أصل الحكاية| رحلة السيدة «أم أمجد» السودانية في صناعة البخور

صناعة البخور السوداني
صناعة البخور السوداني

في عمق تراثها العريق وتاريخها الغني، تنسج الحرفية السودانية أروع العطور والبخور التي تحمل في طياتها جاذبية الأصالة وجمال التجديد، تتألق تلك الأعواد المعطرة بتركيباتها الفريدة، لتحكي قصة عريقة عن فن البخور في السودان، حيث تلتقي الحنين إلى الماضي بحِكَم الحاضر في مزيج ساحر يأسر القلوب والعقول، في هذا العالم المتجدد، يتجسد جمال الثقافة السودانية وازدهارها من خلال تحضير البخور، فتعيد لنا ذكريات الأجداد وتعزز روعة الفن التقليدي مع لمسات من التجديد والإبداع.

البخور السوداني بالفعل يحمل تراثاً غنياً وعميقاً في عالم العطور الشرقية والتراث، ويعكس ثقافة وتاريخ المنطقة بشكل مميز، وتنوع أصنافه وفخامته يضيفان لجاذبيته وشهرته داخل المجتمعات العربية وخارجها، مما يجعله لا غنى عنه في عالم العطور الشرقية والأفريقية.

- البخور السوداني فن تراثي يتجلى في عناية الاختيار وتركيب المكونات

اقرأ أيضا:وزير الأوقاف وسفير السودان يتفقدان مدينة «الحرفيين» بالغردقة

البخور السوداني ليس فقط عطراً، بل هو فن يتجلى في اختيار المكونات وتركيبها بعناية فائقة، ويُعتبر جزءاً مهماً من التراث الثقافي في السودان، يمتد استخدام البخور في البلاد عبر العصور كوسيلة للتعبير عن الهوية والتراث الثقافي، كما يستخدم في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية لإضفاء لمسة من الفخامة والرونق على الأجواء، مما يجعله جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس في السودان.

حكاية السيدة المكافحة السودانية "أم أمجد"

إنجاز رائع لأم أمجد! يبدو أن مهارتها في صناعة البخور ومنتجات العناية بالجسم تلقى اهتمامًا واسعًا، من الجميل رؤية الثقافة السودانية تتألق من خلال منتجاتها، وأن يتجاوب الناس معها بشغف واهتمام.

تقوم سيدة سودانية "أم أمجد"، في السابعة والسبعين من عمرها، العنان لحرفتها في صناعة البخور، مُضيفةً إياها ضمن قائمة مشاريعها المنزلية الصغيرة، والتي تلقى استحسانًا واسعًا من قبل المقيمين في مصر.

تتضمن مجموعة منتجاتها السودانية الفريدة بخورًا، ومعطرات للجسم والشعر والوجه، بالإضافة إلى خدمات رسم الحناء، تُعلق أم أمجد على الإقبال المتزايد على البخور السوداني، حيث يتجاوز حدود السودانيين المقيمين في مصر، ليشمل العديد من السيدات العرب والمصريين والسوريين هناك.

- "أم أمجد" رمز الإبداع السوداني في مصر

وبالإضافة إلى ذلك، تُوفر أم أمجد جميع احتياجات العروس من رسم الحناء ومن تجهيزات أيضآ الشعر والوجه والجسم، ولقد لجأت العديد من النساء السودانيات إلى إنشاء مشاريع منزلية تتضمن صناعة البخور، خاصة بعد زيادة أعداد اللاجئين السودانيين في مصر نتيجة للحروب والبطالة.

تُؤكد أم أمجد على أهمية استخدام البخور كمؤشر لترتيب المرأة واهتمامها بأعمال منزلها. تشير إلى وجود طقوس محددة يجب اتباعها لضمان انتشار الروائح العطرة للبخور في جميع أنحاء المنزل، موضحةً أنه من المفضل استخدام البخور مباشرة بعد مسح الأرضيات بحيث تظل رطبة، كما يمكن استخدام بخاخات الماء لرش الرذاذ على المفروشات قبل استخدام البخور، لضمان تعلق رائحتها بشكل جيد.

أم أمجد، التي نراها اليوم، ليست مجرد سيدة عادية، بل هي قامة نسائية تتحدى الظروف، وتحمل في داخلها أملًا لا يتزعزع، ومع كل تجربة تمر بها، تنمو إرادتها وتتجسد قوتها، حتى أصبحت شخصية معروفة بحكمتها وصبرها في مجال صناعة البخور والجمال.

-  تحدي الصعوبات وبناء حياة مليئة بالعطاء والإيجابية

في هذا اللقاء، مع "بوابة أخبار اليوم " ، سوف سنغوص في عالم أم أمجد ، سنتعرف على قصتها المؤثرة، ونكتشف كيف استطاعت أن تتحدى الظروف القاسية وتبني حياة جديدة مليئة بالعطاء والإيجابية. تفضح لنا تجربتها الصعبة كيف يمكن للإرادة والإيمان أن يغيّرا مجرى الحياة، ويجعلان من كل صعبٍ فرصة للنجاح والتميز.

هكذا، نحن هنا اليوم، لنستمع إلى قصة أم أمجد، السيدة السودانية الملهمة، التي تعلمنا أن الأمل لا يمكن أن يفقد، وأن الحياة دائمًا مليئة بالفرص لمن يؤمن بها بصدق ويعمل بجدية.

بعد مرورها بالظروف الصعبة، تقف أم أمجد اليوم وحدها في مصر، مستقلة وقوية، تعتمد على نفسها بكل ثقة وإصرار. لم تستسلم للظروف القاسية التي واجهتها، بل عملت بجد واجتهاد لتحقيق استقلالها المالي والشخصي.

باستفادتها من خبرتها في صناعة البخور ورسم الحناء التي اكتسبتها في السودان، استطاعت أم أمجد أن تبني حياة جديدة في مصر.

 بدأت بتصنيع البخور ورسم الحناء، وتوسعت تدريجياً لتقديم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات التي تلبي احتياجات النساء في مصر.

تعتبر أم أمجد اليوم رمزًا للاستقلالية والتحدي، حيث تعمل بجد وتثابر لتحقيق معيشة كريمة لنفسها، دون الاعتماد على أحد سوى رزقها من عملها. بفضل الرغبة القوية والإيمان بقدرتها على تحقيق النجاح، تتألق أم أمجد بين الناس، تعيش حياة مستقرة ومستورة، مكنونة في قلبها قصة صمود وتحدي تلهم بها الآخرين.

رفضت أم أمجد اللجوء إلى أحد لمساعدتها أو تسهيل حياتها، بل قررت الاعتماد على نفسها وعلى رزقها الحلال. بدأت بممارسة حرفتها في صناعة التجميل والبخور ورسم الحناء، مُسلحة بالإرادة والثقة في قدرتها على النجاح.

بصمودها وعزيمتها، استطاعت أم أمجد أن تبني حياة مستقلة، تعتمد فيها على الله أولاً وأخيراً، مؤمنة بأنه سيكون لها عونًا ونصيرًا في كل تحدي تواجهه. تمثل قصة أم أمجد نموذجًا للتحدي والصمود، تلهم بها الآخرين للوقوف بقوة في وجه الصعوبات وتحقيق النجاح بالعزيمة والإيمان.

-  أغلى أنواع البخور

يتميز البخور السوداني بتنوع أنواعه واستخداماته المتعددة، بخور الصندل يُعتبر من الأنواع الراقية التي تُستخدم بشكل خاص في المناسبات الهامة مثل حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة، وهو يعتبر من أغلى أنواع البخور ، وبخور الشاف والعنفر يُستخدمان في الحياة اليومية للنظافة وإضفاء الرونق على المنازل. 

كما توجد أنواع أخرى مثل بخور اللبان والجاولي والعدني والتيمان التي تُستخدم في الطقوس وتقديم الضيافة القهوة في السودان، وقد قامت النساء في السودان بابتكار طرق جديدة لعمل البخور مع المحافظة على أصالته واستحداث مكونات جديدة لإضافة لمسة من التجدد والتميز.

- بخور الشاف

يُصنع بخور الشاف باستخدام خشب أشجار الشاف، ويُعد هذا النوع من البخور مخصصًا للاستخدام اليومي في المنازل. يتميز بخور الشاف بتكوينه المتنوع الذي يشمل العطور والسكر، حيث يُستخدم عطر "الفليردامور" الفرنسي وبحانب "سواردي باريس"، إلى جانب المسك والضفرة المسحونة. ويتم تشريب ألواح الشاف بمنقوع القرنفل والمحلب قبل إضافة العطور.

توجد أشجار الشاف بكثافة في السودان، خاصة في مناطق غرب البلاد، حيث تُستخدم في العديد من أغراض زينة المرأة السودانية بالإضافة إلى استخدامها في صناعة البخور.

- بخور الصندل

بخور الصندل السوداني يُستخدم بشكل خاص لأغراض تخص العروس والنساء المتزوجات، حيث يُعتبر من الروائح القوية التي تُحجب عادة عن استخدامها النساء إلا لزوجها، وفقًا للأعراف السودانية المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف. يتواجد بخور الصندل عادة على شكل قطع صغيرة، إلا أن النساء في السودان ابتكرن شكلًا جديدًا له، حيث يُحولنه إلى نشارة. يتم تحضيره بطريقة مشابهة لبخور الشاف، حيث يُذاب السكر بالحرارة ليصبح مادة لاصقة تسمح لأعواد الصندل بالاحتفاظ بالعطور عليها، بالإضافة إلى الضفرة والمسك.

يُمثل بخور الصندل جزءًا مهمًا من تراث الزينة السوداني، ويعكس احتفاء المجتمع بالمناسبات الخاصة والأوقات المهمة، مما يجعله عنصرًا لا يُغفل في التجهيزات النسائية للزفاف والمناسبات الأخرى.

بخور الصندل يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من طقوس الجرتق في الزواج السوداني، إلى جانب الاحتفالات بحفلات "الحنة" التي تسبق الزفاف الرسمي. يُستخدم بخور الصندل بشكل خاص في تبخير غرفة العروس ومنزلها الجديد، بالإضافة إلى تبخير ملابسها، ويُعتبر هذا الاستخدام جزءًا من التقاليد السودانية الفريدة التي تُضفي لمسة من الأصالة والجمال على حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية.

- بخور العنفر 

يُصنع بخور العنفر من أعواد خشب العنفر، والذي ينتشر زراعته غربي السودان، ويتميز هذا النوع من البخور برائحته البديعة. يتميز بخور العنفر عن أقرانه بأنه بارد على الجهاز التنفسي، ويتجنب العيون الحساسية التي قد تحدث لدى بعض الأشخاص عند تعرضهم لأنواع أخرى من البخور السوداني.

يُحضر بخور العنفر عن طريق نقع أعواد خشب العنفر في عطر لمدة ثلاثة أيام، ثم يضاف إلى الأعواد كمية من السكر المذاب بالتسخين، مع إضافة دهن العنفر وقليل من زيت الصندل. يُقلب المزيج بشكل جيد ويُوضع البخور في أكياس بلاستيكية لمدة يوم كامل قبل نقله إلى البرطمان الزجاجي ليكون جاهزًا للاستخدام.

بخور العنفر يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من تراث العطور السوداني، ويتمتع بشعبية كبيرة بسبب رائحته الفريدة وخصائصه الصحية المفيدة.

- بخور التيمان 

بخور التيمان يتكون من تشكيلة متنوعة من الأعشاب المختارة بعناية، حيث تُطحن وتُخلط هذه الأعشاب معًا لتكوين بخور متعدد الأغراض. تتنوع الروائح المنبعثة من بخور التيمان وفقًا لاختلاف أنواع الأعشاب المستخدمة فيه. يُعرف بخور التيمان أيضًا باسم "المسبع" نسبة إلى استخدامه لسبعة أنواع من الأعشاب.

يُمثل بخور التيمان جزءًا من التراث العطري في السودان، ويُستخدم بشكل واسع في مختلف النواحي الحياتية، سواء كان ذلك في المناسبات الاجتماعية أو الدينية أو حتى في الاستخدام اليومي. تتميز هذه الأعشاب بخصائصها المميزة والروائح الفريدة التي تضيف لمسة من الجمال والأصالة إلى البيئة المحيطة بها.

بخور التيمان يتألف من مزيج متنوع من الأعشاب، بما في ذلك السدر وعين الديك والشب والقرض والحلتين، إلى جانب اللبان والكمون. وتعود تسميته، حسب الروايات المحلية، إلى أخوين توأم كانا أول من بدأ العمل في محلات العطارة، التي ارتبطت كثيرًا باسم التيمان في السودان.

يُعتبر بخور التيمان جزءًا لا يتجزأ من جلسات القهوة في السودان، المعروفة محليًا بـ "قعدات الجبنة"، ويُؤمن الناس عادةً بأن هذا البخور يمكن أن يحمي من العين والحسد، ولذلك فإنه يستخدم بشكل واسع في تبخير المحال التجارية في الأسواق الشعبية، ويُستخدم أيضًا من قبل ربات المنازل لطرد الذباب وفي أعمال التدفئة في الليالي الباردة خلال فصل الشتاء.

- مشروع منزلي مربح

مشاريع صناعة البخور تُعد من المشاريع المنزلية الصغيرة التي تحظى بشعبية كبيرة بين النساء السودانيات. تؤكد مها الطيب، التي تعمل في صناعة البخور في المملكة العربية السعودية، على ربحية هذه المشاريع بشكل كبير. تقول إن هناك إقبالاً كبيراً على شراء البخور السوداني، لا يقتصر فقط على السودانيين المقيمين في المملكة، بل يشتريه أيضاً العديد من الجاليات العربية بجانب المواطنين الأصليين.

في مصر، لجأ العديد من النساء السودانيات إلى عمل مشاريع منزلية تشمل صناعة البخور، خاصةً بعد تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين إلى مصر جراء الحرب وارتفاع معدلات البطالة. تنعكس شعبية البخور السوداني في مصر.

أسعار البخور السوداني

تتفاوت الأسعار في عالم البخور السوداني بناءً على جودته ونوعه، حيث تُشير مها الطيب إلى أن الصندل يعتبر من أغلى الأنواع نظرًا لارتفاع تكلفة المواد المستخدمة في تصنيعه، حيث يصل سعر الكيلو الواحد من بخور الصندل إلى حوالي 240 دولارًا " .

بينما تُعتبر الأنواع الأخرى من البخور أقل تكلفة نسبيًا مقارنة ببخور الصندل، فإن العطور المستخدمة في تصنيعها تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد سعرها وجودتها. فكلما زاد عدد العطور المستخدمة في البخور، زادت جودته وبالتالي سعره، ويختلف هذا الأمر من متجر لآخر.

وقد وصلت أسعار البخور السوداني في مصر إلى ما بين 130 و 160 جنيهًا مصريًا لكل من أنواع الشاف والعنفر، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار، إلا أن البخور السوداني يشهد إقبالًا غير مسبوق في مصر، وفقًا لمالكي المشاريع هناك.

ويعتبر البخور السوداني جزءًا لا يتجزأ من التراث السوداني، حيث انتقل بشكل كبير إلى المجتمعات المجاورة، مما عكس للعالم أصالة وعراقة التراث في السودان".