إنها مصر

كتابة تاريخ ثورة ٣٠ يونيو

كرم جـبر
كرم جـبر

الفترة من 2011 حتى 30 يونيو ٢٠١٣ هى الأخطر فى تاريخ مصر، وكانت البلاد على شفا الانهيار والتفكك والحرب الأهلية، وكانت عملية الإنقاذ أشبه بالمعجزة.

والسؤال: من يكتب تاريخ هذه السنوات الحاسمة، دون الخضوع لميول شخصية أو انحياز يخرج بالحقائق عن سياقها، لتكون مرجعاً للتاريخ وللأجيال الجديدة والدارسين والباحثين، وللحفاظ على سلامة ذاكرة الأمة؟

السنوات الأخيرة بالذات تحتاج كتابة تاريخها بمنتهى الأمانة والمصداقية، لأنه حدث فيها ما يشبه «فرش متاع» بلغة العسكريين، وتعرضت ثوابت الدولة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية لاختبارات صعبة، استهدفت استبدال هويتها بمكونات أخرى، وكأن مصر دولة تبدأ «من أول السطر».

وما حدث فى هذه السنوات يختلف عن فترات سابقة، فقد تعرض تاريخ زعماء مصر للأهواء، من الملك فاروق ومحمد نجيب وجمال عبد الناصر والسادات ومبارك، ولكن كانت وجهات نظر وآراء جرى تسييسها وفقاً لميول من يتناولها ومواقفهم المؤيدة أو المعارضة.

ولكن فى حالة 25 يناير و30 يونيو وما تلاها فالأمر يختلف.

لم تكن كتابات هذه الفترة وجهات نظر سياسية فقط، وإنما محاولات البعض لاستبدال الدولة بدولة أخرى، واختزال شرعية «وطن» بشرعية «جماعة».. واختلطت الحقائق بالاكاذيب، ومن حق من يبحث عن الحقيقة أن يلجأ إلى مصادر محايدة، بعيداً عن الأهواء.

فالأمة التى تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها، والأحداث الجسام تجعل الشعوب أكثر وعياً، وأقدر على اتخاذ الخطوات المناسبة التى تمكن من الابتعاد عن خسائر كان يمكن تفاديها.

صحيح أن الحياد الكامل فى كتابة التاريخ مستحيل، ولكن الأمانة واجبة، بالبعد عن التشويه المتعمد لأحداث يومية كان كثير من الأحياء الآن شهودها ومتابعيها، والميل لكتابة الأحداث من زاوية واحدة أو فبركتها وإخفاء الجوانب السلبية أو الإيجابية تبعاً لميول من يكتبها، تؤدى إلى سقوط الحقائق فى براثن الأكاذيب.

وللهروب من نفق الأهواء والميول الشخصية هناك بعض الضوابط المفيدة للتفكير فى هذه المهمة:

أولاً: القيام بالتدوين الخبرى المجرد للأحداث يوماً بيوم وساعة بساعة دون تحليل أو آراء أو تفسيرات، لإضفاء المصداقية على سردها وقت حدوثها.

ثانياً: اعتماد المصادر الموثقة من الجهات الرسمية والسياسية كمرجعية مهمة، وإثبات أن ما ورد فيها من معلومات هو على مسئولية الجهات التى أصدرتها.

ثالثاً: الاهتمام بشهادات الشهود الذين عاصروا الأحداث، بشرط أن يكون الشاهد له دور فى الحدث، وليس مجرد متابع.

رابعاً: التجرد والموضوعية والمصداقية والحياد والشفافية فى تدوين الأحداث والشهادات والوثائق، وعدم التدخل  بالرأى أو التحليل أو التعقيب، وإنما يترك ذلك للتاريخ والباحثين عن الحقائق والمعلومات الصحيحة.

من حق المستقبل أن يكون على بينة من حقيقة الحدث الأكبر فى تاريخ البلاد، حتى تتجنب المخاطر والاستفادة من الأخطاء، بشرط «التأريخ الآمن» الذى يبعث الثقة والطمأنينة فى عرض أحوال تلك السنوات المصيرية.