الموقف السياسى

توافق اللحظة الحرجة

محمود بسيونى
محمود بسيونى

 3 مشاهد تستحق الانتباه جرت فى الساعات الأخيرة

المشهد الأول: اعتزام مصر الانضمام إلى القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، والثانى خروج الخلافات الطاحنة بين حكومة نتنياهو والجيش الإسرائيلى إلى العلن وتهديد يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلى بالاستقالة وسط خسائر الجيش الإسرائيلى الفادحة فى قطاع غزة، والثالث البيان الختامى القوى الصادر عن قمة المنامة وتوحد العرب فى لحظة توافق خلف الحق الفلسطينى ومطالب الصامدين المتمسكين بالأرض فى وجه الاحتلال الإسرائيلى رغم فداحة جرائمه وتأثير أكاذيبه على القوى العظمى.

انتهت قمة المنامة ببيان يعكس توافقًا فى لحظة حرجة، تمر بها القضية الفلسطينية والأمن القومى العربى وفى القلب منه الأمن القومى المصرى، حيث وجهت القمة إدانة واضحة لجرائم قوات الاحتلال الإسرائيلى فى مدينة رفح الفلسطينية، وأخطرها إغلاق المعبر من الجانب الفلسطينى، بعد وقوعه تحت سيطرة قوات الاحتلال، ومنع المساعدات الإنسانية القادمة من الجانب المصرى من العبور إلى الأشقاء المحاصرين فى القطاع.

إغلاق إسرائيل للمعبر قطع شريان الحياة الرئيسى الممتد من مصر إلى غزة.. خلال الستة أشهر الماضية قدمت مصر وشعبها أكثر من 80٪ من المساعدات التى وصلت إلى القطاع، وفى المقابل خسر الاقتصاد المصرى نحو 20 مليار دولار من إيرادات السياحة وقناة السويس، نتيجة التدهور الأمنى فى المنطقة، وتصاعد الصراع الإقليمى على خلفية الهجوم الإسرائيلى على غزة.

وبحسب قناة القاهرة الإخبارية نقلًا عن رويترز رفضت مصر مقترح الشاباك للتنسيق بين القاهرة وتل أبيب من أجل تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطينى تحت إدارة إسرائيلية، وتمسكت مصر بأنها لن تتعامل إلا مع إدارة فلسطينية للمعبر، وهو ما يفسر سر الهجوم الإسرائيلى الأخير على مصر، ويؤكد جدية التصعيد المصرى، ورفض محاولات إسرائيل إعادة احتلال قطاع غزة وتمسك مصر بالحق الفلسطينى. 

بيان القمة أشار بوضوح إلى الرفض العربى القاطع للعدوان الإسرائيلى على رفح، ومحاولات تهجير الشعب الفلسطينى داخل أرضه أو إلى خارجها، باعتباره خرقاً واضحاً للقانون الدولى واتفاقيات حقوق الإنسان، معلنين تصديهم لتلك المحاولات بهدف وقف أى محاولة إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية.

وألقت القمة بالكرة فى ملعب المجتمع الدولى من أجل وقف العدوان الإسرائيلى، وذلك بتأييد دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس لعقد مؤتمر دولى للسلام، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبول عضويتها فى الأمم المتحدة دولة مستقلة كاملة السيادة كغيرها من دول العالم، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وتحديدًا حقه فى العودة وتقرير المصير.

لم يغب عن القمة تذكير العالم باحتلال إسرائيل للجولان السورى وجنوب لبنان، والدعوة إلى إنهاء ذلك الاحتلال وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ووقف كل محاولات تغيير هوية مدينة القدس لقدسيتها لدى جميع الأديان، وتوفير الحماية للمساجد والكنائس بالمدينة. 

وناقش البيان بالتفصيل الموقف فى المسجد الأقصى، وحدد كامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع، والتأكيد على أنه مكان عبادة خالص للمسلمين فقط، ومسئولية المملكة الأردنية الهاشمية عن إدارة شئونه وصيانته، ودعم دور رئاسة لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس برئاسة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية.

تستحق دعوة القمة إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة فى الأرض المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين إلى أن نتوقف أمامها كثيرًا، فهى إشارة بالغة الدلالة على تمسك العرب بالتعامل مع العدوان الإسرائيلى وفق الآليات الدولية، وفى إطار القانون الدولى، ورغبتها فى قيام القوى الدولية بممارسة ضغوط أوسع على الحكومة الإسرائيلية، لوقف العدوان والبحث عن حل سلمى قائم على حل الدولتين، حيث أشار البيان إلى مسئولية مجلس الأمن فى اتخاذ الإجراء المناسب لوقف العدوان والمحافظة على الأمن والسلم الدولى المهدد فى الشرق الأوسط بسبب الإجرام الإسرائيلى.

واتفق العرب على وضع سقف زمنى للعملية السياسية، وإصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة والمتواصلة الأراضى، وتحميل إسرائيل مسئولية تدمير المدن والمنشآت المدنية فى قطاع غزة.

ولخصت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى الموقف المصرى بوضوح وصراحة، وتحدثت عن العجز الدولى عن الحل أو عن وقف العدوان وجرائم الاحتلال ضد العزل، مشددًا على رفض مصر لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، ومحذرًا من سياسة حافة الهاوية التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية.

بيان القمة القوى، وكلمة الرئيس السيسى، مع مشهد الأزمة داخل الحكومة الإسرائيلية، وتوتر علاقتها مع البيت الأبيض، فى ظل رفض إدارة الرئيس جو بايدن للعدوان الإسرائيلى على رفح، يقول إننا أمام لحظة نادرة يمكن أن تشهد تحولًا ايجابيًا لصالح الحق الفلسطينى، خاصة بعد قرار الجمعية العامة المؤيد لإقامة الدولة الفلسطينية.

ضربة البداية يجب أن تأتى من داخل البيت الفلسطينى، وتوحد الفصائل وعلى رأسها حماس خلف منظمة التحرير الفلسطينية، وأن ينتهى الخلاف ويحل محله الاتفاق على تحقيق مصالح الشعب الفلسطينى فقط.

الخطوة التالية إسكات البنادق، والضغط الدولى على إسرائيل للموافقة على الورقة المصرية باعتبارها أساس تحقيق الهدنة، بعد توافق كل الأطراف عليها، ثم الشروع فى بحث مطالب اليوم التالى لتوقف القتال، وجهود إعادة الإعمار وتحميل إسرائيل فاتورة تدميرها للقطاع. 

نجاح العمل العربى المشترك هذه المرة.. فى تلك اللحظات الحرجة ووفق المستجدات الدولية، يمنح القضية الفلسطينية فرصة.. مع فضح مصر لجرائم العدوان الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية، وخاصة منعها للمساعدات الإنسانية بعد إغلاق معبر رفح من الجانب الإسرائيلى، وصمتها أمام هجوم المستوطنين على شاحنات المساعدات وتدمير محتوياتها باعتبارها جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف، ووضع تلك الأدلة الموثقة أمام قضاة المحكمة سيؤثر بالتأكيد على إسرائيل.. إن العمل على تنفيذ مقررات القمة يزيد من فاعلية ووزن الدول العربية فى المحافل الدولية، ويساهم فى صنع نظام عالمى جديد أكثر اتزانًا.. وعدلًا.