عاجل

«نمت ننه» و «ياتى ياتى».. كلمات «KG 2» تضع المطربين فى مأزق لهذه الأسباب

أغنية ياتى ياتى لمحمد دياب
أغنية ياتى ياتى لمحمد دياب

كتب: ريزان العرباوى

تعتبر الكلمة عنصرا هاما وضلعا أساسيا في صناعة الأغنية، فالكلمات أدوات محركة ومؤثرة في التعبير عن المشاعر، لكن بعد أن تحولت الأغاني من مخاطبة حاسة السمع إلى مخاطبة الجسد والدعوة إلى الرقص والصخب، فقدت الكلمة رونقها ورقيها واستبدلت الجملة الشعرية المعبرة بكلمات ركيكة، فهل تحول سوق صناعة الأغنية إلى ما يشبه سوق الجمعة لبيع واستبدال قطع الغيار بدل من إصلاح المنتج؟، فبين الحين والآخر تظهر أغاني تحمل كلمات من فصيلة بوس الواوا وغيرها، ومؤخرا طرحت روبي أغنية بعنوان نمت ننه، في نفس الوقت الذي روج فيه محمد دياب لأغنيته الجديدة التي حملت عنوان ياتي ياتي.. فهل سيترك هذا النمط الغنائي تأثيره على الذائقة الموسيقية لدى المستمع؟، أم أنها مجرد حالات غنائية مرتبطة بأجواء صيفية؟.

 

في عشرينيات القرن الماضي ظهرت تقليعة “الهنك والرنك” التي تعتمد في تكوينها الأساسي على الغزل الصريح والتلاعب بالكلمات واستخدام الدارج منها، وعلى سبيل المثال نذكر ملكة “الكخة والدحة” وهو لقب أطلق على رتيبة أحمد، أحد أبرز المغنيات في العشرينيات وتقول الأغنية “أنا لسه نونو في الحب بونو.. الحب دح دح والهجر كخ كخ”، وفي التسعينيات واجه المطرب الشعبي أحمد عدوية موجه من الإنتقادات بسبب أغنية “السح الدح امبو” التي قدمها عام 1969، ويتوالى بعدها أغاني على نفس الوتيرة مثل “بابا أوبح” وغيرها.

 

ومع إستمرار تلك القوالب الغنائية، وإن كان ظهورها بشكل متقطع على فترات، توجهنا بسؤال المختصين في صناعة الأغنية عن الأسباب، وهل من الممكن أن تعتبر نوع من أنواع التمرد على الذوق العام؟، وما مدى تأثيرها على الذائقة الجمالية لدى المستمع؟.

 

يقول الموسيقار صلاح الشرنوبي: “المشكلة تكمن في فقدان الهوية المصرية، وتكرار هذه الظواهر يرجع إلى الهوية التائة بين الأغاني البلاستيكية والمهرجانات والأغاني الصاخبة، فكلا يغني على ليلاه، محاولا البحث عن منهج جديد في الغناء، والكلمة هي البداية أما عن القوالب اللحنية فهي متغيرة وفقا لتغير الزمن، فالقوالب اللحنية السابقة لم تعد صالحة للإستخدام لعدم تماشيها مع ذائقة الشباب والأجيال الجديدة، وهي ظواهر متفشية داخل الأغنية المصرية منذ أكثر من 10 سنوات في محاولة لايجاد أغنية بديلة، ولكن للآسف الشديد لا ترتقي لمستوى الأغنية المصرية ذات القوام الراقي، بل تندرج تحت قائمة الأغاني الأكثر تفاهة التي تدعو إلى تدني الأخلاق والخلاعة والإباحية محدثة التلوث السمعي، ويعود سبب انتشارها إلى الفراغ في الكلمات واللحن والأداء الفني بشكل عام، واعتقاد المنتجون والقائمون على الصناعة بأن هذا هو ما يبحث عنه جيل اليوم، كما أن سهولة تداول الكلمات الدارجة سبب أساسي في انتشارها، فدائما السهل هو سبيل من يبحث عن المكسب السريع، كما أن تطور الحياة وزيادة الكثافة السكانية وغزو التكنولوجيا، أشياء من شأنها زيادة ضجيج حياتنا أكثر فأكثر مع مرور الزمن، مما يجعلنا نبحث عن شيء يضاهيها في الصخب لتحقيق التوازن النفسي، فجاء ضجيج الموسيقى الحديثة ردا على تغير احتياجاتنا وأسلوب حياتنا.

 

ويتابع قائلا: “للآسف هناك بعض الظواهر ستظل مستوطنة مابين المهرجانات المتفشية وأغاني الكلمة المسفة، فلن تنتهي، لأنه لا يوجد الضد الذي يظهر الحسن، وليس هناك منهج معين لإنتاج أغاني قوية راقية قادرة على إزاحة المنتج الردئ”.

 

ويضيف: “أما عن دور الإذاعات المحلية والمساهمة في انتشار تلك الظواهر، فلا أعتقد أنها تساهم في ذلك بقدر سعيها للبحث عن رزقها (عايزة تاكل عيش) بالمعنى الدارج، فتعتمد على الإعلانات التي تبحث بدورها عن الحالة الإيقاعية العصرية، وكل ما هو جاذب لإستقطاب أكبر عدد من المستمعين ومن يبحث عن ذلك هم الشباب والذى يمثل القوة الضاربة”. 

 

أصول فرعونية

كما يؤكد الموسيقار هاني شنودة على أهمية الحفاظ على الهوية المصرية، وأن معظم تلك الكلمات نابعة من الفلكلور المصري، ويقول: “يطلق على هذا النمط الغنائي إسم Sound Words، أى كلمات صوتية، فمثلا أغنية (السح الدح أمبو) تشبه من يلعب على الرق، (السح الدح) يشبه (الفريم)، و(إمبو) يشبه (الدوم)، أضف إلى ذلك أن معظم تلك الكلمات لها معاني وأصول فرعونية، والجملة تعني (فاض الماء الحلو أو العذب)، وبالبحث المستفيض سنجد أن معظم تلك الكلمات لها أصول مصرية قديمة، لكن جرت العادة على اعتبارها كلمات رتميه، وأنا لست ضدها طالما أنها لا تسيء أو تخدش الحياء العام، وفي المقابل طبعا أرفض الأغاني التي على شاكلة (هاتي بوسة يا بت)، فهنا يجب أن يكون لنا وقفة ضد الألفاظ العارية وابتذال الكلمة، كما أنني أرفضه في نطاق عملي، فهمي دائما كان البحث عن قضية معينة كحرية الشباب ومعاملة الأباء للأبناء، وأغنية (ماشية السنيورة) على سبيل المثال منتشرة على السوشيال ميديا بشكل كبير بالرغم من إنتاجها عام 1981، والسبب أنها تناقش قضية معينة بطريقة رشيقة راقية”.

 

ويضيف: “أما عن سبب إستمرارها فيرجع إلى أن البعض يبحث عن مايسمى بـ(الفونكيعا)، بمعنى استعمال الكلمات الشاذة التي تساهم في انتشار الأغنية بشكل أسرع، نفس النهج عند الغرب أيضا يلجأون إلى ما يسمى (الهوك)، وتعني الخطاف لضمان النجاح والانتشار السريع، كما أنه نمط موجود منذ بداية عهد الأغنية المصرية، وتنتمي إلى الفلكلور المصري والذي يعتبر شريك أساسي في تاريخ الأغنية، ولا أعتقد أنها ستؤثر بشكل أو بآخر على الذائقة الموسيقية لدى الجمهور، فالأنماط الموسيقية متعددة منها الدراما والحب والفراق والوطنية وأغاني العيد الميلاد والأفراح وغيرها، فلا يجب أن نستوقف عند حالة معينة ونتساءل عن أسباب الوصول لتلك المرحلة”.

 

ويضيف قائلا: “علينا أن ندرك أهمية عناصر صناعة الأغنية، فالكلمة الراقية تسبب خلود الأغنية واللحن الجيد سبب النجاح لنصل إلى الوظيفة الأساسية للأغاني التي تخاطب المشاعر والوجدان، فالموسيقى مقوي طبيعي ومعزز للمناعة عند البشر”.

حر ما لم تضر

لم يعترض المؤرخ والناقد الموسيقي د. زين نصار على وجود تلك الظاهرة الغنائية طالما أنها لم تخرج عن حدود الأدب بعيدا عن الإيحاءات الجنسية وغيرها من الرسائل المبطنة، ويقول: “الفن سلاح خطير يتسلل إلى الوجدان ويؤثر بشكل كبير على سلوك الشباب، يستخدمه مرتزقة الفن حتى ركبت الأغاني موجة الإسفاف وسقطت بالذوق العام إلى أدنى مستوى وكأن مصر نضبت من الشعراء وكتاب الأغاني الذين يحترمون وزن وقيمة اللفظ والدلالة في أشعارهم، فالمطلوب من الفنان أن يكون رقيب نفسه وأن يراعي ضميره في اختياراته، وأتذكر موقف أم كلثوم عندما غنت كوبليه في أغنية (الخلاعة والدلاعة مذهبي)، وكان ذلك في بداية حياتها الفنية، أدركت فورا عدم ملائمة تلك الكلمات لذائقة المستمع وتراجعت عنها وقامت بسحب الأسطوانات من السوق، لذلك أؤكد على ضمير الفنان”.    

 

ويضيف نصار: “قد يرجع تمادي البعض في نشر الإسفاف إلى توقف الإذاعة والتلفزيون عن الإنتاج مما أدى إلى سيطرة رأس المال على السوق الغنائي دون ضابط ولا رابط أو اعتبارات أخلاقية وقيم مجتمعية، فهم المنتج هو وضع البهارات في الغنوة لهدف الربح المادي الذي أصبح أساس التفكير بعيدا عن القيمة الفنية، وهنا يجب أن تتدخل مؤسسات الدولة ويتم تفعيل دور الرقابة على المصنفات الفنية للسيطرة على الظواهر السلبية، وخاصة ما يتم تداوله عبر الإنترنت، فتحت ستار الحرية من الممكن أن تدس رسائل خطيرة ومؤثرة تتسرب لتستقر في الوجدان دون الشعور بذلك، فالحرية تسمح بوصف المشاعر دون ستار ودون تورية في الكلام، وأنا لا أطالب بالحجر على حرية الإبداع، بل بالعكس، لكن هنا لابد من تطبيق مبدأ أساسي وهو (أنت حر مالم تضر)، وطالما أن الفنان يراعي تقاليد المجتمع ويحافظ على الهوية المصرية، إذا له مطلق الحرية بشرط ما لم يضر، فالموسيقى والأغاني أشد خطر من المخدارات التي تذهب العقل، وهناك أنواع تتسبب في دخول الجمهور بغيبوبة بدس السم في العسل، ولابد من الأخذ في الاعتبار أن تلك الأغاني المسفة تلقى تشجيعا ودعم من جهات مجهولة لإفساد المجتمع وهدمه من الداخل بضربه في العمود الفقري للمجتمع، وهم الشباب والجيل الجديد، فلابد أن ننتبه لأسلحة الهدم حتى نتحلى بالقوة والقدرة على المواجهة والمقاومة”.

 

ويتابع: “لا شك أن للإيقاع الشبابي الراقص دورا كبيرا في انتشار هذا النوع من الكلمات بالدرجة الأولى، بالإضافة لوجود شريحة كبيرة بالمجتمع، وخصوصا من عمر المراهقة، تهوى سماع هذا النوع من الأغاني”.

 

كلمات مستهلكة

ومن جانبه علق الناقد الموسيقى أحمد السماحي، قائلا: “الكلمات الدارجة موجودة بقوة طوال الوقت، والأغاني الموجودة على الساحة الآن مثل (نمت ننه) لروبي، أو (ياتي ياتي) لمحمد دياب ليست عودة لأي شيء، لكن أرى أنه يعتبر ذكاء من الشاعر عزيز الشافعي الذي كتب أغنية روبي، وكذلك الشاعر أحمد عبد النبي صاحب أغنية دياب، لضمان الانتشار السريع”.

 

وأضاف السماحي: “هذا النوع من الأغاني التي تعتمد على الكلمات الغريبة والشاذة أو المأخوذة من الفلكلور المصري، قد يرجع ذلك لتمرد البعض على كثرة الكلمات المستهلكة الموجودة في الأعمال الحالية، وهروب المستمعين منها إلى أغاني المهرجانات التي سرقت المستمع من الأغاني المستهلكة والتي أثرت على نوع الغناء المقدم، فالمتابع للساحة الغنائية يجد أن كبار المطربين في مصر تأثروا في بعض أعمالهم بكلمات واردة من أغاني المهرجانات، مما ساهم في الترويج لها، وبدأو يدخلون كلمات غريبة أو من على قارعة الطريق في أغانيهم للفت النظر والانتباه واستقطاب الجمهور”، مشيرًا إلى أن انتشار هذا النوع من القوالب الخفيفة يرجع بلا شك إلى أجواء موسم الصيف والإجازات التي تتطلب هذا النوع من الأغاني المرحة خفيفة الظل بعيدا عن الدراما والنكد أو الغضب.

 

وختم رأيه قائلا: “أما بالنسبة للذائقة، (فألف رحمة ونور عليها)، خاصة لدى الجيل الحالي الذين للآسف تلوثت ذائقتهم بأغاني الصخب والكلمات السطحية الركيكة”.