حلمي بكر.. آن للمحارب «المثير للجدل» أن يستريح

حلمي بكر
حلمي بكر

لا تملك إلا أن تحزن على نهاية الموسيقار الكبير حلمي بكر، النهاية ولا شك قدر محتوم، لكن الطريقة التي ظهر عليها الرجل آخر ساعات عمره كانت محزنة. نهاية مثيرة للجدل مثل سنوات عمره السابقة، التي كان يظهر فيها على شاشات الفضائيات أكثر مما يقدم ألحاناً، رغم عبقريته الشديدة والمتفردة فيها.

اقرأ أيضًا| صفاء أبو السعود ناعية حلمي بكر: سيظل علامة فارقة في تاريخنا


حلمي هو «عرباوي» التي غناها محمد رشدي في فيلم «الزوج العازب». حلمي هو «ع اللي جرى» الأغنية التي غناها الجميع، ونجح فيه الجميع، بدايةً من عُليا التونسية، مروراً بأصالة وصابر الرباعي، وصولاً ربما إلى أصغر مطربة في فرح شعبي. حلمي هو «مهما الأيام تعمل فينا» التي غنتها نجاة الصغيرة. حلمي هو الصوت الأجش الجميل الذي خرج من حنجرته ليغني «خسارة» في إحدى ليالي الاحتفاء ببليغ حمدي. حلمي هو تلك الألحان وليس الصورة التي ظهر عليها في آخر ساعاته بالدنيا.


حلمي بكر تحول إلى مادة دسمة للفضائيات بسبب «فاجوميته» ومعاركه التي لا تنتهي مع كل الناس. ظل ينتقد الكثيرين بصوت مرتفع، انتقد موسيقى المهرجانات أمام أوكا وأورتيجا، وظهر في حلقة كاريكاتيرية مع مجدي شطة لا تليق به ولا بتاريخه ولا بالـ1400 لحناً التي قدمها. كان المادة الأدسم لصحافة بعض الأيام بعدما أثيرت أزمة عن بلطجية أتت بهم زوجته في مشهد عبثي آخر من المشاهد العبثية الكثيرة التي تورط فيها الموسيقار المهم في تاريخ الموسيقى المصرية.


حلمي فتح الباب أمام الجميع كي ينهشوا في حياته الخاصة، فتح الأبواب على الرابع، تزوج من تسعة، ولا عيب في الزواج حتى لو من عشرين امرأة، ولكن في كل مرة حكاية وقصة، وفي كل مرة أزمة جديدة لا تليق باسم حلمي، الذي لحن لأكابر النجوم، فكيف لملحن قدم موسيقاه إلى مطربة في رقي ليلى مراد أو حساسية نجاة الصغيرة أو موهبة عزيزة جلال وأصالة وسميرة سعيد أن يسمح بتشوه الصورة بهذا الحد.


عاش حلمي بكر حياة صعبة، ناجحة لكنها صعبة، وصعوبتها تكمن فيما وضع فيه نفسه. ما أكتبه ليس انتقاداً لشخص بعد ساعات من رحيله، حاشا لله، ولكنه لانتقاد سلوك أثر على موهبة ربما كان موقعها الآن مختلفاً تماماً. ربما كان موقعها في مصاف عبدالوهاب وبليغ وأكابر الموسيقيين.


يحيا فن حلمي بكر، وتسقط طريقته في الحياة. تحيا موسيقى حلمي بكر ويسقط قبوله لأن يكون مادة يُبنى عليها ما يُسمى بالـ«ترند». يحيا حلمي بكر الفنان، وليغفر له الله ما فرط فيه من صورة الموسيقار، وما فرط فيه من موهبة توارت خلف الأزمات.


آن للرجل أن يستريح، وآن لنا أن نهدأ لنقيم تجربته الفنية الكبيرة والمهمة، وأن نهمل هذا الجزء العبثي في حياته، وإن كانت هناك صعوبة كبيرة في الفصل بينهما. فاسأل أحدهم في الشارع عن اسم حلمي بكر، ستكون الإجابة أزمة، ولن تكون أغنية عظيمة قدمها. اسأل أحدهم من هو ملحن «أنا ناسية وفاكرة» سيتلعثم حتماً في الإجابة، هذا لأنه حلمي بكر.