«نزوح» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

الكاتب محمد كمال سالم
الكاتب محمد كمال سالم

يحاول عبد الله أن يلتقط إشارة للهاتف، كانت "هاجر" أخت زوجته "فاطمة" تحادثهم منذ قليل من السويس في مصر على الخاص _الشات_؛ ثم انقطعت الإشارة.

لكن؛ ليس هذا هو المهم، الأهم مكالمة ينتظرها من "عمَّان" تخص المسجد الكبير _الجامع_ من بعض الأوراق والوثائق من الإدارة _بصفته إماما للمسجد_

وفاطمة مازالت تلح عليه: _قُلْ لهاجر أن ترسل "السيد" إلى المعبر ينتظر ابننا "حمزة" حتى يقيم هذه الفترة عند خالته.

_باقلك: "ما في إشارة"؛ الأوغاد قطعوا الإنترنت أيضا، ثم قلت لك إنك ستغادرين معه إلى أهلك هناك، أنت مزدوجة الجنسية؛ سيسمحون لك بالمغادرة، اقعدي هناك حتى ينتهي هذا القصف الوحشي، وأين هو ابنك "حمزة"؟

_يلعب مع"ريان" ابن جارتنا "رهف".

_وهل هذا وقته؟!

_ما من مكان آمن الآن!

يدخل ابنهم "حمزة" مهرولا يتبعه الصبي "ريان" يحملان بعض الوريقات وقال لأبيه:

_انظر يا أبي هذه الأوراق الملونة، طائرات الأوغاد ترميها علينا كالمطر.

_نداء أخير: "توجهوا جنوبا حيث الوادي حرصا على سلامتكم ؛ حتى تنتهي الدولة من محاربة الإرهاب، غزة أصبحت ساحة للمعركة"

انتهى عبد الله من قراءتها:

_حسبي الله ونعم الوكيل، احزمي يا فاطمة ما نستطيع حمله، ولينتظر كل أمر لمردود الله وحكمته، لا تنسي أنك حامل ؛ فلا تثقلي على نفسك، سأحمل أنا الصغيرة "سماء" على كتفي واستخلفي الله هذا البيت، فظني أنهم لن يتركوا بيتا في "غزة" قائما.

يحمل "حمزة" حقيبة كتف على ظهره، وكذلك صديقه "ريان"، يتبادلان ركل الكرة على الطريق الطويل، يتبعهم طابور طويل في شارع "صلاح الدين"

يبدو أن كثيرا من أهل القطاع ينزحون إلى الجنوب.

حمزة: أنا جائع يا أمي.

عبد الله: خذ يا “حمزة"؛ بسكوتة لك وأخرى لصاحبك "ريان".

يستدير "عبد الله" إلى الخلف، يلتقط الصور لجيرانه وأصدقائه وهم يحملون ما خَف من متاعهم يكدحون تحت وطأة خطوات صعبة ثقيلة، الرجال يكتنفهم القهر والنساء متوشحات بالسواد، خمارهن البكاء، خطوات مثقلة.

بألم الفراق للديار وذكريات التهجير، يبتسم "عبد الله"

بسمة مفعمة بالصبر، يخاطبهم بصوت عال:

هذه صور للتاريخ فابتسموا. سيذكركم التاريخ حين تصبحون رمادا.

يقطع عليه حديثه المسترسل أزيز طيران منخفض فلا يبالي ويستمر في الحديث وشحذ الهمم.

حفيف نسيم لطيف يلفح وجوه الجميع رغم الزحام، شعور ساحر ورضى وغبطة:

حمزة: لم أعد أشعر بالتعب

ريان: ما كل هذا الزحام، أناس كثيرون تتبعنا في هذا الطريق، أرى أمي هناك بعيدا، لقد سبقناها.

_وأمي أيضا معهما لا يفترقان، وأبي خلفهما يحمل سماء.

_رائحة خبيز شهية يا صاحبي "ريان."

_نعم أنظر، هناك مائدة كبيرة وفاكهة طازجة أعدت لنا؛ هيا بنا...

نشرة الأخبار تعرض ما التقطته كاميرا هاتف أحد الضحايا.