فتح مكة ونصر الله المبين

فتح مكة ونصر الله المبين
فتح مكة ونصر الله المبين

نقضت قريش معاهدة الحديبية وتبنت حسابات خاطئة بعد أن ظنت أن هزيمة المسلمين في "مؤتة" أمام الروم في جماد الأولى عام 8 هجري، علامة ضعف، فاستخفت بأمر المسلمين، وقدرت أنهم هزموا في أول معركة لهم مع الروم، فلم يستطيعوا التحرك ضدها، فارتكبت قريش هذا الخطأ الفادح، وعليها أن تدفع الثمن، فالأقدار قررت أن تمحو وجود الروم في المنطقة، وأن المسلمين سيطردونهم من الشام ومصر وشمال أفريقيا، بعد أن أدركت قريش فداحة الخطأ الذي ورطت نفسها فيه، حاولت إصلاحه، فأرسلت زعيمها أبا سفيان إلى المدبنة، ليجدد معاهدة الحديبية، ويزيد في مدتها مما يعكس عجز قريش، ويؤكد صدق ما قدره النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، من عدم قدرتها على غزو المدينة بعد عام الأحزاب، كما توقع أيضا رسول الله قدوم أبي سفيان إلى المدينة للمفاوضة على تمديد أجل المعاهدة، حيث قال النبي لوفد خزاعة: " إن أبا سفيان سيأتي لشد العقد ، ويزيد في مدة الصلح، وسينصرف بغير حاجة.


وحقا رجع أبا سفيان إلى مكة خائبا بعد أن فشلت المحاولات عند رسول الله الذي لم يكلمه كلمة واحدة، فذهب يكلم أبا بكر ، فلم يجد عنده طائلا، وكذلك عمر بن الخطاب ، أما موقف عليا كان كرد أبي بكر وعمر ، بعد أن يئس من كبار الصحابة ذهب أبا سفيان إلى فاطمة بنت رسول الله ومعها ابنها الحسن بن علي ، فلم يبلغ ما يريد، وعندما ذهب إلى ابنته أم المؤمنين أم حبيبة، طوت عنه فراش رسول الله عندما أراد أن يجلس عليه،
هنا لم يشك أبو سفيان في أن رسول الله سيسير إلى مكة ليلقنهم درسا في الوفاء بالعهود واحترام المواثيق.
وفي العاشر من رمضان من العام الثامن للهجرة، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة على رأس عشرة آلاف من المسلمين ، وكل أمله أن يدخل مكة دون أن تراق قطرة دم واحدة لا من المسلمين، ولا من قريش التي كانت تتوقع مسير الرسول إليها ولكن لا تعرف متى وكيف، 
أما أبا سفيان قد استبد به الرعب والفزع ، وكل ما صنعه أنه كان يخرج كل ليلة خارج مكة يتلمس الأخبار بنفسه، حتى رأى نيران جيش النبي محمد من بعيد فقال : لم أر نيرانا كالليلة قط ، فقال له بديل بن ورقاء " حليف النبي محمد" هذه نيران خزاعة ، في محاولة منه لخداعه، فقال أبو سفيان: " خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران" ، وبينما هما يتحاوران سمع كلامها العباس بن عبد المطلب ، الذي قال : " ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله" ، والله لئن ظفر بك ليقتلنك، انهض معي إلى رسول الله ، وشفع له العباس عند الرسول الذي عفى عنه ونسي كل اساءاته ، وأمر النبي العباس أن يذهب به إلى رحلة ويأتي به صباحا، فلم مثل بين النبي ، قال له:" ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله" ؟ فقال أبو سفيان: " بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك ، وأكرمك ، وأوصلك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره، لقد اغناني" ، قال النبي : " ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال :" أما هذه فإن في النفس منها شيئا" . هنا قال العباس أسلم يا أبا سفيان ، فأسلم ، قال العباس: " يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا ، فقال صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن " 


عاد أبو سفيان بهذا العفو وهذا التكريم الزائد إلى مكة ، بعد أن رأى ضخامة جيش المسلمين، وكتائب الإسلام ، ليمتلأ قلبه رعباً ، بعد أن عرض عليه العباس القبائل قبيلة قبيلة، إلى أن جاء موكب الرسول، في المهاجرين والأنصار خاصة كلهم في الدروع والبيض، فقال أبو سفيان:" من هؤلاء؟ فقال العباس:" هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار"، فقال أبو سفيان:" والله ما لأحد بهؤلاء قبل"؛ والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما", فقال العباس:" يا أبا سفيان إنها النبوة"؛ قال"فنعم إذن".


دخول النبي مكة

قسم الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه إلى أربع فرق، خالد بن الوليد على فرقة، وأمره أن يدخل مكة من أسفلها ، والزبير بن العوام ، على فرقة، وأمره أن يدخلها من شمالها، وجعل سعد بن عبادة على أهل المدينة، وأمره أن يدخلها من جانبها الغربي، وأبو عبيدة بن الجراح ، على المهاجرين، وأمره أن يدخل مكة من أعلاها ، وكانت تعليمات الرسول مشددة لهؤلاء القادة بألا يقاتلوا أحدا إلا إذا قوتلوا، لحرصه على حقن الدماء، ودخلت الجيوش مكة ملتزمة بتعليمات النبي، فلم تقاتل إلا مجموعة من الذين عمي الحقد أبصارهم وبصائرهم، من أبناء مكة " معركة الخندمة" تلك المعركة الصغيرة، التي لم يخسر فيها المسلمون شهيدين.
ودخل النبي مكة ظافرا منتصرا على ناقته القصواء ، وقصد الكعبة فطاف حولها سبعا، وهو في خشوع لله سبحانه وتعالى الذي من عليه بهذا النصر والفتح المبين، وعلم الإنسانية درسا عظيما في العفو والتسامح والبر والرحمة، ولم يكتف بعفو عام بل صان لأهل مكة أموالهم ، فلم يجر على مكة ما يجري على البلاد المفتوحة، تكريما وتشريفا لأنها بلد الله الحرام ، كما قال صلى الله عليه وسلم: " مكة حرام محرمة" ، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وانما حلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة ، وأعطى النبي مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة، ثم طهر مكة من الأصنام والصور ، والازلام ، كذلك قام بتطهير ما حولها فقد بعث خالد بن الوليد إلى العزى وكان مكانها في وادي نخلة بين مكة والطائف وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في تطهير مكة من الأصنام يتلو قول الله تعالى " وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا"