الممثل بفرقة تياترو أبو الريش !  

ومنذ سنواتٍ وسنوات ثار عالم فاضل من علماء الأزهر الشريف وكتب إلى الصحف محتجاً على لقب " سيدة " الذى تخلعه الصحف والإعلانات على سلطانة الطرب منيرة المهدية .

وقال العالم الفاضل: إن " سيد " و"سيدة " هما من ألقاب التشريف التى يجب قصرها على سلالة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنه إذا جاز من باب الذوق والتسامح أن نخلعها على الحرائر المصونات المحجبات القاعدات فى دور بعولتهن فإنه لا يصح ولا يجوز أن نخلع اللقب على مغنية تظهر سافرة على خشبة المسرح أمام الجمهور .

مع أن منيرة المهدية - وهى كلمة حق - إذا قُورنت بسواها فإنها  "سيدة " بكل معنى الكلمة .  ولكننا نقرأ اليوم عن السيدة حرم صاحب المعالى .. فلان !

وعن "السيدة " نعيمة ولعة الراقصة المشهورة !              

ولا شىء فى القانون يحرم هذا ! 

وفى مقدور أية راقصة أن تتخذ لنفسها نفس اللقب الذى يُقرن باسم أكبر زعيمة جليلة فى البلاد!

بل ليس فى القوانين ما يمنع من الإعلان عن صاحب السماحة والإرشاد .. الأستاذ شكوكو . 

أو الأستاذ على الكسار بربرى مصر الوحيد ! 

أو صاحبة العصمة الراقصة سامية جمال !

وكل عاطل أو هلفوت يعمل على مسرح فى روض الفرج .. أو يجلس فى شباك بيع التذاكر.. أو يقف بباب المسرح يجمع تذاكر الدخول من حقه - ولا جناح عليه - أن يتخذ لنفسه لقب أستاذ مثل أى وزير أو قاضٍ أو محامٍ كبير!
لعل القانون المُقترح يضع حداً لهذه الفوضى !

محمد التابعى "آخر ساعة " - يناير1949

أضيئوا الشموع لأمير صاحبة الجلالة في ذكرى ميلاده ال 128

حلت علي صاحبة الجلالة الصحافة في الثامن عشر من مايو الجارى الذكرى 128 لميلاد " آدم " الصحافة المصرية والعربية الحديثة ، وأميرها المُتوج دون منازع ، الذى نقل الصحافة من حال إلي حال ، وتتلمذ علي يديه عمالقة تتلمذ علي يديهم أجيال متلاحقة ، فقد قال تلميذه محمد حسنين هيكل في حديث تليفزيونى " مفيش صحفي في مصروالوطن العربي لا يدين للأستاذ محمد التابعي وأنا أولهم ، وهو الوحيد الذى كنا نناديه بلقب " الأستاذ " ومن حسن حظى أننى كنت أقرب تلاميذه إلي قلبه.

وقال عنه تلميذه مصطفى أمين : " كانت مقالاته تهز الحكومات وتُسقِط الوزارات ،لا يخاف ولا يتراجع ، وكلما سقط على الأرض قام يحمل قلمه ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار ، أما تلميذه أحمد بهجت فقال عنه :" هو لون من البشر يشبه الأسطورة ،عاش كملك من الملوك وعشنا نحن مثل كتابة على الماء فهو ينتمى إلى الأرستقراطية الفكرية ونحن ننتمى إلى الأرستقراطية الشعبية " .

وقال عنه تلميذه موسي صبري : " كنت أقرأ مقالاته وأنا تلميذ بالجامعة قبل الأكل وبعده ، ولست أدري كيف أصف أسلوبه لأنه مرتبط بعقلي وعاطفتي معاً ، وأبرز ما فيه أنه ينم عن قدرة على التعبير وإعجاز وهذا أصعب ما في صناعة القلم، فليس المهم أن تكون الفكرة واضحة ومدروسة في نفس الكاتب بقدر أن يكون هو قادراً على عرضها في وضوح هو يستطيع أن يُبسِط الفكرة في كلمات معدودة ، ويضع العبارة الصحيحة في مكانها الصحيح دون تزايد أو إطالة ووصفه عميد المسرح العربي يوسف وهبى قائلاً : " الأستاذ محمد التابعي صديقي اللدود هو الوحيد الذى  كان يعطينى السم فى برشامة " ، ويقول عنه تلميذه أنيس منصور : " كان الأستاذ التابعي، ملكاً أنيقاً رشيقاً بين ملوك السياسة والصناعة والزراعة.. والليل أيضاً..

ليل قصور الملوك والأمراء والباشوات " ، ويقول عنه شيخ الصحفيين حافظ محمود: " كان التمرد في دمه ، لكنه تمرد العبقرية التي أدخلت في تاريخ الصحافة مدرسة محمد التابعى، ودفع ثمن تمرده عندما تمرد عليه دمه وأودى بحياته بعد 82 عاماً عاشها كما تعيش الشهب ، واستطاع أن يؤثر في قرائه بما حصل عليه من ألقابٍ ، وهو صاحب مدرسة حديثة في فن الكاريكاتير وإن لم يرسمه في حياته.

لكل هذه السطور السابقة تضيء الجماعة الصحفية الشموع لأميرها المُتوج ، ونترك تلميذه علي أمين يحدثنا عنه في مقال نشره في " أخبار اليوم " بعنوان " الأستاذ التابعي علمنى الصحافة وأنسانى الهندسة " ويقول فيه : 

يبدأ الاستاذ محمد التابعى نشر مذكراته في مجلة "الجيل " وقد أمضيت سنواتٍ لإقناعه بكتابتها ، لكنه كان يخلق ألف سبب وجيه لتأجيل النشر ! ولا أعرف من الذى نجح فى إقناعه وجعله يحطم الألف عقبة التى وضعها في طريق النشر . 

أحببت الأستاذ التابعي منذ ثلاثين سنة ، فقد أمضيت مع مصطفي أمين خمس سنوات نحاول أن نتعرف به ، ورغم الكبرياء التى تبدو علي الأستاذ التابعى فإنه عامل أولاد الفراش معاملة كريمة ، وسمح لنا بزيارته في مكتبه ! ولقد كان مصطفي أمين تلميذ الأستاذ التابعى الأول ، وكنت تلميذه الثانى ، وكنت أتلقي دروسى بالمراسلة ، فقد كان مصطفي يرسل لي كل يوم في إنجلترا خطاباً بالبريد الجوى بالدروس التى تلقاها من الأستاذ التابعى ، وهكذا تعلمت الصحافة كما تعلمت أم كلثوم القراءة والكتابة ، فكان شقيقها يذهب إلي الكُتَّاب وكانت هى تنتظره حتى يعود من الكُتَّاب وتسمع منه الدروس التى تلقاها من الشيخ !

والأستاذ التابعى هو الذى اختار لى اسم " السندباد البحرى "، وهو الذى أرغمنى علي الكتابة ! ففى سنة 1930 أرسلت خطاباً خاصاً من الباخرة إلي مصطفي أمين وقرأ الأستاذ التابعى الخطاب ونشره علي أنه مقال ، وأضاف إلي نهايته : " سأوافي القراء بمقالي التالي " ، ولما وصلت إلي لندن فوجئت بخطابي الخاص منشوراً ، وفوجئت بأننى سأوافى القراء بمقالٍ ثانٍ ، فحبست نفسى في حجرتى وجلست أكتب مقالي الثانى ، وكان أصعب مقالٍ كتبته في حياتى ، لأنه كان في الواقع أول مقال أكتبه للنشر ، وعشت مع الأستاذ التابعى في الخطابات التى كان يكتبها مصطفي أمين كل يوم ، ودرست أخلاقه وأسلوبه وثوراته !

وكنت أعود فى إجازة الصيف كل عام إلي مصر وأعيش في المكتب المجاور لمكتبه ، أحاول أن أخلق الأسباب لأدخل إلي مكتبه بمناسبة وغير مناسبة ، وكان يطردنى من مكتبه ، فهو يكره أن يكتب أمام الناس ، وأنا كنت أحب أن أراقبه وهو يكتب ، فهو يمسك قلمه برشاقة الراقص العالمى فريد استر وهو يمسك جنجز روجرز ! ولا يشطب كلمة في مقالٍ كتبه ، وكل سطر في الصفحة يحتوى علي عددٍ معين من الكلمات ، لا يتغير ولا يتبدل ، ومكتبه أشبه دائماً بحجرة نوم عروس يوم زفافها ، كل شيء في مكانه ، وكل " دبوس " في موضعه ، وكنت أحسده لأن مكتبى فهو أشبه بحجرة نوم العروس بعد الزفاف ، لا شيء في موضعه ، ولا شيء في مكانه !

ولقد عملت بانتظام مع الأستاذ التابعى فى " آخر ساعة " بعد حصولى علي بكالوريوس الهندسة عام 1936 ، فعلمنى الصحافة وأنسانى الهندسة ، وكان صديقاً كريماً ومدرساً قاسياً ، فقد علمنى أن أحترم الزمن الذى كنت أستهتر به ، فجعلنى أشبه عقرب الساعة ، لا أتأخر دقيقة ولا أقدم ثانية ، وكسر فى نفسي غرور الشباب الذى كنت أصاب به !

وأذكر أنه في عام 1937 سافر إلي أوروبا وأمضى سبعة أشهر ترك لى خلالها مسئولية  مجلة " آخر ساعة "، ولم يكتب حرفاً واحداً للمجلة خلال هذه المدة ، وكنت أسهر في مكتبى كل ليلة حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل أحاول فيها أن أخُرِج عدداً يثير إعجاب الأستاذ التابعى ، ثم أسارع بإرساله له بالبريد الجوى ، وعاد الأستاذ التابعى بعد غيابٍ دام سبعة أشهر وتوقعت أن يأخذنى بالأحضان .. ويمطرنى بالقبلات ، واستراح .. لكنه لم يفتح ذراعيه ولم يمد شفتيه !

وأخيراً سألته : " هل كانت تصلك أعداد " آخر ساعة " بانتظام ؟ " .

فقال : نعم .. كانت تصلنى بعد 48 ساعة من طبعها .. قلت : وما رأيك فيها ؟.. قال : كنت لا أفتحها حتى لا أنرفز نفسى !.. وعرفت يومها أن بينى وبين العناق  والقبلات مشواراً طويلاً  .

علي أمين "أخبار اليوم" - 12 فبراير ١٩٥٥


كلام الصورة : علي ومصطفي أمين مع أستاذهم محمد التابعي - مذكرات التابعي في مجلة " الجيل " 

التابعي يقود اندماج آخر ساعة مع "أخبار اليوم" 

فى 28 يوليو 1945 أرسل أمير الصحافة محمد التابعي ، رسالة عتاب شديدة اللهجة لتلميذه مصطفى أمين يقول فيها : " عزيزى مصطفى، سمعت فى سهرة أمس أن الاعتقاد الشائع بين طبقة القراء هو أن "أخبار اليوم" هي التي أوفدتنى في رحلتي الصحفية ، وأساس هذا الاعتقاد كلمة لكم أتعبت نفسى طول الصباح حتى عثرت عليها فى عدد جريدتكم الصادر بتاريخ 5 مايو، فقد كتبتم على صفحة 4 بعنوان " من محرر أخبار اليوم إلى قراء أخبار اليوم" كلمة عددتم فيها جهودكم عن المراسلين الذين عينتموهم في عواصم الشرق والغرب ، حتى أنقرة وكنت فيها يومًا بطريق الصدفة ، إلى أن قلتم: "هذا إلى جانب كبار الصحفيين الذين أوفدتهم أخبار اليوم فى رحلاتٍ صحفية لمختلف الأنحاء، وفهم القراء الذين كانوا يقرأون لى فى كل أسبوع مقالاً بأخبار اليوم مرسلاً من لبنان أو من أنقرة أو أسطنبول ، فهموا أنني المقصود وأن "أخباراليوم" هي التي أوفدتنى إلى "مختلف الأنحاء" ، وأنت تعرف أن هذا غير صحيح وأن أحداً لم يوفدني− لا أنت ولا سواك − وأننى قمت برحلتي  من تلقاء نفسي، وأننى دفعت من جيبي كافة نفقات الرحلة ، وقد  زرتنى في مكتبي قبل سفري وسألتني أن أبعث بمقالاتٍ لأخبار اليوم عن رحلتي فأجبت طلبك كما أجبت طلب دار الهلال، وسوف يهمك طبعاً أن تعلن هذه الحقيقة وهى أننى لم أتناول منكم قرشاً واحداً أجراً أو ثمناً أو مكافأة عن مقالاتى، وكل ما دفعته " أخبار اليوم" هو أجور البرقيات لا غير، أما كافة نفقات رحلتى التى دامت ثلاثة شهور فقد دفعتها أنا وحدى، وأكون شاكراً لو فعلتم .
ونشر مصطفى أمين اعتذاراً لأستاذه محمد التابعى إذا ما كان هناك سوء فهم قد حدث، وهذا الأمر يوضح لنا الالتباس الذى حدث فيما بعد حول : هل تنازل الأستاذ التابعى عن مجلة " آخر ساعة" لآل أمين عندما اشتد عليه المرض ونصحه الأطباء بالراحة والعلاج، أم أنه باع لهما المجلة مقابل 1000 جنيه؟

السيدة شريفة التابعى ابنة أمير الصحافة تصر علي أن والدها لم يبع "آخر ساعة" ولم يتقاضِ عنها مليماً واحداً إنما تنازل عن إدارتها لدار "أخبار اليوم"، ويقول كامل الشناوي: " إن التابعي عندما اشتد عليه المرض طلب أن يلتقى معه وأخبره أنه على استعداد أن يسلم مجلة "آخر ساعة" لدار "أخبار اليوم" ليديرها علي ومصطفى أمين، وتحمس مصطفى أمين للفكرة بينما عارضها علي أمين، ووافق كامل الشناوي ومصطفى أمين وقاسم فرحات وأحمد عنان، وأصر الصاوي محمد وعلي أمين على المعارضة ، ولم يناقش التابعي العقد الذى حرره زهير جرانة لأنه كان على سفر لتلقى العلاج ، وتضمن العقد الذى وقعه مصطفى أمين أن التابعي يتقاضى مبلغ 300 جنيه شهرياً مقابل مقالين كل شهر، وكل ما زاد على ذلك يأخذ 15 جنيهاً على كل مقال على أن تتحمل "دار أخبار اليوم" دفع الضرائب ، بشرط ألا يشترك الأستاذ التابعي في تحرير أو إصدار أو تمويل أى مطبوعة أخرى، وفوجئ التابعى بالضرائب تطالبه بمبالغ جزافية لأن " أخبار اليوم" لم تسدد الضرائب وفقاً للاتفاق، وتم العثور على خطابٍ ضمن أوراق الرئيس عبد الناصر الذي أمر بتسوية موضوع التابعى مع الضرائب لأنه كان يكن له الاحترام والتقدير ومنحه وسام الجمهورية في عيد العلم.

وبعيداً عن أنه باع أو لم يبع ، ففى يوم اندماج "آخر ساعة" مع "أخبار اليوم" رسم صاروخان كاريكاتيراً يجسد فيه قيادة التابعي لزفة الاندماج ، ويظهر في الرسم التابعي وهو ينفخ فى البوق، ويتبعه توفيق الحكيم وهو يمتطي حماره، بينما ينقر أحمد الصاوي محمد قلب كامل الشناوي ، ويظهر في الرسم : الدكتور سعيد عبده، والمصري أفندي، وعلي ومصطفى أمين، وصاروخان وباقى محرري "آخر ساعة" و"أخبار اليوم".

 

كلام الصورة : كاريكاتير صاروخان يبين التابعي وهو يقود اندماج آخر ساعة وأخبار اليوم 

موعد مع الآنسة أم كلثوم علي الإفطار

اتفقنا أنا والآنسة أم كلثوم - علي أن نفطر معاً ، ذهبت إلى دارها فلم أجدها واضطررت لأن أفطر علي "بصلة" ! أقصد أن أفطر في بيتنا !
وفي الساعة السابعة مساء اتصلتُ بأم كلثوم وعاتبتها فراحت هى تعاتبنى وتؤكد أنها فهمت من حكاية "نفطر سوا" أنها ستفطر في منزلنا ، ولما لم تجدنى اضطرت لأن تفطر علي بصلة أيضاً ، يعنى تفطر في بيتها !

وذهبت إلى أم كلثوم بعد الإفطار، وقادنى الخادم إلى غرفة صالون بحجم الكارت بوستال ، ويظهر أن الخادم أخطأ في ذكر اسمى لأن أم كلثوم حضرت بعد دقيقة واحدة مع أنها تعودت علي أن تلطعني ساعة أو نصف الساعة في الانتظار ! وجلسنا نتحدث حديثاً لم توافق أم كلثوم علي نشره ، وإن كانت قد سمحت لأن أنشره بعد وفاتها أو وفاتى أنا زى بعضه ، والحديث لذيذ جداً والقراء يتمنون أن يقرأوه !

كلما رأيت ام كلثوم شعرت بالكثير من الفخر أن تستطيع فتاة مصرية أن تصل إلي ما وصلت إليه ، أن تخط لنفسها طريقاً للمجد وترتفع درجات هرم الشهرة درجة درجة فلا تنطلق مرة واحدة ، كم سعدت أن أرى امرأة غير مغرورة تعرف أنها في حاجة دائماً إلى أن تتعلم وإلى أن تزداد خبرة ودراسة ومراناً ، وليس سر عظمة أم كلثوم في صوتها فهذه هبة من الله وإنما سرها في شخصيتها القوية ، في إنها الفتاة الساذجة الريفية تستطيع أن تجالس الوزراء فتحدثهم حديث الوزراء ، وتجالس النساء فتتكلم عن الموضة والأزياء ، وتجالس التلاميذ فتتكلم في المبتدأ والخبر وصيغة منتهى الجموع ، وتجالس الموظفين فتحدثهم عن تعديل الدرجات !

وهى في كل مجلس تعرف ما يُقال وما لا يُقال ، وتفهم عقلية هؤلاء وهؤلاء ، بينما أنا أعرف عظماء معينين تنزلق ألسنتهم بألفاظ السوقة في مجالس الكبراء ، ويتحدثون بكلام الكبراء في مجالس الصعاليك ! وكان معى صديق يرى أم كلثوم لأول مرة ، وكان صديقى معجباً ومدهوشاً بها فقال لها : " إننى أريد أن أتبناكِ ، أجعلك ابنتى الوحيدة " ، فضحكت سومة وقالت : يعنى عاوز تقول لى يا بنت الكلب بالذوق !

محمد التابعي  "آخرساعة" - 13 أكتوبر 1940

1/2 كلمة

بحكم موقعى فى "مجلة الجيل" كنت أتلقى من أستاذنا محمد التابعى أسبوعياً فصلاً من مذكراته المُعلنة عن أسمهان، وتردد الأستاذ مرة في نشر برقية لها من القدس بها عبارة واحدة ياحبيبي تعال ألحقنى شوف اللى جرالى واقترحت نشرها فوافق على مضض لأن التابعى كعاشق جنتلمان لم يكن معنياً بإبراز غرامها به رغم أن مذكراته غير المُعلنة تحتوى علي رسائل ساخنة ممهورة ببصمة شفتيها وخصلاتٍ من شعرها مع كلمات الحب، وكجنتلمان أيضاً تكشف المذكرات كيف انسحب من حياتها بلباقة ومودة حتى لا يجرح مشاعرها بعد تورطها في الجاسوسية

أحمد رجب

الحب في مرآة أمير الصحافة

كثير من الناس لا يدركون معنى الحب إلا بأوهام مريضة وخيالات لا أصل لها ، وقليل منهم يفهم أن الحب هو سر الحياة ، وأن الحب معناه تواصل الأجيال وترابط القلوب كلها على هدفٍ واحد وغاية واحدة ، وكم نحلم ونتمنى أن يفهم الناس أن الحب على حقيقته  هو السر الذى وضعه الله فى الإنسان ليكون عوناً له على مواجهته الحياة وخوض غمارها ، القلب الذى يحب لا يكره أبداً ، فهو إذا أحب يحب وطنه وأهله وعشيرته ومن تشاركه حياته ، ويحب كل الناس حتى الذين أساءوا إليه ، فهو لا يعرف الكره ولا يعرف كيف يكره، ومثل هؤلاء الناس تقوم على أكتافهم الحضارات ، وتنمو بها الحياة ، ويستمر بهم العطاء ، أما الذين لا يعرفون إلا الحب الحيوانى الغريزى ولا يعرفون حباً غيره مهما كانوا كثيرين لا يمكنهم أن يقدموا للبشرية سوى الانحراف والفساد ، وأتوجه بكلامى هذا للشباب لكى يدرك معنى وجوده المرتبط بالحب ، ولو فهم الشباب الحب على حقيقته لاختفت من الحياة الجرائم وسادها الخير وأغُلقت المحاكم لعدم وجود المتقاضين والمتخاصمين ، علينا أن نتعلم الحب قبل أن نبحث عن العدل ، فلو وُجد الحب لما كان هناك ظلم .

محمد التابعى "الأخبار" -٣١مارس ١٩٥٨
 

لست متكبراً ولا مغروراً

في حديث صحفي أجرته مجلة " الهلال " مع أمير الصحافة محمد التابعي فجر ما أدهش من يحاوره عندما قال له إنه متهم بالغرور والتكبر فقال : " أنا لست متكبراً ،والله العظيم مظلوم، كل ما فى الأمر أننى أنسان منظم، وأحترم الدقة فى المواعيد، فإذا اتفقت معك على موعد فى السادسة مساء مثلاً ، فثق أننى سأكون عندك فى السادسة تماماً، وليس قبلها بدقيقة ولا بعدها بدقيقة ، والبعض يعتبر حرصى هذا نوعاً من الكبرياء والتعالى، فى حين أننى إنسان خجول جداً ، و لكم عانيت فى حياتى من فرط الخجل و خصوصاً أمام الجنس اللطيف، وإذا شئت أن أحدثك عن حياتى ، فقد عشتها بالطول والعرض ، جربت كل شىء ، فعلت كل ما يحلو لى ، غامرت ، عرفت الحلو والمر، المال والفقر ، وأصبحت أزن كل ما يمر بى من أحداث الحياة بميزانٍ دقيق ، أدق من ميزان الجواهرجى ، ومن عيوبى أننى مسرف متلاف، ومع هذا يقول الناس عنى إننى أقتنى ثروة ، وهذا صحيح ، مع فارق بسيط وهو أن هذه الثروة ديون وكمبيالات ، لكنى أحرص على "الستر" و أن أعيش حياتى كما يحلو لى. "