أنا راسبة.. ولكن!

أنا راسبة.. ولكن
أنا راسبة.. ولكن

أبلغها شقيقها بالنتيجة همسا فى أذنيها، نظرت إلى الأرض خجلا، ثم أطبقت بيديها على يديه، اقتربت منه وحدثته متوسلة، «رجاء، لا تخبر أمى، فالأمل يرتسم على وجهها، وقد تتحول لحظة الانتظار إلى نوبة انكسار، وقتها سنخسر جميعا»..

تجاهل شقيقها تعبيرات وجهها المنهزمة والمستسلمة، أمسك يديها بشدة، واندفع بها إلى حجرة نومها، أغلق الباب، وبدأ فى محاكمتها.

عشرات الأسئلة حاصرت الفتاة، دارت معظمها حول مجموعها الضعيف وغير المتوقع فى الثانوية العامة الذى لم يتجاوز الـ50%، كان شقيقها كالقاضى الذى يبحث عن إجابة مقنعة لما حدث، فهو مطلوب منه أن يخبر والديه بنتيجة ابنتهما التى طالما وضعوا آمالا كثيرة عليها لتصبح طبيبة أو مهندسة، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن.

ظلت الفتاة صامتة أمام اندفاع الأسئلة، تراقب بعينيها شدة أخيها وغضبه منها، ومع ضغطه واقترابه من ضربها والاعتداء عليها، انفجرت فى وجهه، ثم كشفت الأسباب.

لم تتوقف الفتاة عن الصراخ فى وجه شقيقها، طالبة منه أن يتوقف عن نعتها بالفاشلة، وعليه أن يحمد الله أنها تخطت المرحلة الثانوية بأعجوبة، اقتربت منه وأخذت تنظر فى عينيه بشدة، ثم أمسكت بصورة كانت تزين «المرآة» التى بحجرتها، وألقتها فى وجه أخيها، وطلبت منه أن يدقق النظر جيدا وأن يقرأ ما دونته خلف هذه الصورة.

حاول شقيقها تجاهل رد فعلها، طلب منها أن تجيبه عن سبب فشلها فى الثانوية العامة، لكن صرخات الفتاة ارتفعت، اضطر إلى الصمت كى لا تسمع والدتهما جدا لهما، حتى بدأ الهدوء يسود المناقشة، ثم أمسك بالصورة وأخذ يقرأ ما دون خلفها.

كتبت الفتاة «فى هذا اليوم أصبحت يتيمة الأب، انفصل والدى عن أمى.. وتزوج من امرأة أخرى، وترك المنزل وغادر» وفجأة وشقيقها منشغل بالقراءة، انتزعت منه الصورة، أمسكت القلم وأضافت «ولم يعد حتى الآن».

حاول شقيقها أن يتهرب من مواجهتها، أبلغها أن هذا ليس مبررا للرسوب فى الثانوية، فكل الأمور كانت مهيأة للنجاح والتفوق، هناك تقصير منك، يستحق العقاب، قاطعت الفتاة حديث شقيقها، جلست بجواره، وطلبت منه أن ينظر إليها جيدا، وسألته هل تعرف كم كان عمرى فى هذه الصورة، ثم أجابت، لم أتجاوز العام الحادى عشر، كنت وقتها طفلة صغيرة، لا تعرف ماذا حدث؟، لماذا يتشاجر أبى وأمى يوميا؟، أصواتهم كانت تخيفنى، كثيرا ما رأيت أمى تبكى، أما أبى فكان يحتضننى بعد كل خلاف معها، ثم يخرج مسرعا من المنزل ولا يعود إلا متأخرا، بعد أن يسرق النوم الجميع.

وتابعت الفتاة «لقد تجاهلنى الجميع وقت الأزمات، كنت أنت وشقيقى تخرجان، تلعبان، تذهبان للنادى أو المقهى، أما أنا فلا أجد أحدا بجوارى، والدتى تغلق عليها حجرة نومها، ووالدى إما مشغولا بالتليفزيون أو فى الخارج على المقهى، حتى حدث الانفصال بينهما، وغادر والدى المنزل، إلى بيت آخر وزوجة أخرى وأطفال آخرون».

هل تتذكر يوم أن كانوا حولى كيف كنت متفوقة فى المرحلة الابتدائية، حصلت على المركز الأول فى المدرسة، كل الهدايا التى منحها لى والدى ووالدتى أحتفظ بها فى دولابى حتى الآن ، هى أشياء جميلة تذكرنى بالعائلة والاستقرار، كلما نظرت إليها وتحسست بيدى عليها أشعر بالأمان الذى كنت أعيشه وسط الجميع» .

حاولت يا شقيقى أن أتعايش مع الواقع، لكن كان مشهد وقوفى وأنا طفلة أمام القاضى فى المحكمة وسط أبى وأمى وهما يتنازعان بمثابة الصدمة التى صعقتنى مرة أخرى، لقد قتلت بداخلى الدافع للمذاكرة، لكن دعنى أسألك، ماذا يمثل لك الأب؟ ، مهلا سأعفيك من الإجابة، هل تعلم أننى لم أر والدى منذ 7 سنوات رغم أنه يسكن بجوارى، لم يكلف نفسه حتى الاتصال بى، ولم يحضر ولو لدقيقة إلى منزلنا، لا يعرف فى أى عام دراسى أنا، ولم يصطحبنى ولو مرة واحدة إلى المدرسة أو حتى مراكز الدروس الخصوصية.

كنت أحلم مثل الفتيات أن أخرج من المدرسة فأجده فى انتظارى، أليس هذا من حقى، لماذا حرمتنى منه أمى وأنا طفلة.. أجب قبل أن تحاسبنى.
نعم أنت وشقيقى سعيدان، فما تريدانه هو المال الذى يغدقه عليكما، لكسب ودكما، أما أنا فلست فى حاجة الى مال، أنا أبحث عن حنان، عن أبى، عن سند، عن شخص اتباهى به وسط اصحابى.

كثيرًا ما كنت أحاول أن أذهب إليه، أريد أن أرتمى فى حضنه، هذا حقى، هذا أبي ، نسبى إليه، أتساءل باستغراب: هل خلاف بسيط يتحول الى انفصال فيحرم الأطفال من آبائهم، أى قانون يسمح بذلك، وأى قلب لا يتوقف عند هذه المأساة.

كل ما كنت أريده ومازلت هو أبى، فأنا اعيش على ذكرياتى معه، واتذكر كيف كان يرقص معى عندما تم تكريمى من المدرسة ، بعدها اخذنى فى رحلة طويلة لمدة يومين لرسم السعادة على وجهى، أنا اريد ذلك الأب فى حياتى ، احلم به ليل نهار، كلما أمسكت الكتاب اغلقته ، فأنت لا تعلم كيف تتحدث زميلاتى عن آبائهن، أنهم يصطحبونهن معهم إلى الدروس ينتظرون حتى ينتهين فيمسكوهن بأيديهم، ويمنحوهن الأمان الذى افتقده.

عليك ان تعلم أننى لا أريد بنكا متنقلا، فقط عندما استيقظ فى الصباح أريد أن أجد أبى يقرأ الصحيفة ، فألقى بجسدى كله فى حضنه، ابحث عن من يدللنى، أنتم قساة معى ، تعاملوننى كأنى «عيب» ، يجب الا تخرج او تذهب بمفردها ، والاف المحظورات تضعونها امامى ، فارتضى ان اجلس معزولة فى حجرتى.
نهاية ياشقيقي، ليس لك الحق فى أن تحاسبني، وليس لغيرك كذلك ان يعاقبنى، رجاء اذهبوا وعاقبوا من حرمونى من أبى، من سندى ، من الشخص الذى تمنيت ان اكون مثله ، فقد اصبح بعيدا عنى ، لديه اسرة اخرى يعيش معها ، لديه اطفال ، هل تتخيل ، أبى الذى كان يدللنى، يخبرنى انى دلوعته الصغيرة وابنته الوحيدة، ولو طلبت قطعة من السماء سيجلبها لى، لم يعد موجودا معى، أصبح غريبا عنى، تفصلني عنه عشرات الأمتار لكنه يخشى زيارتى، وأمى تمنعني حتى من النظر إلى صورته ، فأى نتيجة تنتظرونها منى؟

حقيقة يا شقيقى لم استطع ان اخلق لنفسى طموحا ، لم أجد الدافع والمشجع والسند ، وجدت اسرة مفككة ، كل شخص يبحث عن راحته ، عن سعادته بعيدا عن الآخر .

الآن اطلب منك وبكل ثقة دون خوف «أن تخبرهم بكل شيء، لم أعد أخشى أحدا، قل لهم أنهم السبب فى هذا المجموع المتردى، ردد عليهم ما سمعته منى، لا تخفي شيئا، هم الآن منقسمون، أمى تريد مجموعا عاليا، لتثبت لأبى أنها حافظت على البيت بدونه وأم بـ100 راجل، وابى رغم أنه يحبني، فإنه لم يعد يهتم بشئوننا، ولا يعرف فى أى عام دراسى أكون ، لقد وجد ما يشغله ، لديه أبناء ، هم أولى برعايتهم منى .

اخرج يا شقيقي الى والدتى، اخبرها ان تحديها فشل، ان ابنتها لم تستطع نصرها على والدى، ذكرها كم مرة سألتنى هل تشتاقين إلى ابيكِ ام لا، ولكن لا تذكرها كم مرة مدحت لى فى أبى، لقد رسمت صورة سوداء عنه فى عقلى كلما سألتها عن حياته معها، فهل بعد كل ذلك تنتظرون منى النجاح والتفوق، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوني.

إقرأ أيضاً|دراسة تحذر: تطبيقات صحة المرأة تسرب البيانات