شكل صعود دونالد ترامب ليصبح المرشح الجمهوري الفعلي في انتخابات الرئاسة الأمريكية مستوى عاليا على غير المعتاد من الغموض بالنسبة للمستثمرين وللشركات ومن المحتمل أن يمثل ضغطا على الاقتصاد وخطط مجلس الاحتياطي الاتحادي لرفع أسعار الفائدة هذا العام.

ودائما ما يصاحب الغموض الانتخابات وسبق أن رفع مجلس الاحتياطي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة خلال مواسم انتخابية.
غير أن اقتصاديين يقولون إن احتمال دخول ترامب قطب صناعة العقارات في نيويورك صاحب التصريحات النارية البيت الأبيض يمثل تصاعدا للمخاطر بسبب السياسات غير التقليدية التي اقترحها وغياب التفاصيل عن كيفية تحقيقها.
وقد أثار ترامب الذي وعد بأن يجعل أمريكا "بلدا عظيما من جديد" المخاوف من نشوب حرب تجارية بقوله إنه سيفرض رسوما كبيرة على الواردات من الصين والمكسيك.
كما وعد ترامب بترحيل 11 مليون مهاجر غير مسجلين بالولايات المتحدة واقترح التخلف عن سداد جزء من الدين الأمريكي لكنه عاد وتراجع عن هذا الأمر.
ويقول مسؤولو مجلس الاحتياطي الاتحادي إنهم يتحاشون مناقشة السياسة الداخلية في اجتماعات تحديد أسعار الفائدة. وتوضح محاضر اجتماعات سابقة لبحث السياسات خلال أعوام الانتخابات أن الغموض السياسي يمثل عنصرا في توجها لمسؤولين وإن لم يوجد نمط واضح لميلهم سواء لتيسير أسعار الفائدة أو رفعها خلال الفترة التي تسبق الانتخابات.
وفي تعليقات خلال الآونة الأخيرة سلم بعض المسؤولين في مجلس الاحتياطي الاتحادي بأن التصريحات التي يطلقها الساسة خلال حملة الدعاية الانتخابية قد يمتد أثرها إلى الاقتصاد.
وقال روبرت كابلان رئيس بنك دالاس الاحتياطي الاتحادي لرويترز يوم الخميس الماضي "إذا بدأ المستهلكون بسبب التصريحات السياسية يقللون إنفاقهم أو يتوقفون قليلا عن الإنفاق أو تباطأ الإانفاق الاستثماري... فعلي أخذ ذلك في الاعتبار."
وسئل عن رأيه في ما اقترحه ترامب فقال "إذا كان لدي رأي فلن تعرفوه قط. فلن أسمح قط لذلك بالتسرب إلى عملي."
وقال دينيس لوكهارت رئيس بنك أتلانتا الاحتياطي الاتحادي إن من الإنصاف القول إن الانتخابات "قد تكون عاملا في الاقتصاد هذا العام."
وفي الشهر الماضي أبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي على أسعار الفائدة في نطاق 0.25-0.50 في المئة وأشار إلى عدم تعجله رفعها مرة أخرى قريبا استنادا إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي رغم تحسن سوق العمل.
وفي مارس آذار توقع المسؤولون عن رسم السياسات في مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع أسعار الفائدة مرتين هذا العام بعد رفعها في ديسمبر كانون الأول الماضي للمرة الأولى في نحو عشر سنوات.
مجلس الاحتياطي يركز أنظاره على غموض الوضع
كثيرا ما استندت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي وغيرها من المسؤولين عن رسم السياسات بالمجلس إلى الغموض الذي يكتنف الآفاق الاقتصادية والمالية وما يتعلق كذلك بالسياسات كأحد العوامل المؤثرة في قراراتهم بشأن أسعار الفائدة.
ويعد مؤشر في.آي.إكس لتقلبات أسواق الاسهم من المؤشرات التي يتابعها المجلس لقياس الغموض.
ومن المقاييس الأخرى التي يستخدمها المجلس مؤشر نيك بلوم الأستاذ بجامعة ستانفورد لغموض السياسات الاقتصادية والذي عرضه على يلين وعلى اقتصاديين في أبريل نيسان من العام الماضي.
ويحلل المؤشر التغطية الصحفية للغموض الاقتصادي فيما يتعلق بالسياسات ونقاط الاختلاف بين تنبؤات الخبراء الاقتصاديين بخصوص التوقعات الأمريكية وبعض العوامل الأخرى.
وقال بلوم في مقابلة "عندما يكون الغموض شديدا تجمد الشركات قرارات تعيين الموظفين والاستثمار ، وإذا بدا أن ترامب مرشح جاد وظل مع ذلك يواصل الإدلاء بتصريحات عن الجدار المكسيكي والاغتصاب التجاري فسيصبح لدينا أشد الغموض فيما يتعلق بالسياسات حتى الانتخابات."
وكان ترامب قد قال إنه سيبني جدارا على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة واتهم الصين بما وصفه "اغتصاب" الولايات المتحدة بسياسات تجارية غير منصفة.
وقال بلوم إن زيادة المؤشر ستكون إيذانا بانخفاض الإنتاج والاستثمار والوظائف.
ويهتم المسؤولون عن تخطيط السياسات اهتماما وثيقا بتقلبات أسواق المال وكذلك بالبيانات الاقتصادية، وقد أرجأ مجلس الاحتياطي الاتحادي زيادة متوقعة في أسعار الفائدة في سبتمبر أيلول الماضي بعد أن تسبب التباطوء الاقتصادي الحاد في الصين في انخفاض سوق الأسهم وتضييق الأوضاع المالية.
ويقول اقتصاديون إن قوة وضع ترامب كمرشح في الانتخابات قد تزعج الأسواق أيضا، أوضح استطلاع للرأي أجرته رويترز ومؤسسة إبسوس أن ترامب يكاد يتعادل مع هيلاري كلينتون التي تتصدر السباق على الفوز بترشيح الديمقراطيين في الانتخابات وذلك في تحول كبير منذ أصبح المرشح المفترض للحزب الجمهوري.
ويتوقع المتعاملون فرصة بنسبة 36.5 في المئة لفوز جمهوري بالرئاسة وذلك بناء على أسعار التعاملات الآجلة في سوق أيوا للالكترونيات.
وقال روبرتو بيرلي الاقتصادي لدى كورنرستون ماركو وأحد العاملين السابقين في مجلس الاحتياطي الاتحادي "إذا حقق ترامب مكاسب في الانتخابات وكان رد فعل السوق ضعيفا فإنها (الاضطرابات) ستتيح للمجلس حجة جيدة للإبقاء على الوضع الحالي."
والصين والمكسيك هما ثاني وثالث أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة على الترتيب.
ويقول ترامب إن سياساته ستعزز الوظائف ومصالح قطاع الأعمال. وقد قال إنه يفضل الفائدة المنخفضة لكنه قال أيضا إنه لن يبقي على يلين عندما تنتهي ولايتها عام 2018 إذا فاز بالرئاسة.
وحتى الآن لا يوجد مؤشر يذكر على أن مؤشر بلوم سيرتفع.
وكان المؤشر انخفض إلى 98.39 في أبريل نيسان أي أعلى قليلا من مستواه في نوفمبر تشرين الثاني قبل قرار رفع الفائدة الذي مهد له المجلس تمهيدا جيدا. وبالمثل تبدو قراءات مؤشرات الغموض الأخرى مثل في.آي.إكس معتدلة.
ويدلي الناخبون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر المقبل.
وتشير البيانات التاريخية إلى أن مؤشر بلوم يقفز قبيل الانتخابات التي يكون فيها السباق الرئاسي متقاربا وكذلك خلال أوقات الغموض السياسي الأخرى مثل النقاش الذي دار عام 2011 حول سقف الدين الأمريكي.
وربما يكون ارتفاع المؤشر 90 نقطة مقدمة لانخفاض بنسبة واحد في المئة في الإنتاج وتراجع التوظيف والاستثمار بنسبة نصف في المئة