هل اختفت الأجيال الأدبية؟| تحقيق

إبراهيم عبد المجيد ود.إعتدال عثمان ومنتصر القفاش ود. سيد ضيف الله
إبراهيم عبد المجيد ود.إعتدال عثمان ومنتصر القفاش ود. سيد ضيف الله

عرفت الحركة النقدية ما يسمى بالأجيال الأدبية وجمع بين أدباء ظهروا فى زمن محدد، ولأدبهم سمات، قد تبدو متقاربة، مثل جيل الستينات الذى ارتبط بالواقع وهزائمه، وجيل التسعينات الذى اقترن بالفردية، والتجربة الذاتية، وداخل كل جيل هناك مجموعات قد تنفصل عن هذه السمات وتتخذ منحى مختلفا، لكن ظل السجال حول فكرة الأجيال قائما حتى الألفية الثالثة، حيث أصبح من الصعوبة بمكان تلمس سمات مشتركة بين مجموعات محددة من الأدباء فى إثر هذا الزخم الأدبى والتنوع من حيث الكم والكيف فهل لم يعد مصطلح «الجيل الأدبى» يصلح الآن؟ وما المنطلق النقدى الذى يمكن رؤية الأجيال الأدبية الجديدة من خلاله؟

سوء استخدام المجايلة!
يرى الأديب إبراهيم عبد المجيد أن فكرة المجايلة فى مصر تعرضت لسوء استخدام، فالجيل الأدبى من وجهة نظره لا علاقة له بعدد السنوات، ويوضح: الجيل الأدبى مرتبط بالأحداث الكبرى، فهناك جيل ثورة 1919، وجيل الحرب العالمية الثانية، وجيل الستينات.. الفترة التى شهد فيها العالم كله مظاهرات حاشدة، وكان فى مصر مواكبا لهزيمة 1967، وكانت كتابته بمثابة احتجاج على الهزيمة»، يصنف النقاد «عبد المجيد» باعتباره من جيل السبعينات، وهو ما يجده مجرد تصيم صورى كأن النقاد يضعون سورا حول أى مجموعة أدباء مروا خلال عقد واحد، وهذا من وجهة نظره مجرد أسباب شخصية. ويضيف: أعتبر أن الجيال التالى لجيل الستينات هو جيل الألفية الجديدة لوجود حدث عالمى وهو الثورة الرقمية التى امتدت من أواخر التسعينات، وترتب عليها تغير كبير فى سلوك الناس منذ التسعينات، وبعده جيل «يناير» لأنه حدث مفصلى، لكن النقاد لم يقوموا بدورهم حتى الآن والبحث فى طرق الكتابة عند هذا الجيل، وتمييزها فهناك مغايرة تحتاج إلى دراسة».

اقرأ أيضًا| العالم يقرأ شعرنا بالإنجليزية

طرق مغايرة
وتشير الناقدة د. إعتدال عثمان فى بداية حديثها إلى أن التغير والتحول قانون كونى لا نهائي، وتؤكد: بالطبع يناير 2011 تاريخ بالغ الأهمية والتأثير على رؤية الأجيال الأدبية المختلفة المعاصرة للحدث، لكننا لا نستطيع أن نتجاهل أيضا المؤثرات العالمية خلال العقود الأخيرة، فالأدباء فى واقعنا يعيشون فى سياق المجتمع ما بعد الحداثى «التكنولوجى» الذى بات لا يعتمد على حكاية كبرى تقوم على التنوير، وقيم الحق، والعدل والخير، والجمال، كما كان سائدا أو كان حلما متوقعا، بل أصبحت المعرفة تُستمد فى هذا العصر ليس من التاريخ، والواقع المعيش فحسب، بل من تراكم المعلومات التى يسمح بتدفقها التطور «التكنولوجى» الهائل، و«بنوك» المعلومات والذكاء الاصطناعي، وصولا إلى ما بات يعرف بالأدب الرقمي.

وتعتبر د.إعتدال أن التنوع فى طرق السرد هو الفيصل، وليس الجيل الأدبى وتقول: لقد قدم أدباء من أجيال مختلفة فى عدد من النصوص الأدبية الصادرة حديثا طرقا مغايرة فى السرد، لا تستمد رؤاها من الحكايات الكبرى، وإنما تهتم بتصوير جوانب من تحولات التاريخ المصاحبة لتحولات مجتمعية، كذلك ظهر فى الألفية الجديدة نزوع لدى عدد من الأدباء لكى يعتمدوا على رؤيتهم الذاتية، ومن بين التقنيات الأثيرة فى النصوص التجريبية الجديدة نجد الاعتماد على تقنيات الحلم و«اللاوعي»، ونستطيع القول بإن الكتابة الجديدة تمثل نوعا من الواقعية المعاصرة المقترنة بـ«الفانتازيا»، بينما تقدم قيمة معرفية خاصة، كما تقدم رؤية فلسفية تنطوى على تحولات العصر.

تيارات لا أجيال!
رغم أن الأديب منتصر القفاش يعتبره النقاد من جيل التسعينات إلا أنه يرفض مصطلح «المجايلة» من الأساس، ويعتبره مجرد قطار يضم أدباءً مختلفين تصادف وجودهم فى نفس الزمن، ويضيف: «لا أميل إلى استخدام تعبير اختفاء الأجيال الأدبية لأنى لا أفضل تعبير جيل أدبى من الأساس، وأرى أننا ننشغل بها أكثر من اللازم، وهذا يبعدنا عما يحدث فى الكتابة، وما يطرأ عليها من تبدلات داخل الجيل الواحد» ويميل القفاش إلى مصطلح تيار أدبى، ويجده أكثر تعبيرا عن الواقع بدلا من فكرة الجيل الذى يضم أشتاتا، فإن الحديث عن تيار بعينه يبعدنا عن التشكيل الزمنى فمثلا ما يندرج تحت الرواية التاريخية فهو تيار مستمر، بل نشط مؤخرا، ويعتمد على محاولة إعادة النظر فى التاريخ، أو كتابة تاريخ موازٍ، التيار يسمح لنا بالتأمل على مدى زمنى ممتد ويضيف «القفاش»: «الانشغال بفكرة الجيل يأتى بعد مرور الزمن، وقد تأتى دراسات نقدية وتؤطر جيلا ما فى الألفية، وأرى أن عدم الحديث عن الأجيال الآن ظاهرة تجعلنا على الطريق الصحيح، ولعل وعسى أن يكون الاهتمام الأكبر بالتيار العابر للأجيال».

جماعات المال الثقافى!
لدى الناقد د.سيد ضيف الله اعتقاد فى الوقت الحاضر أنه ليس هناك ما يسمى بالجيل الأدبي، بل هناك نوع من التجمع بين مجموعة من المبدعين حدث فى الستينات لدوافع تتعلق بمقاومة التهميش الاجتماعى والثقافى، لكن فى جوهر كل جماعة أكثرهم تميزا هو أقلهم إيمانا بفكرة الجيل، فالموهبة ترفض التقيد، ويضيف ضيف الله: «حتى جيل الستينات هناك اختلافات كبيرة بين مبدعيه، وكل مبدع فيه خلق مدرسة ممتدة زمنيا بحسب أسلوب الكتابة، فيختلف عن معاصريه لكن يتفق مع أدباء آخرين فى أجيال تالية له، وهذا ما أسميه بالعائلة الأدبية الممتدة زمانيا.» يشير ضيف الله إلى أن الأمر لم يعد كذلك فى الألفية الثالثة حيث إن هناك سيولة، وبالتالى دور النقد، والفرز اختلف وأصبحت هناك مواقع تواصل «سوشيال ميديا»، ومجموعات قراءة وروابط للأدباء «ألتراس» ، ويضيف: ما يخلق المشترك عوامل جديدة بعيدة عن الجيل، مثل الجائزة الأدبية التى صارت تشكل حولها سمات فنية يحاول الأدباء محاكاتها، فهناك نوع من الملامح المهيمنة نتيجة لعوامل غير أدبية، فلم يعد الحافز لتشكيل جيل أدبى مطروحا وإنما المطروح تشكيل ذائقة القراء تحت ضغط المال الثقافى.