..مابين الهجوم (السعيد) الذى لم يسفر عن أى خسائر وشنته إيران على إسرائيل قبل أسبوعين والهجوم (الخفى) الذى شنته إسرائيل على إيران ولم تتبناه تل أبيب ونفته طهران تستمر أجزاء الفيلم السياسى الإسرائيلى / الإيرانى بأجزائه المتعددة فى الشرق الأوسط برعاية المخرج الأمريكى.
بالتأكيد المخرج الأمريكى لا يحرك كل هذه الأحداث أو يقدم لنا هذا الفيلم السياسى المليئ "بالأكشن" من أجل إثارة شغف شعوب الشرق الأوسط المنكوبة بهذا الثلاثى وأغراضه التوسعية والاستعمارية، تحكم لغة المصالح واختيار من يقوم بأداء هذه المصالح حركة واشنطن وهى تدير هذه اللعبة أو تخرج هذا الفيلم السياسى.
عندما تنظر أولا للمصالح الأمريكية نجد دائمًا أن الاضطرابات فى الشرق الأوسط أو بلغة أجهزة الاستخبارات "تسخين المنطقة " لا تقف عائقًا أمام تحقق المصالح الأمريكية بل على العكس هذه الاضطرابات و "التسخين" تعتبر المحرك الرئيسى فى رسم خريطة المصالح الأمريكية المتجددة.
تتفنن واشنطن وإداراتها المختلفة سواء جمهورية أو ديمقراطية فى تحريك هذه الاضطرابات وتسخير من ينفذها سواء مايحدث الآن أو سابقًا مثل ما عرف بالحرب الأمريكية على الإرهاب والغريب أن واشنطن طوعت هذا الإرهاب كمصطلح وأفعال والقائمين به ليحقق التسخين المطلوب الخادم للمصالح الأمريكية.
تفتح أبواب البيت الأبيض وقت إدارة ريجان "للمجاهدين " الأفغان وتشحن الأسلحة إلى بن لادن وقاعدته بالتعاون بين المخابرات الأمريكية والفاشيست الإخوان أساس الإرهاب فى العالم من أجل هزيمة السوفيت فى أفغانستان، بعد أحداث 11 /9 يتحول "المجاهدين" وقاعدتهم إلى أعداء والحقيقة أن مايسمى بالحرب على الإرهاب كانت غطاء لأمر آخر فالغزو الأمريكى لأفغانستان كان سببه الأول محاولة وقف التمدد الصينى مع بداية الألفية.
أحيت هذه الحرب على الإرهاب مصطلحات من نوعية " الفوضى الخلاقة" الذى نحته المستشرق برنارد لويس وتسلمته منه مستشارة الأمن القومى الأمريكى كوندليزا رايس فى إدارة جورج بوش الابن، كانت هذه الفوضى بالتأكيد موجهة للشرق الأوسط مع بداية غزو العراق وسط حملة من الأكاذيب حول تعاون نظام صدام حسين مع تنظيم القاعدة ورغم كل الحماقات التى ارتكبها صدام حسين إلا أنه لم يتعاون مع هذا التنظيم ولم يمتلك أسلحة كيماوية تبرر غزو العراق.
مما يؤكد أنها سياسات أمريكية ثابتة فإدارة المعولمين إدارة أوباما / هيلارى تمسكت بنفس الرؤية الفوضوية من أجل رسم شرق أوسط جديد بعد أن مهدت لها إدارة بوش الطريق ولكن إدارة المعولمين اتجهت مباشرة إلى المصدر الرئيسى للإرهاب إلى الفاشية الإخوانية لصناعة تحالف غرضه الأول إنتاج المزيد والمزيد من الفوضى فكان ما يسمى بالربيع العربى.
أدت هذه الموجة الجديدة من موجات الفوضى التى أنتجها تحالف الشر إلى تمزق العديد من الدول التى كانت تعانى فى الأساس من هشاشة فى تكوينها نتيجة لظروف تاريخية واجتماعية متراكمة، ولم تتصد إلى هذه الموجة العاتية من الفوضى إلا أمة واحدة وهى الأمة المصرية التى نواة الدولة فيها نواة صخرية راسخة منذ آلاف السنين بل هى من بلورت مفهوم الدولة وقدمته للبشرية على مدار تاريخها، لم يكن هذا التصدى سهلا أو هينًا فقد كان وراؤه العنفوان الثورى لثورة الـ 30 من يونيو.
عند النظر إلى خرائط الفوضى التى تصنعها السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط يجب التوقف عند أمرين الأول أن هذه السياسات لا يخطط لها ثم تطبق من أجل الفوضى ذاتها بل هى دائمًا ماتخفى وراءها أهدافًا استعمارية وتوسعية تخدم مصالح الامبراطورية الأمريكية ولن تتحقق هذه الأهداف إلا بتغيير الخرائط القديمة حتى لوكان هذا على حساب ملايين الضحايا وتدمير مقدرات الشعوب، ورثت واشنطن هذا الاسلوب من المدرسة البريطانية التى تلقت فيها واشنطن دروسها الأولى فى كيفية صناعة فوضى ينتج عنها صناعة ورسم خرائط جديدة.
الأمر الثانى أنه مهما بلغت قدرات الولايات المتحدة فى التخطيط وتطبيق هذه السياسات الفوضوية إلا أنها تحتاج إلى من ينفذ هذه السياسات أو وكلاء لها سواء تنظيمات إرهابية عريقة فى إجرامها مثل الفاشية الإخوانية التى تحالفت معها فى المرحلة الثانية من صناعة الفوضى أو ما أطلقت عليه البروباجندا الأمريكية الربيع العربى ودائمًا ما تستخدم واشنطن هذا التنظيم وإن اختلفت الأدوار التى يقوم بها لذلك من الطبيعى أن ترفض الولايات المتحدة تصنيف الفاشية الإخوانية كجماعة إرهابية فكيف تصنف أحد أدواتها بالإرهاب؟
نأتى للمرحلة الحاضرة والتى تحرك الفوضى فيها إدارة أمريكية معولمة هى امتداد لسياسات الثنائى أوباما / هيلارى لكن دور التنظيمات ذات الجذر الإخوانى فى هذه المرحلة توقف عند إشعال فتيل قنبلة الفوضى أما الدور الأكبر فتتولاه الكيانات التنظيمية المتخفية وراء مظهر الدولة أى كل من إيران وإسرائيل بطلى الفيلم السياسى الذى نتابع أحداثه منذ أسابيع والذى حول الأنظار عن غزة وما يحدث فيها ومايراد لها.
تعمل البروباجندا هنا دورًا هامًا فى التغطية على أدوار هذه الكيانات المتخفية وراء مظهر الدولة سواء فى تشكيلها فى صورة العدو كالحالة الإيرانية أو وضعها بخانة الحليف "الديمقراطى" المضطهد وهنا ننتقل إلى الحالة الإسرائيلية.
فى الحالة الإيرانية نحن أمام نظام تخلى تمامًا عن مفهوم الدولة منذ وصوله إلى الحكم فى فبراير 1979 وتحول إلى تنظيم يتشابه فى تكوينه مع التنظيم الفاشى الإخوانى فبدلا من المرشد العام يوجد فى طهران المرشد الأعلى الذى تعلو سلطاته كل السلطات الطبيعية وفق مرجعية دينية غامضة، بل سعى النظام إلى تدمير مقومات الدولة فأحل ميليشيات ما يسمى بالحرس الثورى مكان الجيش الذى أصبح وجوده شكليًا لتصبح هذه الميليشيا هى الجناح العسكرى للتنظيم ومنذ العام 79 تآكلت كل اساسات الدولة لتخدم فى النهاية الكيان التنظيمى الذى يخدم أغراضًا بعيدة تمامًا عن مصلحة الشعب الذى يحكمه ووضوح الدولة فى تعاملاتها الداخلية والخارجية.
أما صورة العدو الإيرانى الذى شكلته البروباجندا والمعادى للمصالح الأمريكية فعلى أرض الواقع يقدم التنظيم الإيرانى خدمات مستمرة لخدمة هذه المصالح ولايشترط لتحقيق هذه المصالح أن يكون الخادم فى صورة الحليف بل فى كثير من الأحيان تكون صورة العدو البلطجى أكثر نفعًا، فهذا البلطجى بما يثيره من أزمات واضطرابات مستمرة يعطى دائما الحق للحليف الأكبر مبررًا دائمًا للتدخل فى شئون المنطقة.
تتكسر صورة العداء تلك عند متابعة تفاصيل التعاون الخفى بين التنظيم الإيرانى والامبراطورية الأمريكية بل ان واشنطن تتجاوز عن بلطجة التنظيم حتى لو احتل سفارتها فى طهران من أجل ترسيخ صورة البلطجى المخيف الذى يخدم المصالح السرية فلا مانع أن النظام الذى احتل السفارة فى طهران هو نفسه من يشارك حليفيه الأمريكى والإسرائيلى فى فضيحة كونترا جيت.
عندما تطلق الولايات المتحدة حربها على الإرهاب وقبل غزو أفغانستان تشهد سويسرا اجتماع طرفيه المخابرات والعسكريين الأمريكيين من جهة والإيرانيين من جهة أخرى من أجل استخدام نفوذ طهران مع شيعة أفغانستان أو الهزارة لمساعدة القوات الأمريكية، وأيضا لتأمين خط إمداد للقوات الأمريكية عبر الأراضى الإيرانية وحدودها مع أفغانستان لذلك تكون أول طائرة عسكرية غير أمريكية تهبط فى قاعدة بجرام الأفغانية هى طائرة إيرانية عليها عناصر الحرس الثورى ومخابراته التى ستتولى تنفيذ الاتفاق على الأراضى الأفغانية.
بعد غزو العراق أطلقت واشنطن يد حليفها البلطجى فى العراق للتخلص من مفهوم الدولة فى بغداد ليتشكل كيان تنظيمى مطابق للموجود فى طهران ولكن بدلا من الحرس الثورى يكون الحشد الشعبى وليس العراق فقط بل فى كل أرض عربية دخلها التنظيم الإيرانى حيث يتم تدمير مفهوم الدولة وإطلاق الفوضى التى تخدم المصالح الأمريكية.
عند الحالة الإسرائيلية يكون التصور مختلفًا، فالكيان الإسرائيلى المتخفى وراء شكل الدولة يفتقد أولى أبجديات الدولة وهى الحدود فهو كيان هلامى حدوده فقط خدمة المصالح الأمريكية ولا يختلف وضع الكيان الإسرائيلى فى أدبيات الاستعمار القديم والحديث عن وضع الكيانات الصليبية مثل إمارة الرها وأنطاكية التى زرعتها جيوش أوروبا فترة الحروب الصليبية فى الأراضى العربية وكانت دائما معتمدة على المدد الأوروبى وذات وجود قلق لأنها كيانات تمثل احتلالا حتى تم القضاء عليها.
مع الموجة الاستعمارية فى القرن العشرين تحولت الكيانات الصليبية القلقة إلى كيان شبه دائم مع تأسيس إسرائيل وإن ظل الاعتماد الكامل على الدعم القادم عبر البحار سواء من أوروبا ثم الولايات المتحدة ، وكما الصلات الإيرانية الحميمة والخفية مع الفاشية الإخوانية نجد نفس الخيوط ممتدة مع الكيان الإسرائيلى ففى لحظة التأسيس ورفض يهود الشرق الخروج من العالم العربى تنطلق الجماعة الفاشية فى عمليات إرهابية ضد اليهود من أجل إجبارهم على الذهاب إلى إسرائيل التى تبحث عن شعب.
ثم يكون التحالف بشكل سافر عندما وصلت الفاشية الإخوانية إلى المشاركة فى حكم تل أبيب مع حكومة لبيد / بينت ولكن حكومة نتنياهو الحالية رأت أن الفاشيست الإسرائيليين أولى بحكومتهم فاستعانت بمجرمين أمثال بن غفير وسموتريش ليتولوا تبادل صناعة الفوضى مع الامتداد الإخوانى فى غزة.
هل تبدو الصلات بين الثلاثى من التنظيم الإيرانى إلى الكيان الإسرائيلى وبينهما الفاشية الإخوانية غريبة أو غير متوقعة ؟ الإجابة تبدو واضحة عندما نزيل غشاوة البروباجندا ونضع هذا الثلاثى فى موضعه الصحيح فهذا الثلاثى يعمل بإخلاص فى خدمة المصالح الاستعمارية والتوسعية للامبراطورية الأمريكية كل منهم حسب دوره المحدد ووسيلة استخدامه من قبل الامبراطورية بمعنى آخر فهذا الثلاثى هو أدوات واشنطن فى صناعة الفوضى التى تخدم مصالحها وحاليًا الفوضى التى تحركها الولايات المتحدة باستخدام ثلاثيها المخلص هدفها الأول حصار الامبراطورية الصينية الصاعدة ليس على مستوى الشرق الأوسط فقط بل على مستوى العالم.