يوميات الأخبار

«السرب» درس في الوطنية المصرية

يوسف القعيد
يوسف القعيد

دعوى جنوب إفريقيا أصبحت دعوى مهمة بكون مصر باتت من الداعمين

وجدت مكاناً بصعوبة بالغة في إحدى دور السينما القريبة من بيتي في التجمع الخامس، لكي أشاهد فيلم: «السرب». كان الزحام علامة على حماس المصريين لهذا العمل، ووطنيتهم منقطعة النظير في الحرص على مشاهدته، بل واصطحاب الأطفال والصبية والشباب معهم حتى يشاهدوا هذا العمل الجميل.

وهذا تقريباً ما أتذكر أننى شاهدته عندما كان فيلم: «الممر»، يُعرض، وقلنا يومها إنه حدث سينمائي غير مسبوق. والحمد لله إننا لم نقل إنه غير قابل للتكرار.

ها نحن يُكتب لنا أن نُشاهد فيلماً آخر في نفس مستواه، إن لم يكن متفوقاً عليه، لدرجة أن الأرقام قالت لنا أن من شاهدوه 15 مليون مصرى، وهذا تم فى أسبوعٍ واحد. ربما لم يحدث من قبل، ولا حتى للفيلم الذى يُضرب به المثل: «خللى بالك من زوزو»، الذى قامت ببطولته «سعاد حسنى» يرحمها الله رحمة واسعة، ويومها ضرب الكثير من الأرقام القياسية فى دور العرض.

لكن لكل حالة ملابساتها.. فالفيلم الجديد «السرب» يُعبِّر عن حب المصريين لمصرهم، واستعدادهم للدفاع عن بلدهم مهما كانت التضحيات صعبة.. فالوطن لا يعلو عليه شىء آخر.. ولو أنك دخلت دار عرض مثلما فعلت، وتابعت صمت الحاضرين، وجلوسهم فى مقاعدهم بتنظيم دقيق، كأنهم يتلقون درساً من دروس الوطنية المصرية.

وقد يختلف المصريون فى أمورٍ كثيرة.. وهذا أمر طبيعى.. ولكن عندما يصل الأمر إلى الوطن، يقف الجميع صفاً واحداً، وأمامهم هدف واحد، ألا وهو نُصرة هذا الوطن العظيم.

قصة حقيقية

الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية.. ولذلك عندما سمعتُ أصوات المشاهدين وانفعالهم الشديد.. أدركت أن هذا الشعب العظيم لم يقترب من روحه ما يُمكن أن يمسها بسوء.. فالمصرى مستعد أن يفعل كل شيء من أجل مصر.. والفيلم يحكى عن واقعة حصلت فى درنة فى الجماهيرية الليبية.. والغضب الذى نتج عنها، وصل إلى درجةٍ لم تحدُث من قبل مع عمل فنى.

شعب مصر قال فى هذه الواقعة وغيرها: إن الدم المصرى خط أحمر، لا يُمكن الاقتراب منه مهما كانت الظروف.. سواء كانوا من الدواعش المنتشرين في درنة.. ولم يعد لهم وجود بعد هذه الحادثة.. لأن مصر تعنى الكثير بالنسبة لكل مصرى على أرض هذا الوطن.

فشعب مصر الأبى البطل وقف ضد الإخوان والإرهاب.. والتف حول رئيسه البطل عبد الفتاح السيسى، ووقف ضد من ينشرون سمومهم وسط الناس بقوة.. فالسينما لها سحر غير عادى عند المشاهدين.

واقعة حقيقية

والفيلم مأخوذ بمجمله عن واقعة حقيقية جرت فى أرض ليبيا الشقيقة.. عندما تم ذبح 21 مصرياً من إخواننا المسيحيين.. قال بعض النُقَّاد الأقباط - وهو قولٌ خاطئ - إن كل مصرى قبطى، أما المسيحية فهى دين لقطاع مُعيَّن من المصريين.. فى الواقع لا يمكن أن تُفرِّق بين مُسلم ومسيحى إطلاقاً.. فالحياة المشتركة والأخطار المتداخلة والتاريخ القديم الذى يُعد أقدم تاريخ فى البشرية جعل من المصريين شعباً واحداً يُدرك أن وحدته الوطنية بين المسلمين والمسيحيين من ثوابت الحياة اليومية التى لا يُمكن المساس بها.

يومها، فإن القيادة السياسية أمرت بالأخذ بالثأر لكل الشهداء.. فدماء المصريين غالية وعظيمة.. وحتى عندما نقول إنها دماء تاريخية، فنحن لا نُبالغ فى شيء.. وعند الموقف من الوطن يُصبح من المستحيل معرفة المسيحى من المسلم إطلاقاً.. ولأن الأمور فى مصرنا العظيمة تسير فى توقيتات لم نفعلها بأنفسنا.. ولكن أقدارنا هى التى رتبتها.

توقيت عرض الفيلم

كان توقيت عرض الفيلم خلال أعياد إخوتنا المسيحيين عبقرياً.. وهذا ما جعل القيادة السياسية التى أعطت الأمر بالأخذ بالثأر لدماء المصريين هى التى توقفت أمام توقيت عرض الفيلم العظيم، الذى أكد أن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار.. بل هى تعبير عن نسيج واحد يعيش منذ قِدَم التاريخ، ولا فرق بين مسلم ومسيحى.

ها هم أبطال السينما المصرية الذين تعودنا على رؤيتهم فى سياقات أخرى.. فـ»أحمد السقا» الذى لعب ببراعة نادرة دور الضابط المصرى الذى زرعته مخابراتنا المصرية البطلة والشجاعة والهُمامة.. مما أعطى الجميع أنه أحد جنود مصر العِظام.. كذلك فإن الفنان «محمد ممدوح» الذى لعِب دور أمير الجماعة الداعشية، كان فناناً كبيراً.. وفنانتنا الجميلة «نيللى كريم»، زوجة الأمير التى تواجهه، تكتشف كم كان قدر التلاعُب بالدين.

إن الممثلين الذين أدوا أدوارهم بإتقان، لأنهم يُعبِّرون عن الوطن فى لحظات عصيبة، ولا يقومون بأداء بطولات فى فيلم سينمائى فقط.. رغم أن هذه البطولات مهمة.. لقد تأخر عرض الفيلم كثيراً.. كان من المفترض أن يُعرض فى عيد الفطر الماضى.. لكن اختياره فى أيام الأعياد المسيحية خاصة عيد القيامة مع شم النسيم، وهو عيد مصرى للجميع، وسبقه أحد السعف.

فإن كل من يفهم ويعى، سيُدرك أن الضربة الجوية التى وُجِّهت لعصابات داعش فى درنة الليبية، كانت رداً على ما فعلوه.. وإخوتنا الأحبة من الأقباط الذين كانوا هناك لعبوا أدوارهم كأنهم أبناء مصر.. كأنهم يمثلون كل المصريين جميعاً، من أقصى شمال الوطن حتى أقصى جنوبه، ومن أقصى شرقه حتى أقصى غربه.. وكل من يتمتع بذاكرة قوية سيستطيع أن يعود إلى الماضى القريب والبعيد.. سيدرك أن الفيلم يحكى عن بطولات نادرة، قام بها جيش مصر العظيم.

كل مصر فى الميدان

لا يقل لى أحد إن من قاموا بهذا الفيلم هم فقط من حاربوا العدوان.. فكل المصريين حاربوه.. مسلمين ومسيحيين.. وقفوا وقفة رجل واحد وراء القائد التاريخى ضد العدو الذى لا يُمكن أن نقول عنه تاريخى.

إن قواتنا المسلحة عندما أخذت حق الشهداء من خلال ضرب نُقطة ارتكاز قوات داعش، ومراكز التدريب ومخازن الأسلحة.. لذلك فإن الفيلم الذى كتبه «عمر عبد الحليم»، وأخرجه «أحمد نادر جلال»، عمل من أعمال الوطنية المصرية قبل أى اعتبارٍ آخر.. ومن دخلوا السينما معى عندما دخلت، كانوا يدركون أنهم يؤدون دوراً من أجل الوطن، بصرف النظر عن ديانتهم.. فالوطن يسبق كل ما فى الدنيا كلها.

ولذلك فقد سعدتُ جداً بقرار وزيرة الثقافة الدكتورة «نيفين الكيلانى»، عندما قررت عرض فيلم: «السرب»، فى 15 دار عرض تابعة للوزارة فى 14 محافظة. علاوة على «قصر السينما» بجاردن سيتى بالقاهرة، فى 6 حفلات يومية. تبدأ فى العاشرة صباحاً بقيمة موحدة للتذكرة 40 جنيهاً فقط، طوال أيام الأسبوع.

سعاد الصبَّاح.. وكف الوطن

هذا كتاب كتبته الشاعرة العربية الكبيرة سعاد الصباح، ابنة الحُلم القومى العربى عنوانه «قراءة فى كف الوطن»، وتُهديه إلى عبد الله المُبارك زوجها ومُعلمها وحبيبها وصديق الزمن الجميل.. ثم تكتُب:
- يا أجمل الحروف فى قصائدى يا وطن الأوطان.
وهى شاعرة حتى وإن كانت تكتُب نثراً.. فإن الشعر يُطِلُ مما تقوله.. تكتب فى البدء كانت الكلمة:
- المرايا لا تستطيع أن ترى نفسها.. فالصورة الذاتية للكاتبات لا يرسمها هو، إنما يرسمها الآخرون له.
الكلمة التى تجرحنى لا تقل أهمية عن الكلمة التى تُعانقنى.
كل إنسان عربى مثقف يجب أن يوظف ثقافته لطرد الخرافات التى تُعشِّش فى عقلنا الباطن كالعنكبوت.

وتكتب:
- القراءة بُستانٌ بحجم البحر.
كل إنسانٍ عربى مثقف يجب أن يكون له صوتٌ فى معركة التغيير.
أجد نفسى، شئتُ أم أبيت، مزروعة فى ضمير الزمن الذى عشته، أو ملتزمة بالزراعة فيه داخلياً بضمير الإنسان الذى أعيشه، وملتزمة داخلياً بقضايا الإنسان حيث كان.. وتقول:
- الزمن الثقافى لا علاقة له بالتصنيفات الاجتماعية. إنه حاجة روحية تتفجر داخلياً، بصرف النظر عن موقعنا وهويتنا، والصراع من أجله يرفع المستوى عن موقعنا وهويتنا.. يرتبط بالصراع من أجل رفع المستوى الثقافى.. لا يرتبط بالحالة المادية أو بمن نكون.

مُحاكمة إسرائيل

من كان يتصور أن محكمة العدل الدولية تُحاكم العدو الإسرائيلى على ما قام به فى فلسطين المحتلة؟، أكدت الدنيا كلها أن انضمام مصر لدعوى جنوب إفريقيا يؤكد أنها الداعم الأول للقضية.. وأكد أن دعوى جنوب إفريقيا أصبحت دعوى مهمة بكون مصر باتت من الداعمين.
إن العالم كله ينتظر الآن قرار محكمة العدل الدولية.. وانضمام مصر للدعوى الجنوب إفريقية جعلها دعوى أساسية وجوهرية.. وأساتذة القانون الدولى يقولون إن قرارات محكمة العدل الدولية ستكون قانوناً دولياً مُلزماً للجميع، ولا يجوز الطعن عليه.. وأن حرب الإبادة وعشرات الشهداء والجرحى أكبر دليل على ما قام به العدو الإسرائيلى فى فلسطين المحتلة.

الأدب الشعبى

أهدانى الدكتور «أحمد بهى الدين» رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، كُتباً كثيرة من أحدث إصدارات الهيئة التى أصبحت الدار التى تشكل عنواناً للنشر فى الوطن العربى كله.. كتاب «الأدب الشعبى».. كتبه الدكتور «خالد أبو الليل».. وبتواضع العلماء يقول المؤلف إن كتابه محاولة مُبسَّطة جداً من المفروض أن تتبعها محاولات أكثر تفصيلاً، نتمنى أن تكون قد أدت الهدف المحدد لها.

ولا يفوتنى توجيه الشكر للهيئة المصرية العامة للكتاب، ولرئيسها «د.أحمد بهى الدين العساسى»، والشكر لأسرة تحرير السلسلة، والشكر العميق للباحث الدؤوب الدكتور «محيى عبد الحى»، وهو الذى شرَّفنى بهذه الدعوة الجميلة.. فأتاح لىَّ الفرصة أن ألتقى بالقارئ الكريم عبر هذا الكُتيب المهم.
وهذه الكُتب المُبسَّطة التى تنشرها هيئة الكتاب بعشرة جنيهات للكتاب الواحد.. تُعتبر ثورة فى سعر الكتاب، وتصل لكل القُراء.. فالمشروع معرفى، يتضمن أنواعاً عديدة من المعرفة فى مختلف المجالات، ويقدم رؤية علمية فى ذلك.

رواية لحمدى أبو جليل

هذه رواية صدرت للمرحوم «حمدى أبو جليل»، (1967 - 11 يونيو 2023) عن دار الشروق، اشتريتها بِحُر مالى.. فأما صاحب دار الشروق الصديق القديم العزيز الذى أحبه بلا حدود «إبراهيم المعلم».. يضن علىَّ بكتبه الجديدة.. ولكن لأن الدار تُعتبر مؤسسة نشر حقيقية فى الوطن العربى كله، فلابد من اقتناء ما تُصدره، حتى لو أنفقت نصف مالى.. والكتاب فائز بجائزة نجيب محفوظ، وكتب عنه «إبراهيم أصلان»، و»خيرى شلبى»، و»جابر عصفور».. يرحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.