أدوات صناعة الفوضى

إيهـاب فتحى
إيهـاب فتحى

‭..‬مابين‭ ‬الهجوم‭ (‬السعيد‭) ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يسفر‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬خسائر‭ ‬وشنته‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬والهجوم‭ (‬الخفى‭) ‬الذى‭ ‬شنته‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬ولم‭ ‬تتبناه‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬ونفته‭ ‬طهران‭ ‬تستمر‭ ‬أجزاء‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬الإسرائيلى‭ / ‬الإيرانى‭ ‬بأجزائه‭ ‬المتعددة‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬برعاية‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭.‬

بالتأكيد‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬لا‭ ‬يحرك‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬أو‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬المليئ‭ ‬‭"‬بالأكشن‭" ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إثارة‭ ‬شغف‭ ‬شعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬المنكوبة‭ ‬بهذا‭ ‬الثلاثى‭ ‬وأغراضه‭ ‬التوسعية‭ ‬والاستعمارية،‭ ‬تحكم‭ ‬لغة‭ ‬المصالح‭ ‬واختيار‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بأداء‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬حركة‭ ‬واشنطن‭ ‬وهى‭ ‬تدير‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬أو‭ ‬تخرج‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭.‬

عندما‭ ‬تنظر‭ ‬أولا‭ ‬للمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬نجد‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬الاضطرابات‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أو‭ ‬بلغة‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ "‬تسخين‭ ‬المنطقة‭ " ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عائقًا‭ ‬أمام‭ ‬تحقق‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬و‭ "‬التسخين‭" ‬تعتبر‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسى‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتجددة‭.‬

تتفنن‭ ‬واشنطن‭ ‬وإداراتها‭ ‬المختلفة‭ ‬سواء‭ ‬جمهورية‭ ‬أو‭ ‬ديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬تحريك‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬وتسخير‭ ‬من‭ ‬ينفذها‭ ‬سواء‭ ‬مايحدث‭ ‬الآن‭ ‬أو‭ ‬سابقًا‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بالحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬طوعت‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬كمصطلح‭ ‬وأفعال‭ ‬والقائمين‭ ‬به‭ ‬ليحقق‭ ‬التسخين‭ ‬المطلوب‭ ‬الخادم‭ ‬للمصالح‭ ‬الأمريكية‭.‬

تفتح‭ ‬أبواب‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وقت‭ ‬إدارة‭ ‬ريجان‭ "‬للمجاهدين‭ " ‬الأفغان‭ ‬وتشحن‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬وقاعدته‭ ‬بالتعاون‭ ‬بين‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والفاشيست‭ ‬الإخوان‭ ‬أساس‭ ‬الإرهاب‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هزيمة‭ ‬السوفيت‭  ‬فى‭ ‬أفغانستان،‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ /‬9‭ ‬يتحول‭ "‬المجاهدين‭" ‬وقاعدتهم‭ ‬إلى‭ ‬أعداء‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬مايسمى‭ ‬بالحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬كانت‭ ‬غطاء‭ ‬لأمر‭ ‬آخر‭ ‬فالغزو‭ ‬الأمريكى‭ ‬لأفغانستان‭ ‬كان‭ ‬سببه‭ ‬الأول‭ ‬محاولة‭ ‬وقف‭ ‬التمدد‭ ‬الصينى‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭. ‬

أحيت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬مصطلحات‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ " ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭"  ‬الذى‭ ‬نحته‭ ‬المستشرق‭ ‬برنارد‭ ‬لويس‭ ‬وتسلمته‭ ‬منه‭ ‬مستشارة‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬الأمريكى‭ ‬كوندليزا‭ ‬رايس‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬بالتأكيد‭ ‬موجهة‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وسط‭ ‬حملة‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬حول‭ ‬تعاون‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الحماقات‭ ‬التى‭ ‬ارتكبها‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتعاون‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬ولم‭ ‬يمتلك‭ ‬أسلحة‭ ‬كيماوية‭ ‬تبرر‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭.‬

مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنها‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكية‭ ‬ثابتة‭ ‬فإدارة‭ ‬المعولمين‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ / ‬هيلارى‭ ‬تمسكت‭ ‬بنفس‭ ‬الرؤية‭ ‬الفوضوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رسم‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مهدت‭ ‬لها‭ ‬إدارة‭ ‬بوش‭ ‬الطريق‭ ‬ولكن‭ ‬إدارة‭ ‬المعولمين‭ ‬اتجهت‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسى‭ ‬للإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬لصناعة‭ ‬تحالف‭ ‬غرضه‭ ‬الأول‭ ‬إنتاج‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬فكان‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربى‭.‬

أدت‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬أنتجها‭ ‬تحالف‭ ‬الشر‭ ‬إلى‭ ‬تمزق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تعانى‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬فى‭ ‬تكوينها‭ ‬نتيجة‭ ‬لظروف‭ ‬تاريخية‭ ‬واجتماعية‭ ‬متراكمة،‭ ‬ولم‭ ‬تتصد‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬العاتية‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬إلا‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وهى‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬التى‭ ‬نواة‭ ‬الدولة‭ ‬فيها‭ ‬نواة‭ ‬صخرية‭ ‬راسخة‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬بلورت‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬وقدمته‭ ‬للبشرية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬التصدى‭ ‬سهلا‭ ‬أو‭ ‬هينًا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬وراؤه‭ ‬العنفوان‭ ‬الثورى‭ ‬لثورة‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭.‬

عند‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬خرائط‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬تصنعها‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يجب‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬أمرين‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬لا‭ ‬يخطط‭ ‬لها‭ ‬ثم‭ ‬تطبق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفوضى‭ ‬ذاتها‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬دائمًا‭ ‬ماتخفى‭ ‬وراءها‭ ‬أهدافًا‭ ‬استعمارية‭ ‬وتوسعية‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولن‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬إلا‭ ‬بتغيير‭ ‬الخرائط‭ ‬القديمة‭ ‬حتى‭ ‬لوكان‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ملايين‭ ‬الضحايا‭ ‬وتدمير‭ ‬مقدرات‭ ‬الشعوب،‭ ‬ورثت‭ ‬واشنطن‭ ‬هذا‭ ‬الاسلوب‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭  ‬البريطانية‭ ‬التى‭ ‬تلقت‭ ‬فيها‭ ‬واشنطن‭ ‬دروسها‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬كيفية‭ ‬صناعة‭ ‬فوضى‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬صناعة‭ ‬ورسم‭ ‬خرائط‭ ‬جديدة‭.‬

الأمر‭ ‬الثانى‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬قدرات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬التخطيط‭ ‬وتطبيق‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬الفوضوية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬ينفذ‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬أو‭ ‬وكلاء‭ ‬لها‭ ‬سواء‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية‭ ‬عريقة‭ ‬فى‭ ‬إجرامها‭ ‬مثل‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬التى‭ ‬تحالفت‭ ‬معها‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الفوضى‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬البروباجندا‭ ‬الأمريكية‭ ‬الربيع‭ ‬العربى‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬تستخدم‭ ‬واشنطن‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬الأدوار‭ ‬التى‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الطبيعى‭ ‬أن‭ ‬ترفض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تصنيف‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬كجماعة‭ ‬إرهابية‭ ‬فكيف‭ ‬تصنف‭ ‬أحد‭ ‬أدواتها‭ ‬بالإرهاب؟

نأتى‭ ‬للمرحلة‭ ‬الحاضرة‭ ‬والتى‭ ‬تحرك‭ ‬الفوضى‭ ‬فيها‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬معولمة‭ ‬هى‭ ‬امتداد‭ ‬لسياسات‭ ‬الثنائى‭ ‬أوباما‭ / ‬هيلارى‭ ‬لكن‭ ‬دور‭ ‬التنظيمات‭ ‬ذات‭ ‬الجذر‭ ‬الإخوانى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬قنبلة‭ ‬الفوضى‭ ‬أما‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬فتتولاه‭ ‬الكيانات‭ ‬التنظيمية‭ ‬المتخفية‭ ‬وراء‭ ‬مظهر‭ ‬الدولة‭ ‬أى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بطلى‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬الذى‭ ‬نتابع‭ ‬أحداثه‭ ‬منذ‭ ‬أسابيع‭ ‬والذى‭ ‬حول‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬فيها‭ ‬ومايراد‭ ‬لها‭.‬

تعمل‭  ‬البروباجندا‭  ‬هنا‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬فى‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬أدوار‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬المتخفية‭ ‬وراء‭ ‬مظهر‭ ‬الدولة‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬تشكيلها‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬العدو‭ ‬كالحالة‭ ‬الإيرانية‭ ‬أو‭ ‬وضعها‭ ‬بخانة‭ ‬الحليف‭ "‬الديمقراطى‭" ‬المضطهد‭ ‬وهنا‭ ‬ننتقل‭ ‬إلى‭ ‬الحالة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

فى‭ ‬الحالة‭ ‬الإيرانية‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭ ‬تخلى‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬منذ‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬فى‭ ‬فبراير‭ ‬1979‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬يتشابه‭ ‬فى‭ ‬تكوينه‭ ‬مع‭ ‬التنظيم‭ ‬الفاشى‭ ‬الإخوانى‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬المرشد‭ ‬العام‭ ‬يوجد‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬الذى‭ ‬تعلو‭ ‬سلطاته‭ ‬كل‭ ‬السلطات‭ ‬الطبيعية‭ ‬وفق‭ ‬مرجعية‭ ‬دينية‭ ‬غامضة،‭ ‬بل‭ ‬سعى‭ ‬النظام‭  ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة‭ ‬فأحل‭ ‬ميليشيات‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالحرس‭ ‬الثورى‭ ‬مكان‭ ‬الجيش‭ ‬الذى‭ ‬أصبح‭ ‬وجوده‭ ‬شكليًا‭ ‬لتصبح‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيا‭ ‬هى‭ ‬الجناح‭ ‬العسكرى‭ ‬للتنظيم‭ ‬ومنذ‭ ‬العام‭ ‬79‭  ‬تآكلت‭ ‬كل‭ ‬اساسات‭ ‬الدولة‭ ‬لتخدم‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬الكيان‭ ‬التنظيمى‭ ‬الذى‭ ‬يخدم‭ ‬أغراضًا‭ ‬بعيدة‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬الذى‭ ‬يحكمه‭ ‬ووضوح‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬تعاملاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭.‬

أما‭ ‬صورة‭ ‬العدو‭ ‬الإيرانى‭ ‬الذى‭ ‬شكلته‭ ‬البروباجندا‭ ‬والمعادى‭ ‬للمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬فعلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬يقدم‭ ‬التنظيم‭ ‬الإيرانى‭ ‬خدمات‭ ‬مستمرة‭ ‬لخدمة‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬ولايشترط‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخادم‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬الحليف‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تكون‭ ‬صورة‭ ‬العدو‭ ‬البلطجى‭ ‬أكثر‭ ‬نفعًا،‭ ‬فهذا‭ ‬البلطجى‭ ‬بما‭ ‬يثيره‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬واضطرابات‭ ‬مستمرة‭ ‬يعطى‭ ‬دائما‭ ‬الحق‭ ‬للحليف‭ ‬الأكبر‭ ‬مبررًا‭ ‬دائمًا‭ ‬للتدخل‭ ‬فى‭ ‬شئون‭ ‬المنطقة‭.‬

تتكسر‭ ‬صورة‭ ‬العداء‭ ‬تلك‭ ‬عند‭ ‬متابعة‭ ‬تفاصيل‭ ‬التعاون‭ ‬الخفى‭ ‬بين‭ ‬التنظيم‭ ‬الإيرانى‭ ‬والامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬واشنطن‭ ‬تتجاوز‭ ‬عن‭ ‬بلطجة‭ ‬التنظيم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬احتل‭ ‬سفارتها‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬صورة‭ ‬البلطجى‭ ‬المخيف‭ ‬الذى‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬السرية‭ ‬فلا‭ ‬مانع‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الذى‭ ‬احتل‭ ‬السفارة‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬يشارك‭ ‬حليفيه‭ ‬الأمريكى‭ ‬والإسرائيلى‭ ‬فى‭ ‬فضيحة‭ ‬كونترا‭ ‬جيت‭.‬

عندما‭ ‬تطلق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬وقبل‭ ‬غزو‭ ‬أفغانستان‭ ‬تشهد‭ ‬سويسرا‭ ‬اجتماع‭ ‬طرفيه‭ ‬المخابرات‭ ‬والعسكريين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والإيرانيين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استخدام‭ ‬نفوذ‭ ‬طهران‭ ‬مع‭ ‬شيعة‭ ‬أفغانستان‭ ‬أو‭ ‬الهزارة‭ ‬لمساعدة‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وأيضا‭ ‬لتأمين‭ ‬خط‭ ‬إمداد‭ ‬للقوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬عبر‭ ‬الأراضى‭ ‬الإيرانية‭ ‬وحدودها‭ ‬مع‭ ‬أفغانستان‭ ‬لذلك‭ ‬تكون‭ ‬أول‭  ‬طائرة‭ ‬عسكرية‭ ‬غير‭ ‬أمريكية‭ ‬تهبط‭ ‬فى‭ ‬قاعدة‭ ‬بجرام‭ ‬الأفغانية‭ ‬هى‭ ‬طائرة‭ ‬إيرانية‭ ‬عليها‭ ‬عناصر‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬ومخابراته‭ ‬التى‭ ‬ستتولى‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الأراضى‭ ‬الأفغانية‭.‬

بعد‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬أطلقت‭ ‬واشنطن‭ ‬يد‭ ‬حليفها‭ ‬البلطجى‭ ‬فى‭ ‬العراق‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬بغداد‭ ‬ليتشكل‭ ‬كيان‭ ‬تنظيمى‭ ‬مطابق‭ ‬للموجود‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬ولكن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬يكون‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبى‭ ‬وليس‭ ‬العراق‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬عربية‭ ‬دخلها‭ ‬التنظيم‭ ‬الإيرانى‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تدمير‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬وإطلاق‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬تخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭.‬

عند‭ ‬الحالة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬يكون‭ ‬التصور‭ ‬مختلفًا،‭ ‬فالكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬المتخفى‭ ‬وراء‭ ‬شكل‭ ‬الدولة‭ ‬يفتقد‭ ‬أولى‭ ‬أبجديات‭ ‬الدولة‭ ‬وهى‭ ‬الحدود‭ ‬فهو‭ ‬كيان‭ ‬هلامى‭ ‬حدوده‭ ‬فقط‭ ‬خدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولا‭ ‬يختلف‭ ‬وضع‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬فى‭ ‬أدبيات‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الكيانات‭ ‬الصليبية‭ ‬مثل‭ ‬إمارة‭ ‬الرها‭ ‬وأنطاكية‭ ‬التى‭ ‬زرعتها‭ ‬جيوش‭ ‬أوروبا‭ ‬فترة‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬فى‭ ‬الأراضى‭ ‬العربية‭ ‬وكانت‭ ‬دائما‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬المدد‭ ‬الأوروبى‭ ‬وذات‭ ‬وجود‭ ‬قلق‭ ‬لأنها‭ ‬كيانات‭ ‬تمثل‭ ‬احتلالا‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭.‬

‭ ‬مع‭ ‬الموجة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تحولت‭ ‬الكيانات‭ ‬الصليبية‭ ‬القلقة‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬شبه‭ ‬دائم‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإن‭ ‬ظل‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكامل‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬القادم‭ ‬عبر‭ ‬البحار‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬ثم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬،‭ ‬وكما‭ ‬الصلات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الحميمة‭ ‬والخفية‭ ‬مع‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬نجد‭ ‬نفس‭ ‬الخيوط‭ ‬ممتدة‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬ففى‭ ‬لحظة‭ ‬التأسيس‭ ‬ورفض‭ ‬يهود‭ ‬الشرق‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬تنطلق‭ ‬الجماعة‭ ‬الفاشية‭ ‬فى‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬ضد‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إجبارهم‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬التى‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬شعب‭.‬

ثم‭ ‬يكون‭ ‬التحالف‭ ‬بشكل‭ ‬سافر‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬حكم‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬لبيد‭ / ‬بينت‭ ‬ولكن‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الحالية‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬الفاشيست‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أولى‭ ‬بحكومتهم‭ ‬فاستعانت‭ ‬بمجرمين‭ ‬أمثال‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وسموتريش‭ ‬ليتولوا‭ ‬تبادل‭ ‬صناعة‭ ‬الفوضى‭ ‬مع‭ ‬الامتداد‭ ‬الإخوانى‭ ‬فى‭ ‬غزة‭.‬

هل‭ ‬تبدو‭ ‬الصلات‭ ‬بين‭ ‬الثلاثى‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬الإيرانى‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وبينهما‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭  ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬؟‭ ‬الإجابة‭ ‬تبدو‭ ‬واضحة‭ ‬عندما‭ ‬نزيل‭ ‬غشاوة‭ ‬البروباجندا‭ ‬ونضع‭ ‬هذا‭ ‬الثلاثى‭ ‬فى‭ ‬موضعه‭ ‬الصحيح‭  ‬فهذا‭ ‬الثلاثى‭ ‬يعمل‭ ‬بإخلاص‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والتوسعية‭ ‬للامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬حسب‭ ‬دوره‭ ‬المحدد‭ ‬ووسيلة‭ ‬استخدامه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الامبراطورية‭  ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فهذا‭ ‬الثلاثى‭ ‬هو‭ ‬أدوات‭ ‬واشنطن‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬وحاليًا‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬تحركها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باستخدام‭ ‬ثلاثيها‭ ‬المخلص‭ ‬هدفها‭ ‬الأول‭ ‬حصار‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الصينية‭ ‬الصاعدة‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬


 

;