«كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. حلقة اليوم عن كلمة «أَحْصَى»

 أحمد فؤاد باشا
أحمد فؤاد باشا

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة "كلمات ربي وآياته في القرآن والكون"، للدكتور أحمد فؤاد باشا، عضو مجمع اللغة العربية، القاهرة.الذي يقول: أحصى الشيءَ: عرف قدرَه. وحَصِيَت الأرض: كثر حصاها فهي حَصِية، والإحصاء: التحصيل بالعدّ، مأخوذ من الحصا.

اقرأ أيضا|أسطورة البقرة الحمراء واقتحام متطرفي اليهود المسجد الأقصى

وقد وردت كلمة "أحصى" بصور اشتقاقية مختلفة 11 مرة في القرآن الكريم، منها ما جاء مقترنًا بالعدّ والعدد، كما في قوله تعالى: {لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} (سورة مريم: 94)؛ وقوله سبحانه: {وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدً} (سورة الجن: 28)، وقوله عز وجل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (سورة إبراهيم: 34) ؛ (سورة النحل: 18) وعلم الإحصاء هو أحد فروع علم الرياضيات، الذي تطور كثيرًا بعد استحداث الحاسبات الإلكترونية.

• حساب – حُسْبان: 

الحساب: العدّ، أو استعمال العدد. والحسبان: الحساب، أو هو جمع حساب. يقال: حسب المال ونحوه يحسبه حسابًا، وحسبانًا: عدّه وقدّره وأحصاه.

وقد ورد لفظ "الحساب" في القرآن الكريم 39 مرة، جاء معظمها مرتبطًا بالذات الإلهية، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (سورة البقرة: 202)؛ وقوله: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة البقرة: 212). وجاء بعضها في تركيب عباري يشير إلى إلى يوم القيامة: (سورة ص: 26).

وجاء في آيتين متضمنًا دعوة إلى معرفة السنين وحساب حركات الكواكب، وذلك في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (سورة يونس: 5)، وقوله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (سورة الإسراء: 12)، وقد قال القرطبى في شأن هذه الآية: فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار، ولا كان الأجير يدري إلى متى يعمل، ولا الصائم إلى متى يصوم، ولا المرأة كيف تعتد، ولا تُدري أوقات الصلوات والحج، ولا محل الديون، ولا حين يبذرون ويزرعون، ولا متى يسكنون للراحة.

أما لفظ "حُسْبان" بمعنى الحساب، فقد ورد مرتين في القرآن الكريم، هما قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (سورة الأنعام: 96)، وقوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (سورة الرحمن: 5)، ويبدو أنهما أيضًا تدعوان البشر إلى معرفة عدد السنين والأشهر والأيام، وأجزاء الليالي والأيام، فالحديث هنا عن نوع آخر من الحسابات الإلهية الدقيقة المعقدة التي تحكم حركتي الشمس والقمر، والتي قدرها الله بعلمه، وضبطها بقدرته، وحكم بها العلاقة بين الأجرام والنجوم والكواكب. 
لهذا اهتم المسلمون بوضع التقاويم وتطوير علوم الرياضيات والفلك بشقيها النظري والعملي، وأفادوا من ذلك في تحديد مواقيت الصلاة، وبداية شهر رمضان المبارك.

وتحديد اتجاه القبلة، وتقسيم المواريث والغنائم بين المنتفعين والمستحقين بالحق والعدل، بالإضافة إلى ما يحتاج إليه المتعلمون والكتّاب والعمال والصناع من علوم الحساب والقياس والهندسة وغيرها. وهناك من العلماء من كرس جهده للتخصص في جانب معين، مثل ابن الهائم الفرضي الذي اشتغل بالحساب والفرائض، ومن هنا جاء لقبه، ومثل الحسن بن الهيثم الذي اهتم بالهندسة التطبيقية فعرف بالمهندس، وألف كتبا ورسائل، منها: "كيفية استخراج سمت القبلة في جميع أنحاء العالم" و"علم الهندسة والمثلثات وحساب المعاملات" و"ما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية".

• عدّ، عدد: 

العدد: مقدار ما يُعدّ، والعدّ: إحصاء الشيء، والعدّ: ضم الأعداد بعضها إلى بعض. ويرتبط بالعدّ والعدد: الإحصاء، والحساب، وكتابة الأرقام.

ولقد ساعد علماءَ المسلمين على تطوير فكرة العدد والخانة (أو المرتبة)، بالإضافة إلى النظام العشري وفكرة الأعداد الترتيبية، ما وجدوه في القرآن الكريم من إشارات واضحة إلى الأرقام وتركيب الأعداد من هذه الأرقام. ذلك أن أي عدد من الأعداد التي تتركب من رقمين أو أكثر يستخدم الأرقام العشرة الأولى، كما وجدوا إلى جانب ذلك إشارات واضحة إلى الآحاد والعشرات والمئات والآلاف. مثال ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (سورة الأنعام: 19) وقوله: { وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (سورة النحل: 51)، وقوله: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} (سورة النساء: 171)، وقوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (سورة التوبة: 2)، وقوله: {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} (سورة الكهف: 22)، وقوله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} (سورة الحجر: 44)، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (سورة الحاقة: 17)، وقوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (سورة النمل: 48)، وقوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (سورة البقرة: 196).

هذه الإشارات الواضحة إلى الأرقام الطبيعية Natural numbers العشرة تحمل معنى النظام العشري الذي تؤكده الأعداد الأكبر المكونة من رقمين أو أكثر عن طريق التجميع بالعشرات أو المئات أو الآلاف. قال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (سورة يوسف: 4).

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (سورة التوبة: 36)، وقال عز من قائل: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (سورة المدثر: 30)، وقال جل وعلا: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (سورة الأنفال: 65)، وهكذا نجد باقي الآيات التي تشير إلى العشرات والمئات والألوف: (سورة الأحقاف: 15)؛ (سورة البقرة: 51)؛ (سورة العنكبوت: 14)؛ (سورة المجادلة: 4)؛ سورة الحاقة: 32)؛ (سورة النور: 4)؛ (سورة ص: 23)؛ (سورة البقرة: 259)؛ (سورة الأنفال: 65، 66)؛ (سورة الكهف: 25)؛ (سورة آل عمران 124، 125)؛ (سورة المعارج: 4)؛ (سورة الصافات: 147).الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على معرفة العرب في الجاهلية وصدر الإسلام بالنظام العشري ومراتب (خانات) العدد، لأننا لم نسمع عن احتجاج كفار قريش أو استنكارهم لما ورد في القرآن الكريم من الأرقام وترتيبها في الأعداد المكونة منها.
ووردت كسور الأعداد في بعض الآيات، وخاصة عند الحديث عن أحكام المواريث، أو قواعد توزيع الغنائم (نصف، ثلث، ربع، خمس، سدس، ثمن، ...).

ويعود الفضل الأكبر في توطين النظام العشري الترتيبي وإشاعة استعماله إلى العالم الرياضي الشهير محمد بن موسى الخوارزمي (ت نحو 850م)، وكان قد وضع كتابًا في الحساب الهندي شرح فيه النظام العشري وأشكال أرقامه، وقد فقد الأصل العربي لهذا الكتاب بعد أن تمت ترجمته إلى اللغة اللاتينية عدة مرات.