إنها مصر

الإرهاب والأمن القومى العربى

كرم جبر
كرم جبر

ظهور الجماعات الإرهابية كان الضربة القاصمة للأمن القومى العربى، فقد تعوَّد العرب أن تكون القضية الفلسطينية فى صدارة اهتماماتهم، ولكن بعد ظهور الإرهاب، أصبحت كل دولة مشغولة بالجماعات المسلحة أكثر من التهديدات الإسرائيلية.
وأصبح تنامى الجماعات الإرهابية المسلحة أكثر خطورة من إسرائيل نفسها، خصوصاً بعد اشتعال الحروب الدينية فى عدد من الدول العربية، وإفساح المجال للجماعات الدينية لاقتناص منابر سياسية والوثوب إلى مقاعد السلطة.
وفى ظل الإرهاب تراجعت التهديدات الخارجية للأمن القومى العربى فى عديد من البلدان العربية وأصبح الخطر من داخل الدول نفسها، وفى التنظيمات الدينية التى ألحقت بدولها وشعوبها خسائر فادحة أكثر من الغزو الخارجى.
كانت إسرائيل هى العدو الأول، والآن أصبح الأعداء كثيرين من داخل البلدان نفسها ومن خارجها، وتاه المفهوم بشدة بعد مجىء ما يسمى الربيع العربي، ووقعت المنطقة فى أتون الحروب والأطماع الإقليمية والدولية، وامتدت "منظومة التدمير" تبحث فى كل دولة عن عوامل قوتها، فتضربها فى مقتل.
إسرائيل لم تعد الخطر الأكبر للأمن القومى العربى، ولا تهدد كثيرا من الدول العربية التى كانت تعاديها فى الماضي، رغم الحرب المجنونة فى غزة ورفضها حل القضية الفلسطينية التى كانت توحد العرب تحت رايتها.
والضربة الأخرى فى جسد الأمن القومى العربى حسب دراسة قامت بها جامعة الدول العربية عام 1990، كانت مغامرة صدام حسين باحتلال الكويت، ولم يعد الرئيس العراقى حارساً للبوابة الشرقية ضد الخطر الإيرانى، لكنه أصبح العدو الأول للدول الخليجية، ولم "ينزاح" بعض الخطر إلا بعد تحرير الكويت.
كل الجراح التاريخية تندمل بمرور الوقت إلا غزو العراق للكويت الذى تتسع آثاره، ولا تزال شديدة التأثير والمفعول، ولم يعد الشرق شرقاً، واتسعت هوة الخلافات العربية بين مؤيد ومعارض لما حدث.
واتسعت التهديدات بجانب الإرهاب وجرائمه، لتشمل النووى الإيرانى والحروب الأهلية، والتدخلات الأجنبية المباشرة بصورة لم تحدث إلا فى عصور الاحتلال الأجنبي، بجانب تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية، والنزاع على المياه وغيرها.
إزاء اتساع رقعة التهديدات المباشرة أصبحت المخاطر التى تهدد الأمن القومى العربى تختلف من دولة إلى أخرى، وتباينت المعايير وتعددت الرؤى.
انفتحت التهديدات على الأمن القومى العربى من جميع الاتجاهات، بالأطماع الداخلية وبتدخلات أجنبية، وباندلاع الفتن الدينية والأطماع الشخصية، وإذا أرادت أى دولة أن تحدد مفهوم الأمن القومى فعليها أن تدرس أوضاعها الداخلية وحالة جيرانها والمحيطين بها.
مصر - كنموذج - اتخذت الإجراءات الكافية لحماية مصالحها الداخلية والخارجية من أى تهديد، وأهمها تطوير وتحديث جيشها الوطني، ليكون قادراً على مواجهة التحديات بشكل كبير، وتخليص سيناء من الإرهاب وإدراجها ضمن المشروعات الكبرى للتنمية.