رحيل «البدوى» المحبوب «أبو جليل»

حمدى أبو جليل
حمدى أبو جليل

سمر نور

غاب عن عالمنا الأسبوع الماضى الروائى حمدى أبو جليل الذى ترك بصمة فى تاريخ الأدب العربي، كما ترك رحيله جرحًا كبيرًا فى صدور مجايليه ومحبيه فى الوسط الثقافى، الروائى الذى ولد فى مجتمع بدوى بمحافظة الفيوم، ولم يكمل تعليمه، وقدم إلى القاهرة ليعمل فى مجالات مختلفة كان من بينها عامل بناء، وهو ما ألهمه كتابة روايته «الفاعل» عام 2008 كسيرة ذاتية عن تجربته الشخصية التى حصدت جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية،

وكان اسمه قد لمع من قبل ذلك بين أدباء التسعينيات حيث نشر مجموعته القصصية الأولى المعنونة «أسراب النمل» 1997، ثم نشر مجموعة «أشياء مطوية بعناية فائقة» عام 2000 وحصلت على جائزة الإبداع العربي، وكان لروايته الأولى» لصوص متقاعدون» عام 2002 حظا كبيرا حيث ترجمت إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، وكانت روايته الأخيرة بعنوان «صعود وانهيار الصاد شين»، وصدرت له عدد من الكتب المهتمة بالفكر والتاريخ مثل: «الأيام العظيمة البلهاء»، «القاهرة.. شوارع وحكايات»، ودراسة بعنوان» نحن ضحايا عك»، حيث كان له اهتمام بمجالات مختلفة، وأدار تحرير سلسلة الدراسات الشعبية فى وزارة الثقافة إلى جانب إدارة تحرير جريدة المقال، وتتلمذ أدبيا على يد ثلاثة من الكبار وهم: إبراهيم أصلان، وخيرى شلبي، ومحمد مستجاب، وكان جزءا من عائلاتهم منذ قدومه إلى القاهرة، كان «أبو جليل» شخصية اجتماعية محبوبة داخل الوسط الثقافى رغم طبيعته النقدية للواقع والبناء الاجتماعى المكرس له.

لم يمهله القدر لاستكمال روايته الأخيرة عن سيرة والدته، وعلاقته بها والتى أشار أصدقاؤه إلى إهدائها لها، حيث لا يمكن أن تفصل بين كتابة «حمدى أبو جليل» وشخصيته وحياته، طوال عمره كان يسعى إلى هذا الالتصاق، كان يجد أن التجربة أكثر ثراء من الخيال، حيث قدم تجاربه سواء فى مجتمعه البدوى أو فى العاصمة من خلال رواياته، كان مخلصا للواقع ولسرديته عن الواقع، وللفن ذاته، وكان هذا المفهوم هو محركه فى تاريخه الأدبى الذى انتهى برحيله عن عالمنا الأسبوع الماضى فى الـ٥٧ من عمره، بعد أن عاش حياته محاولا سرد الحقيقة كما خبرها، بلا هدف أبعد من السرد ذاته، وتقديم ما هو مختلف عما سبقه فى تاريخ السرد، دون رطانة وهدم للقديم وادعاء تجاوزه، وهو ما أشار إليه فى نص خطابه الذى ألقاه بمناسبة حصوله على جائزة «نجيب محفوظ» بالجامعة الأمريكية عن روايته «الفاعل» الذى جاء فى مقطع منه: «دائما أتخيل مسار الكتابة على هيئة مجرى مائى به ربوات عالية، راسخة، وعجز الماء عن المرور فوقها أو تجاوزها يدفعه الى مسارات جديدة تماما بل أحيانا مناقضة لمجراه القديم، العجز دافع لتطور الكتابة، لاندفاعها فى مسارات جديدة، هناك دوافع أخرى بالطبع كاختلاف ظروف الحياة، والوعى بها، ولكن العجز ربما لقسوته يحتل مكانة الدفاع الأوجه، العجز عن الوفاء لنموذج سابق يدفع إلى إنجاز خطوة ما، ترتاد منطقة جديدة وتؤكد العجز فى نفس الوقت، خطوة تجمع بين الفرح بجدتها، ومغايرتها، والحسرة من وضوح عجزها».