يوميات الاخبار

برقين.. وجارتها كفر غنام

حازم نصر
حازم نصر

لطفى السيد وهيكل وأم كلثوم وأسامة وفاروق الباز وفاتن حمامة وأنيس منصور.. هؤلاء المبدعون وغيرهم خرجوا من قرى متجاورة فى ظاهرة فريدة يندر وجودها على وجه البسيطة.

الجمعة
توجهت لقرية برقين مركز السنبلاوين لأداء واجب عزاء.. القرية تبعد عن المنصورة بحوالى 40 كيلو وارتبطت بها منذ عدة عقود.. فكلما توجهت لها أو لإحدى القرى المجاورة فى مهمة صحفية أو مناسبة اجتماعية استرجعت بواكير النهضة فى ريف مصر وانطبعت فى ذهنى صورة ابنها أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد.. القرية تتوسط بؤرة فريدة من بؤر الإبداع فى مصر، فقد نشأ بها أستاذ الجيل كما نشأ بجارتها قرية كفر غنام رائد القصة المصرية الدكتور محمد حسين هيكل.. وانطلقت سيدة الغناء العربى أم كلثوم من جارتهما طماى الزهايرة لتملأ الدنيا شدوًا وطربًا.. ومن قرية طوخ الأقلام القريبة نشأ الأخوان أسامة وفاروق الباز.. الأول ترك بصمته الواضحة على سياسة مصر الخارجية وكان من أبرز مهندسيها على الساحة الدولية فى فترة مهمة من تاريخ الوطن.. والثانى عشق القمر ومازال عطاؤه متواصلًا لخدمة الإنسانية فى أحد أهم علوم العصر وهو علم الفضاء.. ناهيك عن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وأنيس منصور وغيرهما الكثير والذين انطلقوا من تلك المنطقة ليثروا الحياة السياسية والثقافية والفنية فى مصر والعالم العربى.
المجال هنا لا يتسع لسرد نجوم الإبداع الذين خرجوا من قرى مركز السنبلاوين أحد مراكز محافظة الدقهلية تلك المحافظة التى تشتمل على 21 مركزًا تضم 336 قرية و2072 عزبة وتابعًا، فقد نشأ بهذا المركز فقط كل هؤلاء المبدعين فى ظاهرة تنفرد بها قرى مصر المحروسة ويندر وجودها فى أى دولة على وجه البسيطة.


لطفى السيد وهيكل
نعود لابن برقين أحمد لطفى السيد وجاره وصديقه الدكتور هيكل ابن كفر غنام فهما من رواد النهضة الثقافية المصرية أوائل القرن العشرين.
فالتكوين الثقافى والفكرى لكل منهما مكنهما من القيام بدور كبير لاحقًا فى الثقافة والوعى العام المصرى والعربى سواء من خلال العمل العام أو الصحافة أو الترجمة والتأليف.
فريادة فكر الاستنارة - فى مصر- كانت أزهرية خالصة تولاها مشايخ الأزهر من أهل العقل والاجتهاد المفتوح على متغيرات الزمن وفى مقدمتهم الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر فى زمن محمد على.. ثم رفاعة الطهطاوى الذى تم اختياره إمامًا للبعثة المسافرة إلى فرنسا ليصبح رائدًا للاستنارة المصرية فى مجالاتها العديدة ثم الإمام محمد عبده الذى كان الامتداد الطبيعى لهذا التيار العقلانى المتفتح.. أما الجيل الثانى من رواد الاستنارة فهو الذى حقق الانتقال بشعلتها من جيل المشايخ المعممين إلى جيل المتعلمين تعليمًا مدنيًا حديثًا وكان على رأسهم لطفى السيد والدكتور هيكل.


فالأول لقب بأستاذ الجيل نظرًا للعدد الكبير من المفكرين والأدباء الذين تتلمذوا على يديه وقد وصفه العقّاد بأنه «أفلاطون الأدب العربى»
حصل على ليسانس الحقوق عام 1894 وعمل فترة فى النيابة والمحاماة والصحافة وسافر مرات عديدة لأوروبا وانفتح على الحضارة الغربية.. ثم تولى عدة مناصب مهمة، حيث اختاره الخديو مديرًا لدار الكتب المصرية خلفًا لمديرها الأجنبى فكان أول مصرى يتولى هذا المنصب.. كما تم تعيينه مديرًا للجامعة المصرية، حيث كان وراء فكرة إنشائها، كما كان من أبرز المنادين والداعمين لقيامها.. كما كان أول من فكر فى أن يتجمع المثقفون فى حزب سياسى وهو حزب الأمة.
وتولى وزارة المعارف العمومية وشغل منصب وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء.. كان وراء إنشاء المجمع اللغوى المصرى عام 1916 وظل يترأسه بعد ذلك حتى وفاته عن 91 عامًا وذلك فى عام 1963.
أطلق شعار «مصر للمصريين»
وهو صاحب المقولة الشهيرة:
«الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»
أما الدكتور هيكل فقد سافر لباريس على نفقته مجرد نيله ليسانس الحقوق، حيث حصل على الدكتوراة فى القانون عام 1912 ليكون أول مصرى يحصل على الدكتوراه فى القانون.


وسار على نهج أستاذ الجيل فى العمل العام، حيث ترك المحاماة وتفرغ للعمل السياسى والكتابة الأدبية والصحفية.. وتولى وزارة المعارف عدة مرات ثم تولى رئاسة مجلس الشيوخ فى الفترة من عام 1945 وحتى عام 1950 وتوفى فى ديسمبر عام 1956 عن عمر يناهز 68 عامًا.
كان الدكتور هيكل مقربًا من لطفى السيد وشاركه توجهاته الفكرية والسياسية ولعل موقفهما من قضية تحرير المرأة يوضح عمق هذا التوجه التنويرى منذ بدايات القرن العشرين، حيث شاركا صديقهما قاسم أمين بضرورة فك المرأة المصرية من سلاسل الأسر التى قيدتها بها العادة وضرورة هدم هذا السجن العميق الذى حبس الاستبداد فى غياباته عقول نصف المصريين وحجب ذلك الضوء الساطع.. ضوء روح السيدة المصرية.. ولقد أوقعوها فيه باسم الدين وما هو من الدين فى شىء، فالدين أسمى مما يظنون.


ولقد تخرجت فى عهد رئاسة لطفى السيد للجامعة أول دفعة من الطالبات عام 1932.
كما أن جهودهما فى التنوير لم تقتصر على تطوير المفاهيم والأفكار والسلوكيات والأوضاع الاجتماعية لكنه تعدى ذلك بحرصهما على ضرورة الاستفادة من التقدم العلمى الغربى فى الزراعة والصناعة والمواصلات وغيرها، فعمدة برقين حقق ضعف المحصول الذى كان يحققه الآخرون لحرصه على تطوير الإنتاج الزراعى فى أرضه المحدودة، حيث كان يتواصل مع وزارة الزراعة للحصول على أفضل البذور وهو ما تحتاجه مصر فى الوقت الراهن لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء.


ولما عانت مصر لاحقًا من ظهور موجات مضادة سماها الدكتور هيكل «الأفكار الرجعية» فضلًا عن التواكل والسلبية والانغماس فى السلوكيات النفعية قصيرة الأجل، ظلا يطالبان بتحريك المياه الراكدة للارتقاء بالوطن.


حكايات من غرف العمليات
الأديبة الدكتورة دعاء جلال دياب أستاذ التخدير بكلية طب المنصورة صدر لها مؤخرًا عمل بديع بعنوان: «حكايات من غرف العمليات»، سردت فيه بأسلوب أدبى مزيج نادر من الدراما الواقعية التى تحدث يوميًا بين جدران المستشفيات مع التركيز على ما يحدث فى غرف العمليات.


ألقت د.دعاء الضوء على عالم محاط بالغموض لا يعلم أغلب الناس عنه شيئًا وفيه من الغرابة والتشويق مالا نجده فى الأعمال الدرامية السينمائية.
تتجسد أحداث هذا العمل فى شكل حكايات روائية لأشخاص حقيقية التقت بهم الكاتبة فى دنيا العمليات الجراحية وتحت تأثير المخدر.
سكبت المؤلفة فى هذا العمل الدرامى مزيجًا من بعض هذه الحالات الإنسانية التى لا تنسى.