تجربة مصر فى المدن الجديدة «الأكبر عالميًا»..

الجزار: 30 مدينة ذكية على 1.5 مليون فدان باستثمارات 333 مليار جنيه | صور

 المدن العمرانية من الجيل الرابع
المدن العمرانية من الجيل الرابع

 

كان لمصر باع طويل في نشأة المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، فمنذ حوالى نصف قرن جاء قرار الدولة بإطلاق خطة لتعمير الصحراء عبر إنشاء مدن ذات قاعدة اقتصادية بهدف الحد من الهجرة للقاهرة الكبرى والإسكندرية، فتم إنشاء الجيل الأول من المدن الجديدة كالسادات و6 أكتوبر و15 مايو وغيرها، ومع مرور السنوات انشئت أجيال أخرى من هذه المدن حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية ليعلن نشأة جيل جديد من المجتمعات العمرانية هو الجيل الرابع؛ ذلك الجيل الذى يعتمد على الاستدامة والحفاظ على البيئة والتكنولوجيا في إدارته حيث تكلل عقد هذا الجيل من المدن بافتتاح الرئيس السيسي لمدينة المنصورة الجديدة، وفى السطور التالية نرصد تجربة نشأة المدن الجديدة في مصر.

كشف د. عاصم الجزار وزير الإسكان في البداية، تطور المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة منذ بداية نشأتها عام 1978 وحتى الآن، وكيف تطور مفهومها من مدن تابعة ومستقلة إلى مدن ذكية مستدامة مثل التي يتم تنفيذها حاليا متمثلة في مدن الجيل الرابع.

أربعة أجيال

وأكد د. عاصم الجزار، أن المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر شهدت أربعة أجيال؛ بداية من نشأتها في عام 1978 وحتى الآن، مشيرا إلى أن تجربة مصر في نشأة المجتمعات العمرانية الجديدة وتطورها هي أكبر تجربة للمدن الجديدة في العالم، حيث يضم الجيل الأول من المدن الجديدة (7 مدن) بينما يضم الجيل الثاني (8 مدن) أما الجيل الثالث فيضم (8 مدن) وأخيرا الجيل الرابع فيضم 30 مجتمعا عمرانيا بخلاف 9 مدن مازالت تحت التخطيط.

وأوضح وزير الإسكان، أن عدد المدن الجديدة قبل عام 2014 كان 22 مدينـــة جديـــدة ومعدل النمو السكاني بها 160 ألف نسمة سنويا ومساحة الزيادة المُضافة للعمران 700 ألف فدان (18 ألف فدان سنوياً) وبلغ إجمالي الإنفاق الاستثماري بها 62 مليار جنيه «2 مليار جنيه سنوياً»، بينما فى الفترة من 2014 : 2022 بلغ عدد المدن الجديدة 30 مدينـــة جديـــدة بخلاف 9 مدن تحت التخطيـط ومعدل النمو السكاني بها 500 ألف نسمة سنوياً ومساحة الزيادة المُضافة للعمران 1.5 مليون فدان (166 ألف فدان سنوياً) وبلغ إجمالي الإنفاق الاستثماري 333 مليار جنيه «42 مليارا سنويا».

وأضاف الوزير، أن المدن الجديد، لها أشكال مختلفة، فمدن الجيل الأول هي مدن مستقلة وعددها 7 مدن (العاشر من رمضان-السادس من أكتوبر-السادات-15 مايو-برج العرب الجديدة-الصالحية الجديدة-دمياط الجديدة) بمساحة 344 ألف فدان وهى مدن لها قاعدة اقتصادية متنوعة (زراعية - صناعية - لوجستية - غيرها) وتهدف للحد من الهجرة للمدن الرئيسية وخاصة للقاهرة الكبرى والإسكندرية وهذه المدن توفر أنشطة اقتصادية رائدة وتنوعا فى القواعد الاقتصادية، بينما يبلغ عدد مدن الجيل الثانى 8 مدن (مثل: القاهرة الجديدة، بدر، الشروق، العبور، والشيخ زايد) وهى مدن تابعة مساحتها 112 ألف فدان وهى ضواحى حضرية على أطراف المدن الكبرى بهدف استيعاب الزيادة السكانية وتمثل توسعات وامتدادات عمرانية وسكنية أضيف إليها قواعد اقتصادية نظراً لنموها لتتحول إلى مدن مستقلة وهذه المدن بلورت مفهوم البنية الأساسية للعمران أما مدن الجيل الرابع، فأوضح الجزار أنها 30 مدينة ومجتمعا جديدا مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وغيرها فهى مدن مستدامة ومرنة وقادرة على التعافي ومتعددة الأنشطة.

تقييم للتجربة

واستعرض د. عاصم الجزار، تقييما لتجربة المجتمعات العمرانية الجديدة التى أنشئت فى مصر والدروس المستفادة منها، فالدرس الأول هو توفير البنية الأساسية للعمران (مناطق العمل والخدمات، ويلى ذلك توفير السكن)، حيث يتم توفير فرص عمل وأنشطة خدمية عالية الجودة فى المرحلة الأولى من المجتمعات الجديدة، وهذا ما نراه فى المدن الجديدة مثل الحى الحكومى ومركز المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة والأنشطة التعليمية والصحية ومناطق ومراكز تجارية، وهذه مشروعات نبدأ بها قبل الشروع فى المشروعات السكنية.. أما الدرس الثانى فهو أن نجاح المدينة الجديدة مرتبط بتوفير فرص عمل كاملة لرب الأسرة والمرأة مع توفير خدمات مناسبة للأطفال والشباب، فيجب النظر للأسرة متكاملة وليس لرب الأسرة فقط حتى يسهم ذلك فى انتقال الأسر للحياة بالمدن الجديدة، حيث إن الترابط الاجتماعى هو أحد سمات المجتمع المصرى وظاهرة الأسرة الممتدة مرتبطة بالأرض والعمل وعائد الانتقال يجب أن يكون عائدا اقتصاديا مجزيا (فرصة عمل كاملة)، وهو الأمر الذى يشجع المواطن على الانتقال للإقامة بالمدن الجديدة، وهذا ما نعمل عليه بالتعاون مع وزارة التخطيط فى تطبيق الحد الأدنى للأجور على كل المستويات وتحسين الأجر.. بينما الدرس الثالث فهو مرتبط بجودة الحياة وكفاءة البيئة العمرانية من خلال توفير مناطق مفتوحة وترفيهية لزيادة حيوية المدينة وجذب السكان ومن أمثلة ذلك (النهر الأخضر بالعاصمة الإدارية الجديدة، وكورنيش العلمين، وكورنيش أسوان، وكل المدن الجديدة).. بينما الدرس الرابع فهو الاتصالية وسهولة الوصول والربط ما بين المدن القائمة والمدن الجديدة بشبكة من الطرق ووسائل النقل الجماعى الحديثة، حيث تقوم استراتيجية النقل الجماعى بالمجتمعات الجديدة على ربط أماكن السكن بمناطق العمل والخدمات وربطها بالعمران المحيط، حيث يتم إعداد خطط النقل الجماعى الذكى داخل المدن الجديدة.

التوزيع الديموجرافى

وأكد د. عاصم الجزار، أن المدن الجديدة أسهمت فى معالجة الخلل فى التوزيع الديموجرافى للسكان، فمثلا إقليم القاهرة خلال عام 1970 كانت مساحة الكتلة العمرانية للقاهرة الكبرى 52 ألف فدان يقطنها 5.6 مليون نسمة بنسبة 16% من سكان الجمهورية وبلغت الكثافة السكانية الصافية 250 فردا / فدان، بينما وصلت الكتلة العمرانية الرئيسية للقاهرة الكبرى فى عام 2015 أى بعد 45 عاما إلى 140 ألف فدان بزيادة 240% يقطنها 16.8 مليون نسمة بزيادة 300% وبلغت الكثافة السكانية الصافية 500 فرد / فدان ،وهذا متوسط الكثافة، بينما وصلت الكثافة الصافية فى بعض أحياء القاهرة إلى 750 فردا / فدان وفى بعض أحياء الجيزة إلى 1000 فرد / فدان، لذا فإن المحصلة هى كتلة عمرانية مكدسة بالسكان والأنشطة والحركة مع استعمالات غير سكنية بلغت 30 - 35% (زيادة نسبة الأنشطة غير الإنتاجية-مجتمع استهلاكي) ووصلت نسبة البناء إلى 70% مما أدى إلى انخفاض نسبة المساحات الخضراء والفراغات والمناطق المفتوحة ونسبة الطرق أقل من 20% مما يسبب التكدس والازدحام.

وأوضح الجزار، الحالة التى وصلت لها القاهرة الكبرى حيث الاختناقات المرورية وما ينتج عنها من التلوث وزيادة الانبعاثات الكربونيـة وتضاعف الوقت المستغرق فى الرحلات اليومية وانخفاض متوسط السرعة على المحاور المرورية من 70 : 30 كم / ساعة، حيث قالت إحدى المؤسسات اليابانية «الجايكا» فى عام 2010 إن القاهرة لو استمرت بهذا المنوال فستعلن - القاهرة-فى عام 2030 مدينة «ميتة» أى تنخفض فيها سرعة الحركة على المحاور الرئيسية إلى ما دون الـ10 كم / ساعة، وهذه الصفات تؤكد أن هذا المكان ليس بيئة عمرانية مناسبة لمزاولة الأعمال ولا لحياة السكان بجانب ارتفاع المخزون الحرارى للكتلة العمرانية وزيادة معدلات التلوث «الجزيرة الحرارية العمرانية» والتى ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 2019 وهذا ما يفسر زيادة الحالة الحرارية عن الدرجات الفعلية وتوقف حركة الهواء فى أوقات كثيرة من العام.

وأشار إلى الإجراءات المتخذة لتطوير البيئة العمرانية وتحسين جودة الحياة، فالكثافة السكانية فى الوضع الحالى 500 شخص / فدان ونهدف لتخفيضها إلى 250 شخصا / فدان وذلك من خلال التوسع فى إنشاء وتنمية مجتمعات عمرانية جديدة وخلخلة العمران القائم، كما تبلغ نسبة الاستعمالات غير السكنية حالياً 30 - 35% ونهدف لتخفيضها إلى 20 - 25% من خلال إتاحة فرص عمل فى الأنشطة الرئيسية والإنتاجية، كما نهدف لتخفيض نسبة البناء من 70% فى الوضع الحالى إلى 50% وهذا ما حدا بنا لاتخاذ الإجراءات لوضع اشتراطات تخطيطية وبنائية جديدة لحوكمة وضبط العمران وخصوصاً فى إقليم القاهرة الكبرى، وكذلك زيادة نسبة الطرق إلى 30% (تبلغ نسبتها حالياً أقل من 20%) وذلك من خلال رفع كفاءة وتوسعة الطرق الحالية وإنشـاء طرق جديدة، وهذا ما يفسر اهتمام الدولة بمشروعات الطرق والتى تسهم فى ربط العمران القائم بالتجمعات العمرانية الجديدة، مؤكداً أن هذه الإجراءات متسقة ومتكاملة ويجب تنفيذها مجتمعة حتى يتم حل المشكلة، فإنشاء المدن الجديدة ليس الحل الوحيد ولكن يجب خلخلة العمران القائم.

وأكد وزير الإسكان، أن المدن الجديدة أسهمت فى معالجة الخلل فى التوزيع الديموجرافى للسكان، حيث زادت نسبة سكان إقليم القاهرة الكبرى لتمثل 23٪ من سكان الجمهورية فى عام 2015 وهذا خطر كبير جدا أن يتواجد حوالى ربع سكان الدولة فى نطاق جغرافى واحد، ولذا أسهمت المدن الجديدة فى عام 2015 فى استيعاب حوالى 4.5 مليون نسمة ولولا المدن الجديدة التى تم إنشاؤها حتى عام 2015 كانت الكثافة السكانية ستصل فى إقليم القاهرة إلى 1200-1500 نسمة/ فدان وستكون بالفعل مدينة ميتة ليس بها حركة على المحاور، مشيرا إلى زيادة المحفزات للانتقال إلى المدن الجديدة ومواجهة تحدى ثقافة الانتقال إلى المدن الجديدة بدل البناء على الأراضى الزراعية، ومن تلك المحفزات خلق فرص عمل جديدة بكل المدن الجديدة وتوفير شبكة من النقل الجماعى ورفع كفاءة شبكة الطرق الرئيسية وتوفير مستويات مختلفة من المناطق السكنية وتحقيق جودة حياة أفضل من خلال وجود المناطق الخضراء والمفتوحة ومناطق لعب الأطفال واستخدام أحدث تطبيقات المدن الذكية، مؤكداً أن العمران الذى ننشده فى المجتمعات العمرانية الجديدة ليس للسكن فقط بل هو فرص للعمل وتحسين جودة الحياة وتقديم حياة أفضل لممارسة الأعمال والسكن.

وأوضح الجزار، إنه فى سبيل إنقاذ القاهرة الكبرى فإنه من 2014 وحتى الآن تمت إضافة 8 مدن جديدة ليصبح لدينا 10 مدن بشرق الجمهورية و6 مدن بغرب الجمهورية، موضحاً أن إجمالى الاستثمارات التى ضختها وزارة الإسكان بالمدن الجديدة حول القاهرة خلال السنوات الثمانية الماضية 400 مليار جنيه.

المدن الذكية

وأكد د. وليد عباس معاون وزير الإسكان لشئون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة المشرف على قطاع التخطيط والمشروعات بالهيئة، أن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منذ نشأتها عام 1979 كانت تعتمد فى تنفيذ مشروعاتها بالمدن الجديدة على موازنة الدولة ثم تحولت للاعتماد على مواردها الذاتية منذ عام 2006، مشيرا إلى أن الانطلاقة الكبيرة فى إقامة المدن الجديدة جاءت منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية فى عام 2014 وهو العام الذى شهد إطلاق جيل جديد من المدن التى تتميز بالاستدامة وهى مدن «الجيل الرابع» بواقع 39 مدينة تركز فيها الدولة على الاهتمام بالجانب البيئى وتحسين جودة الحياة للمواطنين وذلك فى ظل تأثر العالم بالتغيرات المناخية فى الآونة الأخيرة.

وأضاف معاون وزير الإسكان لشئون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أن الدولة أطلقت استراتيجية جديدة للمدن الذكية عام 2014 تقوم على إنشاء مدن مستدامة وذكية يتم ربطها من خلال شبكة نقل مستدامة إضافة إلى زيادة رقعة المناطق الخضراء بالمدينة.

المنصورة الجديدة

وعن أحدث مدن الجيل الرابع التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرا كنموذج للمدن الذكية، فهى مدينة المنصورة الجديدة التى تقع على مساحة 7211 فداناً ومن المستهدف أن تستوعب 680 ألف نسمة بطول واجهة على الكورنيش 15 كم بحجم إنفاق على المرحلة الأولى 24 مليار جنيه، فهى عاصمة للسياحة الترفيهية ومركز جذب سكانى للإقليم ومركز للخدمات الإقليمية والأنشطة الاقتصادية على المحور الساحلي، فحسب الرؤية الخاصة بالمنصورة الجديدة أنها مدينة مستدامة وعاصمة سياحية وخدمية لشمال الدلتا ومدينة مستدامة تتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لتغيـر المنـاخ مصر 2050والتى تعمل من خلال محورين، أولهما نمو اقتصــادى مســتدام ومنخفــض الانبعاثات ويشمل (التوسـع فـى شـبكات النقـل الجماعـى المستدام-تحسـين كفـاءة الطاقـة فـى المبانـي-تشـجيع التوجـه نحو إنشـاء المـدن الذكيـة والتحـول الرقمـي)، وثانيهما المرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات المناخية ويشمل (تشجيع أنظمة حصاد المياه واستخدام أنظمة رى أكثر كفاءة-حمايــة الأراضـى المنخفضـــة فـــى المناطـــق الســـاحلية «الكـورنيش كخط دفاع أمامى حال ارتفاع منسوب البحر»-الحفاظ على المساحات الخضراء والتوسع به).

وأهــم عناصــر الاستدامــة بالمنصـــورة الجديــدة، هى مدينــة للجميــع «تحقيـق العدالة الاجتماعيــة» حيث تضم 19431 وحدة سكنية بمشروع سكـن كـل المصرييــن (6096 وحدة إسكان اجتماعي-11232 وحدة إسكان متوســط-2103 فيلات إسكان متميــز) وشواطــئ مفتوحـــة للأســـرة المصريـــة وساحــات للاحتفال والترفيه «كورنيــش أهـــل مصـــر»، فهى مدينة حيويـــة بالأنشطــة كما أنها مدينــة خضــراء بها 1800 فدان مساحات خضراء تمثل 25% من إجمالى مساحة المدينة فمعدل نصيب الفرد من المسطح الأخضر بالمدينة 12.6 وهو أعلى من المعدل العالمى (12%) وذلك فى إطـــار مبــادرة الرئيس السيسى لزراعة 100 مليـــون شجـــرة، كما تضم الكورنيــش وهو محور أخضـــر ترفيهـــى.

إقرأ أيضاً | «الإسكان»: طرح أراضي جديدة بمشروع «بيت الوطن» للمصريين في الخارج