«امرأة نصف عارية».. قصة قصيرة للكاتبة مارا أحمد

مارا أحمد
مارا أحمد

 كنت أتصفح الفيسبوك، لتلفت نظري كما لفتت نظر الملايين من الرجال والنساء لقطة لامرأة يظهر وجهها وما فوق صدرها عاريا، وباقي الجسد متوارٍ خلف الصورة، كما وأنها إعلان عن صفحة لالتقاط متابعين للعرايا من النساء، هذا الانطباع الأول الذي يطفو على سطح العقل الذكوري العطش للجنس وعقلية النساء الفضولية الباحثة عن الطرق غير التقليدية للاستمتاع سريريا، حاولت أن أنفض عن رأسي تلك الأحكام الظنية، فراودتني عدة أسئلة تتعلق بمن في الصورة، وما أرادت أن ترسله من رسائل قد تكون اتهامات تشير بإصبعها إلينا، فهناك إصبع ترفعه في وجه المتتبع لصفحتها ولسان أخرجته بطريقة مثيرة، بعد أن تخلصت من موروثي في الحكم على الناس استباقيا، أمعنت التأمل في الصورة، هي سيدة تظهر نصف عارية تتوسد ذراعها الأيمن، تبتسم وقد أخرجت لسانها، وتشير بإصبعها الأوسط، هي من قامت بالتقاط الصورة لنفسها، ما يسمى "صورة سيلفي"، ربما تكون شخصية عابثة أو قد تكون تاجرة في شيء ما أو ربما عاهرة.

 هل تستعرض جمال جسدها كما لوحة من الفن الإيروسي بالكاميرا؟!

أم تروج لبضاعة رابحة هذه الأيام، بل طوال العصور؟

أو ربما لا تمتلك من المهارات ما يدر عليها عائدا لتعول أسرتها مثلا إلا جسدها؟

كلها تساؤلات تدور حين نرى صورة وجهها الذي يحمل جمالا وحمقا.

ما لفت نظري هو: لماذا تخرج لسانها؟! ولمن تخرج لسانها؟!

ربما يكون هناك شخص أحبته وتخلى عنها فأرادت أن تكيد له؛ ليندم حين يشاهد جمالها الفاتن، أو ربما أرادت أن تنتقم من أسرتها فأرادت أن تترك لهم الخزي والعار، أو ربما حين أخرجت لسانها كانت تخرجه لمجتمع يعاني من الازدواجية؛ تبعث برسالة إليه تقول: " سحقا لكم ولقيمكم وقانون العيب المنافق الذي تعتقدون".

 إن كنت ذا ثقافة غربية تؤمن بالحرية غير المحدودة، فلن تشغلك صورتها وما وراءها من مبررات، بل ستكتفي بالتمتع بجمالها والتعليق عليها بكلمة تكشف رؤيتك وقيمك الليبرالية، لو كنت طيب السريرة سترفض فكرة كونها عارية تماما، بل ستكتفي بفرض أنها ترتدي فستانا عاري الصدر بلا أكتاف، وأنها تعمدت أن تلتقط صورة لها من فوق الصدر وستترك لك الحرية في تخيلها كما يراها خيالك الجائع إلى شيء ما، فلا شك أنك ستنطلق في خلق القصص والإيحاءات الجريئة

التي تخلو من أي قيمة أخلاقية وستتوالى القراءات المثيرة والمشبعة لشهوتك. كل سيضع لمساته الخاصة النابعة من ثقافته ومعتقده وسيطلق لجام خياله ليكمل ما أخفته من جسدها، وقد يتلقى أحدهم لسانها الذي تخرجه كدعوة جنسية، وقد يفهمها البعض أنها تسبهم أو تشتم كل من يتابعها كصورة أو تلصص عليها، كاشفة لازدواجيتهم، قائلة: "لقد أمسكت بكم، ها أنتم تحملقون في صورتي العارية، فلم تنجحوا، بل أعتقد أنكم لم تبذلوا أدنى مجهود لتجاهلها، كثيرون هم من يلعنون التبرج والعري وهم أول مريديه.

ربما أكون عارية وأتكسب من عريي لأعيش، ولكن لكم الحرية في عدم قبول صورتي بتجاهلها أو عدم الالتفات إليها، ولكنكم لا تطبقون أمر غض البصر إلا حين تظهر أمامكم صورة لأم تفترش الطريق بيتا مع أطفالها دون غطاء في ليل الشتاء القارس، وكأنها تمارس الخطيئة، أو طفل ملقى على الطرقات بلا أهل أو مأوى. يبدو أنكم فهمتم حديث غض البصر وكف الأذى بشكل خاطئ، إنكم تغضون البصر عن صور تؤرق ضمائركم وتشعركم بهمجيتكم وفقدانكم للإنسانية، وتتسع حدقتها حين تمر من أمامكم أنثى شبه عارية ويسيل لعاب الرغبة إن كانت عارية، ربما تكون امرأة تعرت من كل المخاوف ومن كل الأردية التي تخفي تحتها مخالب وأنيابا لكائن ينقض على الضعيف كفريسة يتغذى عليها، وقد تكون امرأة تؤدي رسالة مقدسة كما تدربت في غرفات تأهيلية للعهر، فلا شك أن إشباع جائع عمل مقدس، والجوع أيا كان نوعه للطعام أو للجنس ملعون.