محمد علي السيد يكتب: جمال الغيطاني.. مراسل حربي

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني

مثلث ثلاث صور.. خلفية مكتب الأستاذ جمال الغيطانى.. قمته أرنست همنجواى أشهر مراسل صحفى عسكرى فى القرن العشرين، وأشهر كتّاب روايات الحرب.. ويمين القاعدة، الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة وشهيد حرب الاستنزاف.. ويسارها تشى جيفارا رمز الثورة فى القرن العشرين..
سألته بعفوية ..
ـ لا أرى صورة لجمال عبدالناصر !
رد بتلقائية  :
ـ عبد الناصر فى القلب ..
o    ••
جئت إلى الغيطانى.. بصفته مراسلاً عسكرياً لجريدة الأخبار.فى حرب الاستنزاف عامى (69 -1970)
 ميزته كروائى .. حسمت اختياره.

••

فى عين الروائى .. صد نمنمات الحياة فى مدن القناة وبين جنود جبهة القناة.. وهو بعايش العاصمة وكواليس الصحافة والمثقفين.
o    ••
وظهوره فى حكايات أبطال الجيش ورجال المقاومة الشعبية فى جمع مادة كتابى (حكايات  من حرب الاستنزاف) وجدته معهم فى الخنادق والمقاهى والبيوت وليالى السمر.. ورأيته فى فرحة عيونهم عائدون منتصرون من عملياتهم فى سيناء.. ينتظر عند الشاطىء.. ومعه الفدائى الآخر مكرم جاد الكريم كبير مصورى أخبار اليوم.
وحميمية اللواء محمد أمين الكنزى.. الحاكم العسكرى للسويس.. أيام الحصار الإسرائيلى فى حرب أكتوبر (24 أكتوبر1973- 2فبراير 1974) وهو يطلب منى تليفونات الغيطانى.. وأن أحقق بينهما اتصالاً ليلتقيا فى حوار خاص عن ذكريات القتال.
فرحة طفولية.. فى عين اللواء معتز الشرقاوى.. أحد أبطال الصاعقة.. ممن استولوا على موقع بورتوفيق الإسرائيلى فى 1969.. وجاء بعدها فى عملية أخرى بأول أسير إسرائيلى.. قدم لى فى لقائنا..صفحة من جريدة الأخبار بتحقيق للغيطانى  (عيد الجبهة).. وكيف يقضى المقاتلون أيام العيد.
فى أحد أعمدته.. وصف  هذا المقاتل الشاب وعلاقته بجنوده.. بعنوان فرعى (معتز).. عندما أبلغته بذكر اسمه فى كتاب (المصريون والحرب)  74 19عن روزاليوسف.. حصلت  على نسخته بصعوبة بالغة.. قلب اللواء معتز الدنيا بحثاً عنه ولم يهدأ إلا بعدما تنازلت له عن نسختى.
وشخصية علاقة رجال المقاومة الشعبية بالسويس، به..، فعندما قدم  بعضهم لمكتبى 
كانوا قادمين  من مكتبه (كلنا بمؤسسة أخبار اليوم)، فهو مقصدهم فى القاهرة بحميمية صداقة القتال..
o    ••
حدد لى ساعة واحدة فى بداية يوم عمله.. 
فأثرت رؤوس موضوعات.. تولد تداعياته
وتركزت استجابته فى ردين
-إجابة مركزة مختصرة.. وعرفت من المحيطين أنه (حكاء عظيم) فى ساعات الصفاء..
ثانيهما..تبرق عيناه بجمال فكرتى ويجيب إن فلاناً هذا له حق فى رقبتى.. للكتابة عنه.. 
••
وبحكم العند الصعيدى حولت الأمر ميزة.. برحلة فى كتاباته
 فى فترة حرب الاستنزاف، وكتابه (المصريون والحرب) وروايته.. من أوراق شاب مصرى عاش، منذ ألف عام وقصصه عن الحرب ( أرض ـ أرض) وحكايات الغريب.. ورواية  (الرفاعى) ..
. محرراً عسكرياً وقصاصاً..
o    ••
الأدب.. باب دخول الغيطانى..للصحافة وتطوير  أسلوب كتابةالتحقيق الصحفى .. بتجربة ثرية  فى الصحافة العسكرية.. فى حربى الاستنزاف و أكتوبر..  قال كنت شبه مقيم فى الجبهة من أغسطس 69 وحتى 24 أكتوبر74 19( بعد حصار السويس)..
بدأ عمله من باب الهواة.. فى مدرسة  عبدالفتاح الجمل بجريدة (المساء) وجاء حماسه بعد هزيمة67 
قال إنها مفصل حياة جيلى.. جيش مهزوم لم يدخل معركة، أشياء مضحكة بلا إجابات شافية بأن نتلقى الضربة الأولى، ثم نرد .. 
.. وبدأت أنشر قصص فى جريدة المساء تعبر عن الهم العام الذى أصبح هماً خاصاً.. مثل قصة (فى الحشد).. وقصة أخرى عن دورية أسرت ومحاولات الحصول على اعترافات قائدها المصرى.. ثم بدأت أستعرض دروساً من التاريخ العسكرى.. وأصدرت أول كتاب (أوراق شاب عاش منذ ألف عام).. لها علاقة بالنكسة فى رد معنوى على الهزيمة..
o    ••
ركز الغيطانى فى مجموعته الأولى.. على تصوير حلم النصر المرتقب.. وحالة الإحباط التى انتابت المثقفين والشباب وكل طوائف الشعب.. لكنه حمل رسالة هامة  (إن ذلك أمر زائل)وكم عانينا قبله من أهوال..والصعاب تمضى والأعداء ترحل ويبقى الشعب المصرى.. 
فى المجموعة نوع من المواساة للناس والمؤازرة.. ودعوة للصبر والانتظار والأمل..
نتوقف كثيراً عند عبارات يقولها على لسان أبطاله ..
(لم أع من قبل معنى وجود كلاب فوق أرض بلادى .. شىء لزج، حقير، أهان رجولتى!!
كم من أيام سوداء مرت بنالكننا بقينا لأننا الأبقى !!)
••
لفت انتباهى .. أن بطل القصة الأولى.. قدم حلاً لأزمته النفسية بالسفر إلى الإسماعيلية.. ليكون على  وسط المقاتلين.. ووجدت أعمال الغيطانى  عن السويس.. فسره لى..
ـ كنت أجد فى السويس (ناس) بينما باقى المناطق كانت  خالية.. ووجدت فى السوايسة جدعنة شديدة، ولأن مدينتهم قديمة.. فقد كانوا أكثر ارتباطاً بها.... وجدت أنه يمكننى الإقامة فى أى بيت فى السويس.. (بلد الغريب)، ارتبطت بقهوة رواش ، وبالكابتن غزالى وفرقة أولاد الأرض.. وحسن السودانى بائع الجرائد ونماذج بشرية جميلة ظهرت فى موضوعاتى وقصصى..••
o    ••
صدرت أول مجموعاته   بداية 1969 واستقبلها استقبالاً حسناً كل من د. لطيفة الزيات ود.على الراعى ثم الأستاذ محمود أمين العالم  رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ..
يؤكد الغيطانى.. لم ألتق بالأستاذ العالم، قبل أن ينشر فى إحدى يومياته مقالاً جميلاً عن مجموعتى ووجدت لزاماً على أن أذهب لمكتبه لأشكره.. وفوجئت : (ما تيجى تعمل معنا فى أخبار اليوم)..
 كنت أعمل فى مؤسسة التعاون الإنتاجى فى تخصص السجاد.. وأخشى الصحافة وتأثيرها السلبى على الكتابة الأدبية.. وحاولت الاعتذار.. فطرح العمل  فى قسم المعلومات لأستفيد منه وأكون قريباً من الصحافة والأدب.. وعملت مع د. أحمد حسين الصاوى ود. حسن رجب.. ستة أشهر..
••
عدد 18 مارس1969.. كتب الأستاذ محمود أمين العالم، يوميات الأخبار بالصفحة الأخيرة ( يوم اثنين)..عن مجموعة مذكرات شاب عاش منذ ألف عام ••إنه عمل أدبى جديد .. فيه عتاقة التاريخ القديم وتحس فيها بالمعاصرة الحميمة.. وقد أستحدث الغيطانى أسلوباً جديداً.. هو (القصة التاريخ).. أى القصة التى تصاغ فى صور تاريخ، أو التاريخ الذى يصاغ فى صورة قصة..
o    ••
الملفت أن نصف المقال الأول.. عن الفريق عبدالمنعم رياض رئيس اركان حرب الجيش النصرى بعد عشرة أيام من أستشهاده فى الجبهة..
o    ••
 عن مجموعته الأولى.. فى مقدمة كتابه (المصريون والحرب) يكشف حقيقة تفكيره بعد خمسة أعوام من صدورها :
لم يكن أمامنا بعد هزيمة67 إلا طريقان.. أولهما طريق مؤد إلى عمق التاريخ المصرى، نرى خلاله كيف واجه الآباء والأجداد مواقف أكثر قتامة.. والثانى .. مواجهة الحاضر برفض الهزيمة ..
o    ••
يقول الغيطانى : فى سبتمبر69.. جاء أنور السادات مشرفاً على مؤسسة أخبار اليوم، فأعاد الأستاذ موسى صبرى للعمل رئيساً لتحرير الأخبار من جديد، وكان قد نقل منها لجريدة الجمهورية .. واكتشفت  أنه كان متابعاً لكتاباتى ..وعرف بعملى فى الأخبار.. وقال لى إنت كاتب موهوب.. مكانك فى قسم التحقيقات فقلت موضحاً.. أنا أعتبر الصحافة.. أكل عيش.. مستريح  فى قسم المعلومات.. 
لكنه أصر.. وأنزعجت جداً.. ولجأت لصديق مشترك  د. محمد عودة.. الذى قال لى إن موسى صبرى حرفى وأستاذ فى الصنعة واسمع كلامه.. وافقت وفوجئت من جديد بموسى صبرى يطلب منى السفر إلى الجبهة  لأكتب تحقيقاً .. ووجدت أننى سأعايش فترة تاريخية لن تتكرر.. فقد بدأت حرب الاستنزاف وتتوالى يومياً أخبارها، وأصطحبت الأستاذ الفنان مصطفى حسين وزرنا مدن القناة الثلاث..وعدت لأكتب مقالاً بعنوان (المقاتل المصرى.. كما رأيته على خط النار) وكان مفروض  نشره فى مجلة آخر ساعة.. لكنه  نشر فى الأخبار فى 
20 يونيو69.. بالصفحة الثالثة بقلم جمال الغيطانى ورسومات مصطفى حسين 
••
عرفت  بعد سنوات  وفى آخر زيارة لى للفريق محمد فوزى، وزير الحربية فى حرب الاستنزاف، .. أن الرئيس جمال عبدالناصر.. قرأ المقال.. وقال ذلك ما نحتاجه فى الكتابة عن قواتنا المسلحة..
o    ••
 كانت المعركة الإسرائيلية موجهة ضد الإنسان المصرى، بادعاء أنه  يصنع حضارة فقط، لكن ليس محاربا ، فأثبت بلقاءاتى  أن الإنسان المصرى صانع حضارة ومدافع قوى عنها  أيضاً.
o    ••
توقفت أمام خطوط ورسومات مصطفى حسين، بعد مراجعة ممتعة لمجلدات الأخبار  من يوليو 67 وحتى ديسمبر  1970 لاحظت بداياته فى فن الكاريكاتير.. لكنه هنا فى الحياة وسط المقاتلين..
أنطلقت خطوطه بسيطة جميلة واضحة  أعطاها (موسى صبرى) بهذه المرحلة دفعة جديدة فى مسار حياته الفنية بعدها .
o    ••
 جمال الغيطانى.. فى موضوعه.. روائى قد كبل موهبته .. أمام شحنة معنوية  فى الجبهة، ليقدم عملاً صحفياً خالصاً، فى منطقة وسط بين جماليات السرد الادبى ، وبين المعلومات الحيةو الكثافة  اللغوية والسريعة فى  الصحافة.. فقدم حالة جديدة تثبت عبقرية موسى صبرى لتستفيد الصحافة والأديب 
••
لم يتوقف  الغيطانى عند الأسئلةالصحفية المهنية  ••الشقيقات الخمس(متى وماذا وكيف وأين ولماذا) وحكى عن الجبهة.. وصف دخوله مدينة السويس.. إحساسه بأجوائها.. تواصله مع الجنود.. حركته بينهم..ودخل فى الحكاية مباشرة.. دون مقدمات صحفية تقليدية 
o    ••
لو دخلت الجبهة.. وأكمل تحقيقه..
••
•• مهنياً أستوقفنى .. من عشرة تحقيقات على مدى سنة (360عدداً يومياً).ملاحظات..
أسلوب جديد فى الصياغة الصحفية.. أستثمر الأدب بقوة وأضفى جمالاً، ودقة ملاحظة ونمنمات إنسانية.
اهتمام ثابت.. بالمقاتل المصرى العادى (النفر).. فلم يلتق الغيطانى خلال هذه الفترة بأى قائد عسكرى كبير فى أى حوار..
تأكيد على بساطة الجندى وصدقه وشجاعته.. بيان عملى عن أسمه وأسم قريته وأحلامه ••صورة محبوبته فى محفظته ، ينتظر النصر ليتزوجها.. أم تروى أرضاً  يتمنى مساعدتها وزمالة وصداقات 
أعجبني تحقيق عن زيارة جمال عبدالناصر للسويس فى عيد الفطر  2 يونيو 1970الصفحة الثالثة (كيف التقى عبدالناصر بالمقاتلين)
رصد فرحة الزيارة من جنود عاديين.. عبروا بتلقائية عن فرحتهم ودهشتهم وبساطة القائد معهم.. مما أعطى صورة جميلة لرد فعل.. أكثر تأثيراً من وصف مباشر لحماس الزيارة والمسئولين  ..
يحسب للأستاذ موسى صبرى.. تركه الغيطانى يكتب بطريقته دون تدخل، رغم أن لمؤسسة أخبار اليوم قواعد واضحة (خبرية مباشرة) فى كتابة التحقيق الصحفى.. بل وترك له العناوين  (لغة المدافع)  عن تدريبات المدفعية..
الغريب أن هذا الأسلوب لم يتأصل فى المهنة، ولا_تجد مشابهاً له إلا اجتهادات بسيطة لبعض الصحفيين ذوى الاهتمامات الأدبية وبرصد دقيق عددهم لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة..
o    ••
يستكمل الغيطانى  عن بداياته..
بعد أول موضوع بفترة.. كنت فى طريقى لمبنى المؤسسة.. فإذا بسيارة صغيرة تقف بجوارى بها الأستاذ موسى صبرى يطلبنى للقائه فى مكتبه.. وعنده وجدت خطاب أعتمادى محرر عسكرى للأخبار وتوالت موضوعاتى..
 كشفت عن سر غرق الغواصة الإسرائيلية (داكار)
 صورة لأول سقوط للطائرة الفانتوم الإسرائيلية مع الزميل مكرم جاد الكريم ونشر التحقيق فى 2 يوليو70.. (انتهاء أسطورة الفانتوم)..
 تابعت معظم دوريات العبور.. والتقيت برجالها..
••
من  مجلدات الأخبار.. تتوالى تحقيقاته   وكلها نشرت فى الصفحة الثالثة.. 

عيد الجبهة 15 ديسمبر69..
الغواصة الإسرائيلية دكار أغرقتها البحرية المصرية وتم13 - 12 - 1968ونشرت فى عدد الأخبار 1يناير70
لقطة إنسانية عن شهيدين من شدوان 30 يناير1970
 كيف التقى عبدالناصر بالمقاتلين  2 يونيو
 الإنسان المصرى على خط النار  3 يونيو
الأرض تخضر تحت دوى المدافع  4 يونيو
 لغة المدافع  8 يونيو .
 استعدادات القتال التى لم تتم وراء خطوط المواجهة  28يونيو
 هنا انتهت أسطورة الفانتوم  2يوليو
 ما هى الصورة بعد عام من غارات الطيران الإسرائيلى  22يوليو
 أنت مسئول عن أمن الوطن 4 يوليو
 كيف أسرنا الطيارين الإسرائيليين 5 أغسطس
 ماهى الصورة الآن فى جبهة القتال المصرية 18 أغسطس
 وجوه مصرية من جبهة القتال  24 أغسطس
لقاء القادة بالمقاتلين 1 سبتمبر
 القوات المسلحة تدلى برأيها فى الاستفتاء على رئاسة الجمهورية 16 أكتوبر
 صورة الجبهة بعد امتداد وقف إطلاق النار 29 نوفمبر
العيد فى الجبهة 2 ديسمبر
 ملحمة العمال المصريين وبناة قواعد الصواريخ 27ديسمبر1970
••
حرصت على هذا الرصد .. لعدة أسباب.. 
أولها أوضح حجم الجهد الذى بذلته وسط مجلدات الأخبار الضخمة (20مجلداً) لأربع سنوات.. 
ثانياً.. للمهتمين بدراسات الإعلام لدراسة أسلوب تحقيق صحفى يستحق الرصد..  لتحديد معالمه، ليستفيد منها الآخرون  .
 لى أيضاً ملاحظتان ..
حرص الغيطانى على رصد تواجد نساء فى القطاع الريفى بالسويس يمارسن حياتهن تحت قصف المدافع..
رصد .. اللمحات الأولى لشخصيات بعض قصصه أثناء ذلك وبعده.. وتوقفت  أمام  نماذج ..
 خطاب شكوى عن مقاتل فى الجبهة، فصل من عمله فى مصنع الألبان.. كتبه الغيطانى بأسمه فى
موضوع (وجوه مصرية من جبهةالقتال )24أغسطس70 وطوره فى قصة (شكاوى الجندى الفصيح).. على وزن شكاوى الفلاح الفصيح..  هموم مصرية قديماً وحديثاً.
إنسان بسيط فى السويس بلا مأوى أو مصدر رزق لكنه يحيا ويشارك فى القتال رصده فى قصة (سبوبة).


••


ثم أهم ملاحظة

 
روايته ..(الرفاعى )تطوير لقصة (القلعاوى )فى مجموعة أرض ـ أرض )فهما شخصية واحدة.. لكنه نشر القلعاوى قبل أن يفك الحظر العسكرى لنشر الأسماء.. لينشر اسم العميد الرفاعى قائد المجموعة 39 قتال التى أقلقت العدو  فى كل مكان.. وفى الحالتين لم يخرج من أسر الشخصية الفذة..
بهرنى  فى شخصية إبراهيم الرفاعى التقدير والاحترام الدائم من رجاله بما أذهلنى..لاقيتهم وقد أنهوا خدمتهم  برتبة لواء مخابرات  ومرور 30 عاماً على استشهاده إلا أن أياً منهم لم يقل (أنا) فجميعهم يقولون إن الرفاعى هو قائد كل معجزات القتال..
 عاطفياً أتحيز إلى قصة القلعاوى.. فيها صدق أكبر.. وأجد الغيطانى أقدم على كتابة رواية الرفاعى  وبأسم مباشر للهروب  من إحساس •¥إنك أمام شخصية يعجز القلم عن رصدها..
 لفت أنتباهى إغفاله للمساعد الأول لإبراهيم الرفاعى وهو اللواء عالى نصر .. فهو وإن كنت لم أحظ بلقائه إلاأننى سمعت عنه العجب العجاب.. ولم أكتشف دوره للأسف إلا بعد وفاته بشهر .
ملاحظة أخيرة.. أن ما كتبه الغيطانى من أعمال قصصية وروائية عن الحرب لم يصل إلى عشرين قصة، رغم زخم الجبهة بالنماذج الروائية.. 
فأكد أن لديه هناك مشروعاً كبيراً لذلك 
   ••
ويقول الغيطانى:
كما عشت الحرب فى الجبهة.. لامجال هناك أبداً للون الرمادى.. إما أن تكون شجاعاً أو جباناً.. لأنك دائماً بين الحياة والموت، والعلاقات فى الجبهة لها عمق إنسانى كبير.. زمالة حرب.. لا تنسى مهما تقدم العمر.. لولا حرب الاستنزاف ما قامت حرب أكتوبر وقد دخلت فى مشاكل قضائية مع د.عبدالعظيم رمضان، حول حرب الاستنزاف..
فى الجبهة أشياء كثيرة لا يمكن أن تنسى.. مثلاً.. اللواء أحمد سلامة غنيم قائد إحدى فرق الدفاع الجوى.. عندما سقطت قنبلة ألف رطل على موقع فرقته ولم تنفجر.. فإذا به يجلس عليها ويشعل سيجارة ليشجع رجاله.. من ينسى ذلك..
كنت الصحفى الوحيد الذى دخل غرفة قيادة الدفاع الجوى، وكان وقتها مفاجأة حرب الاستنزاف.. تم تدريبى على السرية

•• وجدت أن الإنسان المصرى عندما يجد قيادته فى المقدمة معاً يقدم لمصر أكثر من العمر.. اللون الأخضر فى القطاع الريفى، لون الزراعة.. كان يستفز اليهود فحياتهم صحراوية.. فكانوا يطلقون قنابل فسفورية لحرق الزرع.. فى القناطر الخيرية وترعة الخطاطبة عشت مشروعاً رائعاً للعبور فى نموذج يعد نسخة من قناة السويس.. 
الرفاعى لم ألتق به سمعت عنه من رجاله من صداقته للزميل عبده مباشر.. من قرابته للزميلة مها عبدالفتاح وأنبهرت به وبأعماله.. هناك واجب فى رقبتى للكتابة عن اللواء الفاتح كريم واللواء بدر حميد..
صحافة ذلك الزمان.. كانت آخر العصر الذهبى للمهنة.. صالة التحرير التاريخية للأخبار لو كتب تاريخها لكتب تاريخ مصر المعاصر.. كان فى مصر كلها عشر عربات ميكروباص بها تليفون مباشر.. كان لأخبار اليوم واحدة منها.. كنت أستقلها للجبهة وأملى موضوعاتى تليفونياً منها.. كنت أظل أحياناً أربعة أيام كاملة بلا نوم.. أجمع معلوماتى وأحضر للجريدة أكتب وأتابع الطباعة بلا كلل وكانت صحتى أفضل من الآن كثيراً رغم الراحة..
مخاطر كثيرة.. واجهنا الموت فى كل لحظة.. آخرها فى 24 أكتوبر73.. بعد علامة الكيلو 101 حيث وصل الإسرائيليون على طريق السويس ـ القاهرة.. نفذت علينا غارة وأصيب الميكروباص وأصبنا.. قام الزميل الراحل حسن غنيمة مراسل الأهرام فى السويس بإبلاغ موسى صبرى بالحادث.. وموسى صبرى قلب الدنيا.. وأرسل لنا عربة مخصوص.. وعدنا ووجدنا المؤسسة مقلوبة.. وقمنا بتقديم موضوعنا أنا ومكرم جاد الكريم وتابعناه ونحن (مربطين) من الإصابات..
أيام جميلة وذكريات لا تمحى .. ياه .. زمان .
o    ••
 كلمات من تحقيقاته وقصصه العسكرية:
^ لكى تصيبك قذيفة يجب أن يكون اسمك عليها .
^ نفر أصلها (نفرت) فرعونى.. تطلق على الجنود بمعنى الشاب الصالح.
^ المصريون لم يعملوا مرتزقة فى جيوش أخرى.. إنما دائماً يدافعون عن أرضهم.
^ من خلال المراقبة.. يعايش جنودنا العدو.. أكثر مما يعايش هو نفسه .
^ (تعلب)  ضابط لم يغادر موقعه منذ 6شهور..
^ فى الحرب حوار دافىء وعميق وعلاقات تستمر طوال العمر.
^ لو سودت آلاف الصفحات عن جنودنا فى الجبهة.. فلن يكون إلا خدشاً فوق سطح متعدد العمق.
^ فى الجبهة لا تتلون المشاعر..
^ كنت أظن أن رواية التاريخ تضفى للحدث أبعاداً لا يحتويها الحدث ذاته، لكن فى أرض الواقع كمراسل حربى، شهدت بعينى أن ما يبديه الإنسان المصرى من بطولة ما هو إلا خدش على سطح متعدد الأعماق لا ينفذ إليه إلا من عاشه.
^ كل سنة وانت طيب.. لكن العيد الكبير يوم انتصارك انت وإخوانك.. (من رسالة أم لابنها فى الجبهة)..
^ أرضى ما سابتنيش ساعة الأمان.. أقوم أسيبها ساعة الشدة.. (فلاح من القطاع الريفى بالسويس)..
^ العسكرى سهران يحمينى أنا وأسرتى.. لو طلب منى أعمل صوابعى شمع أنورهاله (فلاح).
^ لم نواجه عسكرى إسرائيلى بوجهه أبداً .
^ لا شىء يعز على مصر ..
^ عصفوران لونهما أخضر .. ينزلان فجر كل يوم.. صوتهما أحن من الحنين وأطرى من قلب الأم..
^ بعض الجنود يقبلون الدانات قبل زجها فى المدفع ويهمسون لها بكلمات .
^ لو أحصينا عدد من قتلوا دفاعاً عن مصر .. نستمر فى الإذاعة مائة عام بلا توقف..
^ والخامسة.. أفقر لحظات النهار وأشد الأوقات حزناً .
^ لا بهجة تعادل سماع أصوات البشر بعد القتال ..
^ لا شىء يبعث الرهبة إلا نزول السكون الأجوف الكلى قبل المغيب..
^ مات ميتة نتمناها كلنا.. جاءت الشظية فى موقع القلب تماما

جمال الغيطاني

جمال الغيطانيجمال الغيطانيجمال الغيطاني