د. آمال عثمان تكتب: استنساخ الحشاشين عبر التاريخ الإخوان وداعش والقاعدة صور طبق الأصل

كريم عبد العزيز من مسلسل الحشاشين
كريم عبد العزيز من مسلسل الحشاشين

العمل الفنى الهادف لابد أن يخلق جدلاً واسعاً لدى الجمهور، ويثير تساؤلاتٍ عديدة داخل عقل المتلقى، ويدفعه للبحث والتقصى والتفكير وإعمال العقل، وإذا كان دور الفن الاهتمام بقضايا المجتمع وتشكيل الوعى الجمعى وصقل المعرفة، فهذا لا يعنى أن يتحول العمل الفنى إلى محاضرة أو بحث علمى أو تحقيق صحفى، فالفن ليس محاكاة للواقع، وإنما هو خلق وإبداع، كما أن الفن ليس البحث عن الأشياء الجميلة لتصويرها، وإنما هو التصوير الجميل للأشياء مهما كان قبحها، فالجمال لا يُستمد من الواقع، بل من ذات الفنان وفكر المبدع.

لذلك رأينا عملاً فنياً بديعاً يتناول حقبة مظلمة من التاريخ الإسلامى، وتابعنا بشغف دراما تاريخية ممتعة ومبهرة، تروى قصة رجل داهية ماكر عاشق للدم، واستمتعنا بصورة فنية غاية فى الجمال والإبهار، تجسد صفحًات من حياة أقبح وأخطر جماعة سرية تدثرت برداء الدين، وأكثرها عنفاً ودموية، فرقة الحشاشين التى استباحت الدماء وتكفير العباد، وغرست بذرة شجرة التطرف والإرهاب والقتل باسم الدين، وصارت الأصل الذى اُستنسخت منه صور عديدة لفرق تكفيرية إرهابية، وجماعات وحركات جهادية دموية عبر التاريخ، اتخذت من فكرة شراء الجنة أساساً لعقيدة أتباعها، وأطلقت على العمليات الإرهابية مسمى الجهاد فى سبيل الله، واتخذت من مشروع الإمامة والخلافة أيديولوجيتها، ومن التجنيد والاستقطاب والبيعة فى الغرف المظلمة منهجاً، ومن السرية والولاء المطلق والسمع والطاعة دستوراً، ومن الاغتيالات والعمليات الانتحارية سلاحاً لمحاربة أعدائهم والمختلفين معهم.

وكما استطاع حسن الصباح شيخ الجبل وحامل مفتاح الجنة، ارتداء ثوب التقوى والزهد، وخداع أتباعه ومريديه بأفكارٍ مغلوطة وتفسيراتٍ خاطئة للقرآن، وعبارات وخطب جهادية معسولة، وإيهام الفدائيين ومنحهم مسوغاً مزيفاً للقتل والعمليات الانتحارية طمعاً فى الجنة، سار على ذات الدرب «حسن البنا»، و«أبو بكر البغدادي»، و»الملا عمر»، و«أسامة بن لادن»، وغيرهم من أصحاب الفكر الظلامى الملتحف بالدين، المهووسين بحلم الزعامة، والذين توهموا إنهم يملكون الحق المطلق، أولئك الذين عاشوا عبدةً لأحلامهم ومطامعهم وطموحاتهم، توهموا أنهم أصحاب معجزات، وأنهم قادرون على أن يكلموا الحجر والبشر، ولديهم صكوك الكفر والغفران، الموت والحياة، الحق والباطل، ومفاتيح أبواب الجنة والنار، ووظفوا الرؤى والأحلام والإيهام لأغراضهم وتوجهاتهم، تعزيزاً لصورة الداعية والإمام لدى أتباعهم، وطمعاً فى الحصول على جزء النبوة، وكأنهم يمتلكون إلهاماً أشبه بالوحى عند الأنبياء!!

اقرأ أيضاً | الكاتب عبد الرحيم كمال: قرأت أكثر من 50 كتابا قبل كتابة «الحشاشين»

ولا تقتصر الكتابة عن الحشاشين وزعيمهم على وجهة نظر واحدة أو محددة، وإنما تعددت المصادر التاريخية، وتباينت بصورة كبيرة وجهات النظر، والرؤى والتحليلات والمبررات بين كتابات السنة، وبين روايات وتحليلات الباحثين الإسماعيليين، منها: كتاب « فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية» تأليف «أبو حامد الغزالى» الملقب بحجة الإسلام، أول كتاب يظهر فيه بطلان عقائد الإسماعيلية الباطنية ووصفها بالضلال والفساد، وتلاعبهم بالنصوص والأحكام، ومنهجهم وألقابهم وحيلهم، والسبب الباعث لنشر دعوتهم المضلة، وتأويلاتهم لظاهر القرآن واستدلالهم بالأعداد والحروف، وفتوى الشرع فى حقهم من التكفير وسفك الدماء، ووصف حسن الصباح بالرجل الماكر المخادع، استغل حب وتفضيل شيخه عبد الملك بن عطاش، وتسلق إلى زعامة الإسماعيلية.

ويتطرق الباحث العراقى رشيد الخيُّون فى كتابه «لا إسلام بلا مذاهب»، إلى فكرة «شراء الجنة» مقابل التضحية بالنفس، وهى فكرة رددتها فرق إسلامية عدة، حيث إن «الترغيب فى الجنة» لعب دوراً أساسياً فى الجهاد والإقدام فى الغزوات، ولا تزال عقيدة شراء الجنة شائعة فى زمننا، أساس عقيدة المتطرفين، حيث إن الطمع فى «شراء الجنة» مقابل التضحية بالنفس، يضمن دخول الجنة عبر أسرع السبل، وهو طريق يختصر عقوداً من العبادة والزهد، وذكر أن اسم الحشاشين «تسمية مضطربة، وأن كتب التاريخ الإسلامى، ومنها تواريخ القرون الوسطى العربية، وكتب الملل والنحل، لا تفيد بشيء عن أصل تسمية الحشاشين، ولا المخدر المقصود أو علاقة قاطنى قلعة آلموت به»، ويقدم الخيون احتمالاً متعلقاً بكون الكلمة مشتقة من كلمة الحشاشة، بمعنى بقية الروح فى الجريح أو المريض، فربما لتمرسهم فى الاغتيال ارتبط اسمهم بالحشاشة حتى ذاع صيتهم بالحشاشين، أو نسبة إلى عملية حش الرقاب لكثرة القتل!!

أما المستشرق «ماركو بولو» فيقول عن فرقة الحشاشين: إنها استقرت فى قلعة آلموت، حيث أغلق «شيخ الجبل» واد بين جبلين، وحوله إلى حديقة فيحاء هى أكبر حديقة وأجملها، وحاكى فيهًا الجنة التى وصفها «سيدنا» محمد صلى الله عليه وسلم لأتباعه، فجعل فيها جداول تفيض خمراً ولبناً وعسلاً، وأقام على خدمة الحديقة فاتناتٍ من أجمل نساء العالم، يُجدن العزف على مختلف الآلات الموسيقية، ولا يسمح لأحد بدخول الحديقة إلا لهؤلاء الذين يُراد لهم أن يكونوا حشاشين، وذلك بعد أن يجعلهم يشربون مخدراً يسلمهم إلى نعاسٍ عميق، ثم يأمر برفعهم إلى هناك، وعندما يستيقظون، يجدون أنفسهم فى الجنة ببركة دعاء حسن الصباح، وعند عودته يصبح طوع أوامر هذا القائد الذى سيضمن له الجنة، ثم يعيد إيقاظهم ويوهمهم أن تلك الجنة تنتظرهم إن قتلوا خصوم حامل مفتاح الجنة، فينفذوا رغباته ويقتلوا خصومه بواسطة خناجر ذهبية يتسلمها من يديه!




ويقدم د. محمد عثمان الخشت فى كتابه «حركة الحشاشين»، تحليلاً كاملاً متعمقاً عن حركة الحشاشين فكراً وأثراً، وقراءة وافية لتاريخ حركة من أكثر الحركات غموضاً وسرية فى التاريخ، وأثرها على الدولة الإسلامية فى حقبة تاريخية مهمة، بدايةً من أصولها التاريخية، وعلاقتهم بالشيعة الإسماعيلية، ومذاهب الشيعة وتسميتها الأثنى عشرية، والإسماعيلية النزارية، والمستعلية، مروراً بصراعاتها المستمرة مع السلاجقة، والتى أدت إلى حدوث انكساراتٍ وانتصارات واغتيالات عديدة، وانتهاءً بأفول نجم تلك الحركة، ويتناول التحليل الفلسفى للحركة عن الوجود والألوهية، ومفهوم الإمامة عند الشيعة، ومفهوم الموت والبعث وبدء الخلق.

ويفند الكتاب الأسباب التى أدت إلى إيمان الفدائيين بالتضحية بحياتهم فى العمليات الانتحارية، ونفى فكرة استخدام الصباح لمخدر الحشيش للسيطرة عليهم، وإيهامهم بدخول الفردوس، وأرجع مصدر تلك الفكرة إلى المستشرق «ماركو بولو»، ويرى الكاتب أن السيطرة عليهم كانت فكرياً وعقائدياً، لأن النفس المدمنة لا تكون ذات عزيمة وقوة وبأس بهذا الشكل المرعب! ورغم قلة المصادر بسبب تدمير قلعة «آلموت» من قِبل التتار، إلا أنه استطاع تقديم صورة عن حركة الحشاشين من جميع الجوانب والأركان، وينقل المعلومة من مصدرها التاريخى، ويتناولها بالتحليل، ويكون محايداً وموضوعياً بقدر الإمكان، فلم يتحدث بانتقاد لأفكارهم الإرهابية، وخروجهم من الملة أحياناً، كما فى عهد «حسن القاهر بقوة الله»، وابنه أعلى محمد، وإعلانهما إسقاط الشريعة وقيامة القيامة، وفى النهاية يشير إلى أن فكر هذه الحركة ظل يتكرر باستمرار فى الوقت المعاصر، وإن اختلفت الدول أو الأشخاص أوالحركات.

وفى كتاب «الكامل فى التاريخ» للمؤرخ ابن الأثير، وصفه بأنه «كان رجلاً شهماً كافياً عالماً بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وغير ذلك»، ويورد عطاء ملك الجوينى، فى كتابه «تاريخ فاتح العالم»، أنه لما دخل مع المغول يوم سقطت قلعة آلموت، وجد فيها مكتبة ضخمة، فيها كتب نفيسة.

ويرى الباحث السورى الإسماعيلى مصطفى غالب فى كتابه «تاريخ الدعوة الإسماعيلية»، أن العباسيين أمروا أصحاب المقالات بالطعن فى مبادئ الحركة، وتلفيق التهم والأكاذيب لها، متسائلاً عن حقيقة السماح بتعاطى المخدرات وارتكاب الفحشاء من قبل رجل أقام الحد على ابنه فى شرب الخمر، وأخذ ابنه الثانى لاشتراكه فى جريمة قتل.
.. والحديث بقية