صدى الصوت

«الجميلة» والحراس

عمرو الديب
عمرو الديب

أكن له فى ضميرى تقديرا خاصا، وتبلغ مكانته فى نفسى منزلة رفيعة، وتسكن ملامح حراسه الأشداء وجدانى كمنافحين عن أبرز مفردات الهوية، وأحد أهم مكوناتها الأساسية، فهذا الكيان العريق يقف كالطود المهيب فى وجه أعداء الهوية، والمتربصين بالملامح الوطنية، وننتظر منه دوما أن يخوض المعارك الشجاعة دفاعا عن اللسان العربى العريق وألا يتهاون حراسه فى الاضطلاع، بالمهمة الشريفة، وطرق شتى الأبواب زودا عن لغتنا العالمية حقا.. التى صمدت فى وجه الأزمان والعصور، وآلاف المخططات المعادية، والتدابير المستهدفة للهوية على مختلف الأصعدة، فمجمع اللغة العربية بالقاهرة.. ذلك الكيان العريق الذى شرف بعضوية حشد من الأفذاذ من أصحاب العطاء الاستثنائى، وفى صدارتهم عميد الأدب العربى د.طه حسين الذى قاد مسيرته فى مرحلة تأسيسية، وتتوالى الأسماء المضيئة التى شرف مجمع الخالدين بانتسابهم إليه ومنهم، العقاد، والحكيم، ومحمد حسين هيكل، والمازنى، وجواد على، وجميل صليبا، وزكى المهندس، وعلى الجارم، ود.مجدى وهبة ، وحمد الجاسر ، ود.مصطفى عبد الرازق إلى جانب عدد من نجوم الاستشراق الجادين المفتونين بلغة الضاد الخلابة،  ولقد صال هؤلاء، وجالوا فى قاعات ذلك الصرح المصرى وردهاته، وفى منعطف تاريخى مشابه لمهب إعصار العولمة، وقف حراس اللغة العربية يدافعون عن لسانهم المتفوق الثرى، ولا يخفى على أحد ما تواجهه لغتنا الآن من تحديات، وتهديدات، تتطلب تدابير أكثر فاعلية، وتأثيرا، وقد اختتم مجمع الخالدين مؤتمره السنوى -مؤخرا- مصدرا توصياته، وللأسف ستنضم هذه التوصيات إلى مثيلاتها فى الدورات السابقة، وتوضع كالعادة فى «الأدراج»، ولا تجد طريقها إلى التنفيذ مما يجعلنا فى المربع الأول نراوح فى أماكننا، ولا نحرك ساكنا على طريق حماية اللسان المهان فى بيئاته الطبيعية.. والغريب فى أوطانه.. المطعون فى نسيجه برطانات المخلطين، والألسنة الدخيلة الغازية، وكل هذه الأخطار والتهديدات تحتم أن ينشط المجمعيون، وحراس اللسان فى استنقاذ واحدة من أبرز لغات العالم، يحاول المغرضون إزاحتها من مكانتها الطبيعية، وجرها إلى قاعات المتاحف، والمزارات التاريخية، ولهذا لم يعد مقبولا من حراس اللسان الاكتفاء بتوصيات مؤتمراتهم المتعاقبة، وجهود سد الخانات وإنما السعى الحثيث لتنفيذ توصياتهم، والتحرك نحو اتخاذ ما يلزم لحماية العربية فى أوطانها، والاتصال بالجهات المسئولة لاستصدار التشريعات الضرورية، وإطلاق الحملات المجتمعية حفاظا على اللغة العربية، وتكثيف الظهور الإعلامى للتعريف بخطورة التهديدات وارتباط ذلك بمحاولات طمس الهوية.