«مباشر» صاحب المؤلفات التي جسدت البطولات: كنت صديقا لسيد شهداء أكتوبر

الشهيد إبراهيم الرفاعي
الشهيد إبراهيم الرفاعي

شاهد عيان من قلب المعارك، لطالما رابط على خطوط النار متأهبًا، وأرهف السمع، وشحذ البصر كى يقدم شهادته بدقة عما رآه، وشاهده عياناً من حكايات تجل عن الوصف، وبطولات تعقد الألسنة، وتضحيات مذهلة لا يصدقها إلا من رآها رأى العين، فعلى كاهله احتمل عبء تسجيل تفاصيل الملحمة، وتوثيق أحداث معارك الشرف، وحروب الكرامة حتى يروى للملايين حقائق ما جرى ليس فقط لمعاصريه من المواطنين المتشوقين للكرامة مهما ابتعدت أماكنهم عن أرض المعارك، بل أيضاً للأجيال التالية التى لم تعاصر أحداث الملحمة زمانياً، إذ يتصف الحوار مع المؤرخ العسكري الكبير عبده مباشر عميد المراسلين الحربيين بقدر ملحوظ من الأهمية لأنه شاهد عيان وصانع للأحداث ومقاتل مدنى سواء فى صفوف الفدائيين أو فى عداد قواتنا المسلحة الباسلة.

وفى الذكرى الخمسين للنصر العظيم نلتقى بالمؤرخ القدير صاحب المؤلفات العديدة عن بطولات الجيش المصري وحروبه الملحمية. ومنها: «أسرار وحقائق الحروب المصرية الإسرائيلية» و«إغراق إيلات» و«يوميات أكتوبر فى سيناء والجولان» و«حرب الاستنزاف».

 كيف استقبلت محاولات التشكيك المكثفة فى النصر العظيم التى أطلقها المغرضون فى الخارج، وأذنابهم من أهل الشر مستبقين بها مبكراً العيد الذهبى للنصر الخالد ؟
- أطرح سؤالاً بسيطاً جداً: أين كنا يوم 5 أكتوبر؟، وأين أصبحنا فى يوم السادس؟ والإجابة عن هذا السؤال هي: ردى على كل الإساءات والتشويهات، ففى يوم السادس من أكتوبر كسرنا نظرية الأمن الإسرائيلى، واقتحمنا أصعب مانع مائى فى التاريخ، ثم استولينا على خط «بارليف» الحصين، وأقمنا رءوس جسور شرق القناة، وحررنا مساحة من أرض سيناء المحتلة، وهذا الإنجاز تحقق بالقوة المسلحة، ووفق خطة عسكرية محكمة، إذن النتائج على أرض الواقع ترد على تشكيك المغرضين وأوهامهم.

خضت تجربة القتال بين صفوف القوات المسلحة، ولم تكتفِ بحضور المعارك كمراسلٍ حربى على خط النار .. فما انطباعك عن هذه التجربة الفريدة ؟
- حين اشتركت فى القتال كفدائى فى القوات الخاصة «الكوماندوز» بين عامى 1968 و1972 كمتطوع مدنى فى المجموعة 39 قتال تحت قيادة البطل الفذ العميد إبراهيم الرفاعى كنت أقوم بدور فى الدفاع عن دينى وبلدى، وحين عملت كمراسلٍ حربى فى أكتوبر 1973كنت أؤدى دوراً مهنياً لأضع القراء العاديين فى الصورة، وأنقل اليهم نبض ما يحدث على خطوط النار ، وما يدور على مسرح العمليات عبر كتابة تقارير فى شكل سيناريو لكى يروا ويشاهدوا ما نشاهده عياناً، وكأنهم حاضرون معنا على جبهة القتا ل، وآليت على نفسى القيام بذلك لأن البيان العسكرى قد لا يروى ظمأ البعض ، فهؤلاء المواطنون لهم أخوة أو آباء أو أبناء أو أزواج على مسرح العمليات، وهم يتطلعون إلى معرفة ماذا فعل هؤلاء الأقرباء على مسرح العمليات، وهذا هو الفارق بين دور الفدائى ومهمة المراسل الحربي.

كنت صديقاً لسيد شهداء «أكتوبر» العميد إبراهيم الرفاعى وألفت عنه كتاباً.. فما الجديد الذى أضفته حول تاريخه الفذ خاصة، وأن العديد من الكتب صدرت حول بطولاته وقصة استشهاده الباهرة ؟
- البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى قام بعملية فدائية مذهلة فى بورسعيد عام 1956، وكان ملازماً أول لم يزل ، حيث هاجم معسكر دبابات للاحتلال الإنجليزى هو ومجموعة صغيرة من قوات الصاعقة .. وبعد تنفيذ العملية بنجاح غادروا الموقع، واختفوا تماماً فى بورسعيد، لأنهم قبل أن يذهبوا إلى العملية استخرجوا بطاقاتٍ شخصية على أنهم مدرسون أو موظفون فى شركات .. وجرى احتجازهم فى قسم شرطة بورسعيد بسبب مُصطنع لارتكابهم جرائم وجنحاً، وقد خرجوا من موقع العملية إلى مقر الحجز فى قسم شرطة بورسعيد ليواصلوا التمويه بأنهم مُحتجزون وكنت قد قمت أنا بالإشتراك فى عملية فدائية بمنطقة القناة ضد قوات الاحتلال البريطانى من أكتوبر 1951 إلى يناير 1952 وكنت أصغر فدائى على الجبهة ،حيث لم يكن عمرى يتجاوز الرابعة عشر عاماً، ولذلك كنت أداعب صديقى البطل إبراهيم الرفاعى قائلاً له: أنت أقدم منى فى رتبة الجيش وقائدى ولكنى أقدم منك فى العمل الفدائى، فكان يضحك ويقول لي: عندك حق سأحترم أقدميتك على أن تحترم أنت أقدميتي.

وحين اشتركت فى أول عملية تحت قيادته خلف خطوط العدو فى سيناء كتب تقريراً عن العملية ودورى فيها وسلمه إليّ قائلاً: أحاول أن أثبت أننى أصلح للعمل كصحفى وبعد وصولى إلى التقاعد سأعمل معك ولن أنافسك على رئاسة القسم العسكري. وقد استشهد رحمه الله فى ١٩ أكتوبر بعد أن حاز العديد من الألقاب ومنها: «صائد الأفاعى» و«أسد الصاعقة» و«سيد شهداء أكتوبر».

وثقت تفاصيل ملحمة أكتوبر عبر أكثر من كتابٍ ومرجع .. فهل استطعت الإلمام بروعة الحدث ؟
- حاولت إبراز عظمة هذا النصر والتأكيد على أنه نصر عزيز حقاً وأنه إنجاز فريد فى التاريخ الحديث والمعاصر لمصر، ولكن ما زلت أرى أن هذا الهجوم العظيم يحتاج إلى المزيد من المؤرخين والباحثين والكتاب والمؤلفين وأهل الفن أيضاً.

وماذا فى جعبة صاحب القلم المقاتل لم ير النور بعد ؟
- كتاب عن مصر والفكر القومى وآخر عن حياة ومسيرة شمس بدران

أى الكتب ترشحها للتدريس فى مراحل التعليم المختلفة تقدم تفاصيل ملحمة النصر العظيم للأجيال سواء من كتبك أو من كتب القادة زملائك من المراسلين الحربيين ؟
-كل ما ألفه القادة والزملاء يصلح ليُقرر على الطلاب وهذه دعوة ملحة كى تعى الأجيال الصاعدة روعة النصر وتفرد الملحمة.