فيلم «حرب اهلية».. كابوس المستقبل القريب للولايات المتحدة الأمريكية «سابقا»

الفيلم الأمريكي حرب أهلية
الفيلم الأمريكي حرب أهلية

أحمد‭ ‬بيومي

في فيلم المخرج الإنجليزي أليكس جارلاند، الجديد القاسي “حرب أهلية”، تسافر مجموعة من الصحفيين بقيادة كريستين دونست، كمصورة حربية مخضرمة خاضت غمار التغطية الميدانية في كل بقاع العالم المشتعل، لكن هذه المرة تسافر داخل الولايات المتحدة نفسها التي أصبحت في حالة حرب أهلية طاحنة.   

يبدأ فيلم “الحرب الأهلية” باعتباره عملا مثيرا للحيرة أقرب للخيال التأملي، حيث الولايات المتحدة في حالة حرب مع نفسها، بالمعنى الحرفي، وليس الخطابي فقط. في واشنطن العاصمة، يتحصن الرئيس في البيت الأبيض؛ وفي مدينة نيويورك المهجورة بشكل مخيف، ينتظر الناس اليائسون الحصول على حصص المياه. إنه المستقبل القريب، والقناصون على الأسطح، والمفجرون الانتحاريون، والمتوحشون يقاتلون بينما هناك فصيل معارض يحمل علما ذو نجمتين يسمى القوات الغربية، ويضم تكساس وكاليفورنيا، قوات تقود الحرب ضد ما تبقى من الحكومة الفيدرالية. 

اختار المخرج أن يبدأ فيلمه الكابوس بالصمت،، واتخذ من الصمت سلاحا للتعبير عن أفكاره، صمت طويل نرى خلاله الكابوس الأمريكي واقعا بعد أن كان حلما لأجيال وراء أجيال، صمت يتخلله رئيس متردد بائس يبحث عن كلمات فارغة يعد بها أنصاره بالفوز التاريخي الذى بات على الأبواب. صمت يتكرر داخل الفيلم وكأنه حداد حزين على ما آل له الحال، حداد على أمريكا التي كانت يوما قبلة الحالمين وأصبحت مسرحا لحرق المواطنين أحياء، حداد لا يملك أحد رفاهية الفرار من ربطه بأحداث السادس من يناير، حين اندفع أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الشوارع واقتحموا البيت الأبيض للإستيلاء على الحق المسلوب من وجهة نظرهم، الرئاسة الأمريكية.

بحلول الوقت الذي تبدأ فيه أحداث “الحرب الأهلية”، كان القتال محتدما لفترة غير معلنة، لكنه كان طويلا بما يكفي لتفريغ المدن، ووجوه الناس، على حد سواء. ليس من الواضح لماذا بدأت الحرب؟ أو من أطلق الرصاصة الأولى؟، لكننا أمام رئيس فى فترة ولايته “الثالثة”.

وكعادة السينما الأمريكية، ميكانيكية البناء، يستغل المخرج ال15 دقيقة الأولي فى التعريف بالشخصيات، نحن أمام أربعة صحفيين، المخضرمة والخبير والعجوز المحنك والصغيرة الحالمة ببدء رحلتها في التصوير الحربي. وبعد التعريف بالشخصيات ودوافعهم، تبدأ الرحلة، هذه المجموعة الصحفية تبحث عن القصة الأخيرة في هذه الحرب البائسة التي أصبحت نهايتها وشيكة، يبحثون عن إجراء لقاء مع الرئيس الأمريكي الذى تسبب في هذا الكابوس، يبدأون الرحلة الحافلة بالمخاطر، خطر الطريق الملئ بمعسكرين يذبح كل منهما الآخر، وتحدى اللحاق بالرئيس ونزع تصريح أخير قبل أن يقتل على يد القوات الغربية. 

جارلاند، المخرج المدرك لما يقدمه في فيلمه، ينثر بعض التلميحات خلال الرحلة التي بدأتها تلك المجموعة الصحفية، والتي يمكن بكل سهولة تفكيكها إلى مجموعة من الأفلام القصيرة.  في أحد المشاهد القبيحة، يلعب الممثل جيسي بليمونز دور الميليشيا، ويسأل الأسرى “أي نوع أنت من الأمريكيين؟”، ومع ذلك، مهما كانت الانقسامات التي سبقت الصراع فهي متروكة لخيالك، على الأقل جزئيا، لأن جارلاند يفترض أنك كنت منتبها للأحداث الأخيرة على أرض الواقع. 

الشيء الوحيد الذي يظل مألوفا وسط هذه الآثار هو إيمان الفيلم / المجتمع بالصحافة. تلعب دونست، المثيرة للإعجاب، دور لي، مصورة الحرب التي تعمل لدى رويترز إلى جانب صديقها الصحفي جويل - واجنر مورا صاحب الشخصية الجذابة -. إنهم في نيويورك عندما تقابلا، وهما يتجولان وسط حشد من الناس ينتظرون بفارغ الصبر حصص المياه بجوار ناقلة محمية. إنه مشهد محفوف بالمخاطر. يتجه الحشد المضطرب إلى حالة من الذعر الغوغائي، ولي، والكاميرا في يدها، في حالة تأهب قصوى. أثناء قيام كاميرا جارلاند وجويل سكيتر بالتجول، تشق “لي” طريقا عبر الفوضى، كما لو كانت تعرف بالضبط المكان الذي يجب أن تكون فيه - وبعد ذلك تنفجر قنبلة. بحلول الوقت الذي يحدث فيه ذلك، تكون المصورة الصحفية الطموحة جيسي “كايلي سبايني” ضمن المجموعة أيضا.

تتشكل القصة المبسطة والحميمة بمجرد أن يتجمع لي وجويل وجيسي والمراسل المخضرم سامي “ستيفن ماكينلي هندرسون” في شاحنة ويتوجهون إلى واشنطن. يأمل جويل ولي إجراء مقابلة مع الرئيس (نيك أوفرمان)، ويرافقهما سامي وجيسي، حتى يتمكن جارلاند من جعل الرحلة أكثر إثارة للاهتمام. يعمل سامي كقوة استقرار، يملأ هندرسون الشاحنة بدفء إنساني، بينما تلعب جيسي دور المبتدئة الشغوفة التي تأخذها لي تحت جناحها المستاء. إنها عينة متوازنة ومرتبة حيث يتحول الممثلون، بمزاح جارلاند وعبر بعض أوقات التوقف المريحة، إلى شخصيات من لحم ودم، أشخاص يغذي ضعفهم التوتر المتصاعد مع كل ميل.

مع مرور الأميال والساعات، يضيف جارلاند عمليات تحويل وعقبات، بما في ذلك زوج من الزملاء المرحين، توني وبوهاي، وبعض الرجال المخيفين الذين يحرسون محطة وقود. يستغل جارلاند بذكاء الفراغ المتوتر للأرض، ويحول الغرباء إلى تهديدات محتملة والطرق الريفية الجميلة إلى طرق جانبية غامضة بشكل مشؤوم. وبذكاء، يركز أيضا بشكل متكرر على وجه لي، وهو قناع قوي ومفجع يتركه دونست ينزلق ببراعة. مع استمرار الرحلة، يرسم جارلاند المزيد من الرسومات للصورة الأكبر – الدولار الأمريكي لا قيمة له تقريبا. 

على الرغم من بعض فترات الهدوء التي تشتد الحاجة إليها، بالنسبة للمشاهد وإيقاع السرد، فإن “الحرب الأهلية” وحشية بلا هوادة أو على الأقل تبدو كذلك. العديد من أفلام الإثارة المعاصرة هي أكثر بشاعة بشكل علني من هذا الفيلم، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن العنف هو إحدى الطرق التي يمكن للمخرجين _عديمي الخيال_ أن يضعوا لمسة مميزة على مادة قابلة للتبديل: الإشارة إلى نوافير رذاذ الدم الشرياني، جزء مما يجعل المذبحة هنا تبدو متواصلة وواقعية بشكل واضح هو أن جارلاند، صاحب الأسلوب البصري البسيط بشكل عام، لا يزين العنف. وبدلا من ذلك، يكون العنف مباشرا صارخا.

لا توجد لغة مريحة في فيلم “الحرب الأهلية”، ولا يتحدث الفيلم عن أفضل جوانب طبيعتنا كما تحاول الغالبية الساحقة من الأفلام أن تفعل. إن الضرورة الأمريكية العميقة التي تفرضها هوليوود على النهايات السعيدة تحافظ على قبضة حديدية على الأفلام، حتى في الإنتاجات المستقلة ظاهريا. لا يوجد مثل هذا الاحتمال في “الحرب الأهلية”. الفرضية الأساسية لفيلم جارلاند تعني أنه - بغض النظر عما يحدث عندما تصل الصحفية لي والبقية إلى واشنطن، فإن النهاية السعيدة مستحيلة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة.

نادرا ما شاهدت فيلما جعلني أشعر بعدم الارتياح إلى هذا الحد، أو رأيت وجه ممثل يعبر، مثل وجه دونست، عن مرض روح أمة مهزومة بشكل أكثر وضوحا.

اقرأ  أيضا : الشركة المنتجة لـ«حرب أهلية» تطالب سارة التونسي بتعويض عشرة مليون جنيه 


 

;