الركود يضرب حلقة السمك.. كيف أثرت حملات المقاطعة على الأسعار؟

حلقة السمك
حلقة السمك

ضرب الركود حلقة السمك في محافظة السويس، بسبب قلة المعروض مع قرب انتهاء موسم الصيد، وتزامن مع ذلك استجابة المواطنين لحملة المقاطعة والامتناع عن شراء الأسماك.

زيادة غير مبررة

زيادة أسعار الأسماك في النصف الثاني من شهر أبريل أمر معتاد في السويس، لكن الزيادة هذه المرة تخطت 50% مما كانت عليه طوال الموسم، لذلك لاقت حملة المقاطعة استجابة، إذ رفض المواطنين التسليم بأن السبب وراء ذلك قلة الإنتاج السمكي من حصيلة الصيد، وقلة المعروض وارتفاع السعر طبقا لقانون العرض والطلب.

رضوخا للمقاطعة لجأ أصحاب بعض المحال داخل وخارج حلقة السمك إلى خفض سعر عدد قليل من الأنواع الشعبية بنسبة %10 إلى 15 %، مثل الشخرم والسردين، والباغة والكسكمري، إلا أن ذلك لم يؤثر في حركة بيع السلعة الأسرع تلفا والتي تتأثر بعملية التجميد والتفريز.

وواصل المواطنين المقاطعة لاسيما وأن نصف الأسماك المعروضة والتي حظيت بنسبة خفض في اسعارها، ليست طازجة وإنما بفحص بسيط أو بنظرة "أكيل سمك" إلى عينها يمكن معرفة أن تلك الاسماك كانت مخزنة ومجمدة حين كانت متوفرة وسعرها أقل مما تباع به الآن بعد المقاطعة.

اقرأ أيضا| أسعار الأسماك في سوق العبور اليوم الخميس 25 أبريل

وقف رسمي وغير رسمي

وفقا لقرار جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية يتوقف صيد الأسماك بخليج السويس في 15 مايو المُقبل، ويستمر وقف الصيد حتى 15 سبتمبر، ورغم ذلك إلا ان بعض أصحاب المراكب قرروا إيقاف سروحها وربطها على الرصيف بميناء الأتكة حتى لا يقعوا بين قلة الأسماك وتكاليف رحلة الصيد.

تكاليف الرحلة

يقول محمود بدير وكيل مراكب صيد، إن رحلة مركب الصيد العاملة بحرفة الجر تستغرق 12 يوم، تستهلك في تلك الرحلة 60 برميل من السولار بمعدل 5 براميل يوميا، تكلفة الواحد منها 2000 جنيها، بإجمالي 120 ألف جنيه.

بجانب 30 ألف تكلفة زيت المحرك بقوة 425 حصان ومتوسط من 15 إلى 20 ألف جنيه "زاده وزواده" وهي الطعام لطاقم المركب المكون من 15 صياد وبحري خلال شهر، و7 آلاف ثلج للتبريد فالمراكب لا تحتوي على ثلاجات تعمل بالفريزن وانما غرف معزولة الحرارة، مع حساب المستهلكات من المعدات في كل رحلة من الشباك والوايرات والاعطال المفاجئة في الونش والمحرك واعمال الصيانة وتكلفتها تصل 20 الف شهريا.

عائد قليل

واستكمل وكيل مراكب الصيد، تبحر المركب وتعود بعد 12 يوم محملة بعدد أقل من 80 طاولة سمك في نهاية الموسم، بينها طاولة واحدة جمبري هي حصيلة 12 يوما، في حالة أفضل كانت الأسماك في افضل جودة ومن الأنواع الفاخرة المطلوبة لا تتخطي حصيلة البيع 220 ألف جنيه عن الرحلة.

يضيف بدير، بعد حساب نفقات الرحلة يتبقى نحو 50 ألف نصفها لصاحب المركب ونصفها للبحارة، وهو مبلغ قليل إذا ما وزع على 15 فرد. نظير عمل 12 يوم في عمل محفوف بالمخاطر.

البحر فاضي

مع قلة حصيلة الصيد وندرة أصناف مثل الجمبري الأعلى سعرا، يحاول أصحاب المراكب تعويض خسارتهم توفير مبلغ يفي بجهد وعرق الصيادين، يجري بيع السمك في ميناء الآتكة بالمزاد، يزداد الطلب عليه ويرتفع السعر، فيحصل عليه التجار بسعر مرتفع أما من لا يمك ثمنه فلا يشتري ولا يعرض بضاعة ولا يبيع، لذلك هناك محلات مغلقة امتنع أصحابها عن شراء الأسماك.

تفريخ الأمهات

في جولة داخل الحلقة، التقينا محمد زغلول تاجر أسماك بالحلقة، يقول إن الوضع في السويس يختلف عن بورسعيد، في خليج السويس يحدث وقف زمني ممتد من منتصف مايو إلى سبتمبر، حفاظا على البيئة البحرية وتفريخ الأسماك، وقبل الوقف يقل الإنتاج، حيث تفضل أمهات الأسماك الحاملة للبيض الأماكن الهادئة في الشٌعب والجزر ولا تصل إليها الشباك بسهولة، كما ان السويس تعتمد على سمك البحر الطازج بصفة أساسية وليس المزارع.

وتابع زغلول، أما البحر في وبورسعيد مفتوح طوال العام يتوقف فقط مع الأنواء، واضطراب حركة البحر، كما أن أهالي المحافظة يعتمدون أكثر على أسماك المزارع وأبزرها الشبار الأخضر، ولديهم أيضا أصناف أخرى من اللوت والدوباره والبوري وهو انتاج متميز في المزارع متوفر طوال العام ومعروف وقت وزمن دورة الإنتاج بكل مزرعة، بعكس الأسماك في خليج السويس تتأثر بالطقس البارد، وتقل قبل فترة الوقف للبحث عن أماكن لتفريخ البيض.

أما تاجر الأسماك حمادة عزو فيقول إن المحرك الرئيس لسعر الأسماك في السويس هو العرض والطلب، وضرب مثال بسمكة " الخنزيرة" والتي كانت تباع قبل شهرين بسعر يترواح بين 30 و50 جنيها للكيلو، بسبب وفرة تلك السمكة وعودة المراكب بكميات تصل إلى 600 طاولة بكل مركب، بينما في الوقت الحالي قليلا ما تخرج في الشباك لذلك وصل سعرها 110 جنيه للكيلو من أرض الميناء.

ويؤكد محمود غريب تاجر اسماك، ان الركود في الحلقة لا علاقة له بالمقاطعة وانما بسبب قلة السمك وعجز اغلب التجار عن الشراء بتلك الأسعار، ولا يمكن لوم أصحاب ووكلاء المراكب لان حصيلة الصيد قليلة وهو مطالب بتغطية نفقات رحلة الصيد، لذلك لجأ بعض أصحاب المراكب إلى التوقف عن الصيد وربط المركب.

الصيد المخالف

تقول الدكتورة سحر مهنا أستاذ ورئيس قسم بيولوجيا المصايد بمعهد علوم البحار بخليجي السويس والعقبة، إن هناك عدة أسباب لنقص المخزون السمكي وصعوبة الحصول على الأسماك مع نهاية موسم الصيد، أهمها هو الصيد المخالف خلال فترة الوقف، تلك الفترة المخصصة للراحة البيولوجية وتفريخ الأسماك لتضع كل سمكة ام آلاف الصغار من الزريعة، لكن الصيادين المخالفين يجمعونها خلال موسم الصيف، دون مراعاة لحق الأجيال القادمة في ذلك الخير.

وتضيف أن الصيد الجائر خلال فترة الوقف واستخدام شباك بفتحات صيد ضيقة، يساهم في حصد أمهات الأسماك، ثم تعرض في الأسواق حاملة البيض أو ما يعرفه التجار والمواطنين " البطارخ"، وهي مرغوبة وعليها طلب وسعرها مرتفع لكن لا يدري من يأكلها أنه يتناول آلاف الأسماك في الوجبة الواحدة، وليس سمكة أو اثنين كما يظن.