حكاية الأبنودى مع حليم والمسيح الفلسطينى

بليغ يلحن وحليم يغنى فى بروفة ترنيمة «المسيح»
بليغ يلحن وحليم يغنى فى بروفة ترنيمة «المسيح»

عشنا نحن صناع ترنيمة «المسيح» زمن الثقافة والوعى والرؤى الحقيقية لهموم بلدنا، وكان عبد الحليم حافظ رمزاً من رموز الأمة المتقدمة، يتمتع بشجاعة ووعى يسمحان له بأن يخوض البوح بترنيمة «المسيح»، كان يجوب أرجاء الأمة مقيماً للحفلات وجامعاً للتبرعات لتعويض ما فقدناه على رمال سيناء من عتاد حربى، وكان للسيدة أم كلثوم مساهمات وطنية فيما يُسمى بالمجهود الحربى، وقتها كتبت له «عدى النهار» لغنائها فى قاعة «ألبرت هول» بلندن للجاليات العربية، لكنى فوجئت بعبد الحليم يقول لى «هل يرضيك أن أخرج للناس بأغنية «عدى النهار» فقط لجمع المال للمجهود الحربى وأكثر الناس المعذبة الآن هم الفلسطينيون الذين طُردوا من أراضيهم، ولا ذنب لهم أن يجنوا نتيجة النكسة ولابد من تحيتهم لاسيما وأن إسرائيل كانت تستغل الهزائم العربية لطرد الفلسطينيين من ديارهم»، واتفقنا على أن أهل فلسطين أشبه بالمسيح فى عذاباته وعلينا أن نكتب عن المسيح العصرى. 


كنت أكتب الأغنية جزءاً جزءاً فى حضور ملحنها بليغ حمدى وعبد الحليم حافظ فيتوليان التلحين والغناء أولاً بأول، وحين أرسلنا بالأغنية إلى إذاعة صوت العرب أصرت الإذاعة على عرضها على الأزهر الشريف لأنى كتبت فيها مفردة «صلبوه نفس اليهود» بما يخالف ما جاء بالقرآن الكريم الذى يقول «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم»، ورفض الأزهر الشريف الترنيمة، وطلب منى عبد الحليم أن نذهب إلى الأزهر، فقلت له «لو ذهبت معك فلن يوافقوا عليها أبدا والأفضل أن تذهب لتفاوضهم وحدك فأنت رجل دبلوماسى وتستطيع ذلك أفضل منى»، وذهب عبد الحليم وانتظرناه أنا وبليغ حمدى فى منزله، طلب منه مشايخ الأزهر الأفاضل تغيير مفردة «صلبوه» وقمت بتبديلها بمفردة «خانوه» وتمت الموافقة وغرد بها عبد الحليم فى قاعة «ألبرت هول» عام 1968، غنى «عدى النهار» مرتين، أما ترنيمة «المسيح» فطلب الجمهور إعادتها ثلاث مرات، ترنيمة كسرت كل التوقعات عندما خرجت للنور، غناها حليم فى لبنان وتونس ومصر، ورددها جمهوره فى البلاد العربية لصدق النص واللحن والأداء.


وبعد فترة بدأ التليفزيون المصرى فى عرضها مع خلفيات لصور المسيح لأن الحفل للأسف لم يتم تصويره تليفزيونياً، وبقيت ترنيمة «المسيح» هى الأشهر وحصلت على اعتراف الدنيا كلها وصارت جزءاً من الغناء العربى الوطنى فى كل مكان، وتقول كلماتها: 
«يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها.. وفتحى عيون البشر للى حصل على أرضها.. على أرضها طبع المسيح قدمه.. على أرضها نزف المسيح ألمه.. فى القدس فى طريق الآلام.. وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس.. فى الخلا صبح الوجود انجيل.. تفضل تضيع فيك الحقوق لأمتى يا طريق الآلام.. وينطفى النور فى الضمير وتنطفى نجوم السلام.. ولأمتى فيك يمشى جريح.. ولأمتى فيك يفضل يصيح.. مسيح ورا مسيح ورا مسيح على أرضها.. تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب.. دلوقت يا قدس ابنك زى المسيح غريب.. خانوه نفس اليهود.. ابنك يا قدس زى المسيح لازم يعود على أرضها». 
عبد الرحمن الأبنودى 
«الكواكب» - ٢٦ مارس ٢٠١٣