مأساة «حبيبة» تفتح ملف فوضى شركات النقـل الذكي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: علا نافع

جاءت وفاة فتاة الشروق حبيبة الشماع بعد غيبوبة استمرت ثلاثة أسابيع لتؤجج الغضب ضد شركات تطبيقات النقل الذكى وتثير تساؤلات حول مدى التزامها بمعايير الأمن والسلامة خاصة بعد أن أثبتت تحقيقات النيابة ارتكاب السائق المتهم واقعة التزوير بعد تلقى الشركة الكثير من الشكاوى بحقه، إذ أنشأ حسابا جديدا باستخدام رقم قومى آخر استطاع من خلاله إعادة استخدام التطبيق، وإحدى هذه الشكاوى لسيدة قررت أن المتهم تحرش بها جنسيا، فضلا عن تعاطيه المواد المخدرة وهو ما يوجه أصابع الاتهام لتلك الشركات حول تقصيرها وتهاونها مع الأرواح.

◄ الشركات تحمي زبائنها فى أوروبا بكاميرات وفواصل

◄ الاختبارات الطبية وتحاليل تعاطي المخدرات مهمة قبل تعيين السائقين

اللافت للانتباه أن الرد الرسمى لشركة النقل جاء مغايرا للحقيقة، حيث أكدت الشركة أنها تقوم بالكشف عن السائقين من خلال تقديم صحيفة الحالة الجنائية كأحد اشتراطات استخدام التطبيق، كذلك إجراء تحليل مخدرات لهم بشكل دورى وهو ما نفته واقعة حبيبة الشماع.

وصدر حكم مؤخراً من محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة السائق المتهم بمحاولة خطف حبيبة الشماع، بالسجن المشدد ١٥سنة وتغريمه ٥٠ ألف جنيه وإلغاء رخصة القيادة.
وفتحت هذه القضية باب التساؤلات حول طرق تزوير بعض السائقين تراخيص العمل والمتطلبات لانضمامهم للشركات من خلال مكاتب تعمل من الباطن أو حتى المعترف بها من قبل أوبر، وهذه المكاتب تسمح بفتح حسابات لكل السائقين دون أى تدقيق أمنى بشرط دفع مبلغ من المال، بخلاف بيع بعض السائقين لبياناتهم وعضويتهم بالشركة لآخــرين بعــــد التلاعــــــب فيها وهو ما يصعب كشفه من قبل مستخدمى الخدمة.

◄ شكاوى عديدة
لم تكن واقعة حبيبة الشماع الأولى من نوعها، حيث إن دفاتر الشرطة تزخر بالعديد من الوقـائع المماثلة والمحاضر عن جرائم سائقي شركات النقل الذكى، ففى فبراير 2023 أحال المحامي العام الأول لنيابات شمال الجـيزة سائقًا إلى الجنايات بعد اتهامه بهتك عرض فتاة تبلغ من العمر 31 عامًا، حيث كان المتهم يركب سيارته وهتك عرض المجنى عليها بأن ضربها بيده على منطقة حساسة بجسدها وذلك تحت كوبرى جامعة الدول العربية بدائرة قسم شرطة العجوزة، وحررت الفتاة محضرا ضد هذا السائق وتم إلقاء القبض عليه.

وفى أغسطس من نفس العام أحالت النيابة العامة السائق المتهم بهتك عرض فتاة تحمل جنسية أجنبية بالقوة فى منطقة القاهرة الجديدة إلى المحاكمة الجنائية، وأقر المتهم فى التحقيقات بأنه لامس مناطق العفة فى جسدها، وثبت بالاطلاع على المقاطع المرئية المقدمة من المجنى عليها تعدى المتهم عليها جنسيًا وإتيان تلك الأفعال كرهًا عنها، وأقر المتهم بأنه مرتكب تلك الواقعة.

ولا تقتصر حوادث شركات النقل الذكى على التحرش وهتك العرض، بل وصلت إلى السرقات بالإكراه، ففى فبراير 2020، تلقى قسم شرطة العجوزة، بلاغًا يفيد بقيام «م.س»، سائق بشركة، بسرقة 350 ألف جنيه من أحد ركابه، حيث نسى الراكب حقيبته فى السيارة فهاتف السائق لكن الأخير أنكر وجودها وبإعداد الأكمنة للمتهم، تمكن رجال المباحث من ضبطه واعترف بالاستيلاء على الأموال، وأمرت النيابة بحبسه وإحالته للمحاكمة الجنائية.

◄ اقرأ أيضًا | بعد واقعة فتاة الشروق .. فحص السجل الأمنى والنفسى لمن يقدمون الخدمة العامة

◄ شركات أوروبا
ولا تنتهى تناقضات الشركات عند هذا الحد، إذ تلتزم بضوابط الأمان الصارمة فى دول أوروبا وأمريكا مقارنة بإجراءاتها فى بعض الدول العربية كمصر التى تقتصر فقط فى بعض الأحيان على إجبار السائق على أخذ صورة شخصية سيلفى قبل استقبال الرحلة وهو ما يمكن تشويشها والتلاعب بها، بخلاف روتينية الخط الساخن وتأخره فى استقبال الشكاوى والرد عليها سواء كان تليفونيًا أو عبر التطبيق. 

أما فى بريطانيا فتلزم الشركة السائق بتركيب كاميرات داخل وخارج السيارة لتسجيل الأحداث وهو ما يُشعِر الراكب بالأمان، فضلًا عن وجود حواجز زجاجية آمنة بين السائقين والركاب ويحقق الأمان للطرفين. 

وفى الولايات المتحدة تتم متابعة معايير السلامة بشكل صارم، حيث تستخدم تقنيات أكثر تطورًا لمتابعة الرحلة مثل التعرف على الوجه وتحديد لوحات الترخيص، بخلاف الاختبارات الطبية والنفسية للسائقين للتأكد من سلامتهم وصلاحيتهم للعمل، والأهم تفعيل نظام زرار الاستغاثة وطلب الدعم فى الأبلكيشن وبالطبع فإنه بعد واقعة الشروق انتفض مجلس النواب والمنظمات الحقوقية مطالبين الشركة بتطبيق تلك الاشتراطات بمصر أسوة بالدول الأوربية.

◄ ربط تلقائى 
يقول الخبير الأمنى اللواء محمد كامل: لابُد من اتباع بعض الاحتياطات الأمنية خلال الرحلة فى سيارات النقل الذكى وبالطبع أهمها استخدام الألواح الزجاجية السميكة للفصل بين الراكب والسائق، ما يمنح كليهما الأمان والسلامة، وهذا معمول به فى الدول الأوروبية وحتى بعض الدول العربية، فضلًا عن  ضرورة وجود كاميرات فى السيارة وربطها بالمركز الرئيسى لشركة النقل الذكى، ما يسهم فى تفادى حدوث مثل هذه الجرائم، مشيرًا إلى أنه من المهم الكشف الدورى على السائقين من حيث تعاطى المخدرات والتأكد من خلو صحفهم الجنائية من قضايا سابقة.

ويضيف كامل: ربط شركات التوصيل بمديريات الأمن من خلال التطبيقات الإلكترونية أصبح ضرورة ملحة وذلك لمتابعة خط سير الرحلة والتعامل مع أى طارئ فضلًا عن ربط أنظمتها بأنطمة أجهزة الأمن للتأكد من الصحف الجنائية للسائقين، مؤكدًا أن ذلك يسهل من القبض على الخارجين عن القانون ومحاصرتهم بشكل شرعى.

◄ أمان وحماية
أما اللواء هانى عبد اللطيف المتحدث الأسبق لوزارة الداخلية، فيشير إلى أنه على كل فتاة وسيدة اتباع الاحتياطات الأمنية، من خلال إبلاغ أسرتها بكافة تفاصيل الرحلة من اسم السائق ورقم السيارة إضافة إلى التقاط صورة واضحة له كنوع من الأمان، وإذا لاحظت أفعالا تثير الريبة عليها التحدث مع النجدة مباشرة أو الرجوع للخط الساخن للشركة، مطالبا بضرورة تفعيل خدمة الطوارئ داخل التطبيق نفسه أو إضافة خدمة طلب الاستغاثة المباشرة لضمان التدخل السريع من الأمن.

◄ مسئولية قانونية
وعن المسئولية القانونية حول انتهاكات سائقى تلك الشركات يقول الخبير القانونى أحمد رافع: تتحمل الشركة المسئولية بحسب المادة 163 من القانون المدنى، حيث تنص على أن كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وتنص المادة 174 من القانون ذاته أن يكون المتبوع مسئولًا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعًا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، وهذا ما جعل محامى أسرة الفتاة الراحلة حبيبة الشماع يقاضى شركة النقل فى مقر الشركة الأم بالولايات المتحدة، مطالبًا بتعويض عن الأضرار التى لحقت بالضحية وعائلتها وإلزام الشركة بدفع التعويضات، مشيرًا إلى أنه فى الدول الأوروبية يشترط ضرورة وجود كاميرات داخل السيارة للاحتكام إليها فى حال مثل تلك الوقائع.

◄ طلب عاجل
من ناحية أخرى، تقدمت النائبة أمل سلامة بطلب إحاطة عاجل لرئيس الوزراء مصطفى مدبولى بضرورة تشديد الإجراءات والقواعد اللازمة لتشغيل السائقين فى شركات النقل الذكى، إذ أصبحت خطرة وانتشرت الحوادث المتعلقة بها، كما تقدمت النائبة ألفت المنزلاوى أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ببيان عاجل للمستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب موجه لوزير الاتصالات لفتح ملف الشركات وإخضاع السائقين لتحاليل المخدرات قبل تعيينهم.