سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. معنى كلمة «إعصار»

د. أحمد فؤاد باشا
د. أحمد فؤاد باشا

كشف د. أحمد فؤاد باشا عضو مجمع اللغة العربية، معنى كلمة "الإعصار" في اللغة، حيث أكد أنه ريح تهب بشدة وتثير الغبار، وترتفع إلى السماء كالعمود وجمع "أعاصير".

وقال تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (سورة البقرة: 266).

وجاء في تفسير هذه الآية الكريمة أنها ضربت مثلاً بعمل رجل غني أحسن العمل أولاً بطاعة الله، ثم استسلم بعد ذلك للشيطان وعمل بالمعاصي، فبدّل الحسنات بالسيئات، وأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح، واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه على شيء. ذلك أن من يكفر بنعمة الله لا يكون له خير فيُستعتب، مثله مثل ذلك الغني الذي أصاب بستانه إعصار فيه نار فاحترق ولم يكن عنده قوة ولا بقية من عمر لكي يغرس مثله من جديد. نعوذ بالله من ذلك.

ويلقي العلم الحديث بعض الضوء على هذا الوصف القرآني الدقيق لنوع من الأعاصير المحرقة التي لم تكن معروفة لأهل الجزيرة العربية وقت نزول القرآن الكريم، حيث أمكن للعلماء أن يميزوا حديثًا بين نوعين رئيسيين من الأعاصير:

أما النوع الأول فيسمى "الأعاصير الاستوائية"، وهي التي تتولد عادة في الأجزاء الغربية من المحيطات الساخنة قرب خط الاستواء، أو داخل مناطق نشاط الرياح التجارية، حيث تسير معها من الشرق إلى الغرب، وأهم مناطقها جزر الهند الغربية وخليج المكسيك وبحر الصين وبحر العرب وجزائر الفلبين واليابان والمحيط الهندي وشرق جزيرة مدغشقر والمحيط الهادي وشمال شرقي استراليا والبحر الكاريبي والساحل الجنوبي الشرقي لأمريكا.

ولوحظ أن هذا النوع من الأعاصير يحتاج إلى مصدر دائم يزوده بالهواء الرطب الصاعد من بحار دافئة، ولذا فإنه يستمر في عنفوانه إلى أن يصل إلى اليابسة ويتحول إلى منخفضات جوية صغيرة لا تلبث أن تتلاشى سريعًا. وأهم ما يميز هذا النوع من الأعاصير الاستوائية أن رياحها العاتية تدور بسرعات هائلة تصل إلى 240 كيلومتر في الساعة حول منطقة هادئة في المركز لا يزيد قطرها على نحو 35 كيلومتر تسمى "عين الإعصار".

ويمكن للإعصار الاستوائي أن يدوم لعدة أيام ويتحرك متقدمًا بمعدل يبلغ 20 كيلومترًا في الساعة، مثيرًا عواصف رملية أو ترابية مدمرة، فضلاً عما يسببه من طوفانات محلية وأمواج هائلة تغرق الأرض ومن عليها، خاصة عندما يدنو من الشواطئ المنخفضة. وقد حدّثنا القرآن الكريم عن مثل تلك الآثار المدمرة لرياح شديدة البرودة والعصوف أصابت قوم عاد سبع ليالٍ وثمانية أيام متتابعة فأهلكتهم: (سورة الحاقة 6، 7).

اقرأ أيضا:يونيسف: 67% من الأطفال في ليبيا تأثروا سلوكيًا بسبب الإعصار «دانيال»

وأما النوع الثاني من الأعاصير فيسمى "الأعاصير الدوامية"، وتشتهر بقدرتها الفائقة على التدمير لشدة هبوط الضغط الجوي فيها ولسرعة دوران الرياح حولها، بسرعة تصل أحيانًا إلى 500 كيلومتر في الساعة. وعادة ما تكون هذه الأعاصير الشديدة صغيرة الحجم لا يزيد قطرها على نصف كيلومتر، وكثيرًا ما يصاحبها حدوث عواصف رعدية، وتظهر على شكل قمع طويل "أو مخروط" يتدلى من السماء والسحاب إلى أسفل نحو الأرض، وقد يحدث في جداره تفريغ كهربي مستمر يزيد من خطورته ويجعله يبدو كأنما يشتعل نارًا، ويعرف هذا النوع من الأعاصير الدوامية، أو القمعية، باسم "التورنادو"، وأهم مناطقه غرب أمريكا الشمالية والوسطى وبعض المناطق التي تهب الرياح فيها من البحر على السواحل الغربية للقارات، ويستغرق دوامه في أي مكان قبل تحركه إلى مكان آخر نحو الساعة فقط، يحدث خلالها تدميرًا شديدًا لكل ما يصادفه على الأرض، ويصحبه أحيانًا سقوط أمطار غزيرة وحدوث برق ورعد شديدين.

وهذا النوع من الأعاصير الدوامية نادرًا ما يحدث في الأراضي المطلة على الخليج العربي وخليج عمان.

وهكذا جاء وصف القرآن لهذه الأعاصير المحرقة بنارها ضربًا من الإعجاز الدال على أنّ الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – لم ير في حياته مثل هذه الظاهرة حتى يصفها هذا الوصف الدقيق، وأن ما بلّغه عن ربه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ} (سورة النجم: 4، 5).

وهناك أعاصير تهبّ على المناطق ذات المناخ المعتدل من الكرة الأرضية، وهي أقل عنفًا بكثير من النوعين السابقين، وتمر أحيانًا دون أن يشعر بها الناس، ويكثر حدوثها بصفة خاصة في فصل الشتاء. وإلى هذه الأعاصير يرجع الفضل في سقوط الأمطار في البلاد العربية.