المحامى عصام شيحة عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان لـ«الأخبار»..

الحوار الوطني.. قبلة حياة للأحزاب السياسية| حوار

عصام شيحة خلال حواره مع «الأخبار»
عصام شيحة خلال حواره مع «الأخبار»

- القوانين «المفخخة» مثل الأحوال الشخصية تتطلب حواراً مجتمعياً قبل إصدارها  
 

- الجمهورية الجديدة تسعى للوفاء بحقوق «مؤجلة» ونشهد نقلة غير مسبوقة فى حقوق الإنسان
 

شخصية متفردة تجمع عددًا من الصفات ولديه رصيد كبير من الخبرات، فهو شخصية سياسية باعتباره عضوًا فى أحد أقدم وأعرق الأحزاب المصرية وهو حزب الوفد، كما أنه يتمتع برصيد حقوقى كبير وله مكانة دولية باعتباره محامياً وعضو الاتحاد الدولى للمحامين وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أضف إلى ذلك حرصه على التواجد وسط الشباب ومناصرته للمرأة فى الحفاظ على حقوقها، أنه المحامى الكبير عصام شيحة.

حرصت جريدة «الأخبار» على لقائه وفتح عدد من الملفات الشائكة معه فى الحوار التالي، فجاءت إجاباته كاشفة وواضحة وداعمة للدولة، مؤكداً أن الدولة المصرية أمامها العديد من التحديات ولديها الكثير من فرص النجاح، وكشف عن رأيه فيما يثار حول قانون الأحوال الشخصية ووضع حقوق الإنسان فى مصر والحوار الوطنى وعدد من القضايا نتابعها فى الحوار التالى.

فى البداية.. هناك اهتمام كبير من القيادة السياسية بقانون الأحوال الشخصية.. كيف يمكن الخروج بقانون متوازن يحفظ حقوق المرأة ولا يأتى على حساب الرجل؟

فى البداية.. أوجه للقيادة السياسية الشكر على فكرة الخروج بقانون جديد للأحوال الشخصية، لأننا فى حقيقة الأمر نحتاج لقانون جديد للأحوال الشخصية فالقانون الحالى صدر عام 1920، وأدخلت عليه تعديلات كثيرة أفقدته فلسفته، ومن ثم فنحن فى حاجة لتشريع جديد يتواكب مع المتغيرات التى يشهدها العالم، ويتوافق كذلك مع المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر، ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية المنصوص عليها فى الدستور المصرى.

معنى ذلك أن القانون الجديد يتطلب عددًا من الركائز يستند إليها.. فما هي؟

بالفعل القانون الجديد يحتاج الاستناد إلى أكثر من ركيزة أولها تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، والركيزة الثانية إحداث نوع من التوازن بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، أما الركيزة الثالثة، فتتمثل فى عدم التقليل أو الانتقاص من الحقوق والمميزات التى حصلت عليها المرأة بكفاحها ونضالها خاصةً في السنوات الأخيرة، والركيزة الرابعة تتمثل فى تغيير منظومة العدالة بالكامل لأن الحقيقة، المشكلة ليست فى نصوص القانون فحسب ولكن في تنفيذ الأحكام، حيث من الممكن الحصول على عشرات الأحكام، ولكن لا تستطيع التنفيذ، كما أن هناك ظاهرة أصبحت واضحة، وهى ظاهرة الإفلات من العقاب ، لذلك فنحن فى حاجة لتحديث منظومة العدالة المتعلقة بقضايا الأسرة.

وما أبرز النقاط الخلافية فى قانون الأحوال الشخصية الحالى؟

هناك عدد من النقاط الخلافية، فهناك نقطة محل خلاف كبير وهى الاستضافة، حيث إن كل قوانين العالم بها استضافة، لذلك لا يجوز بأى حال من الأحوال منع الأب أو الجد أو الجدة من الاستضافة، ففى الإجازة الصيفية من حق الأب أن يستضيف الابن أسبوعًا أو أسبوعين، ويقضى معه الإجازة، كما من بين النقاط الخلافية الرؤية، خاصة أن هناك شعورًا لدى الأم بصفة دائمة بأن نجلها سيتم اختطافه من قبل الأب حال رؤيته، وهذا الأمر يمثل عبئًا كبيرًا عليها، كما أن الأماكن المعدة للرؤية صعبة، ومن بين النقاط الخلافية أيضا فى القانون الحالى ، كيفية الحصول على النفقة والولاية التعليمية وغيرها.

قانون الأحوال الشخصية 

ولماذا يحاول البعض أن يصبغ قانون الأحوال الشخصية بالصبغة الدينية؟

الحقيقة أن قانون الأحوال الشخصية ليس دينيًا بشكل مطلق، ولكن الهدف من استطلاع رأى الأزهر هو عدم الاختلاف على أركان الزواج أو الطلاق أو الحق فى التعدد، ولكن لا ينبغى التدخل فى النفقة أو الرؤية؛ فالقانون هنا وضعي، واكتسبنا مهارات وخبرات من الدول التى تسبقنا، لذلك فنحن نحتاج لثورة تشريعية وثورة ثقافية فى المفاهيم، لأنه يجب عندما يحدث انفصال أن يحدث بالحسنى، ولكن للأسف بمجرد حدوث طلاق يظهر أسوأ ما فى النفس البشرية، وهذا ما نراه فى آلاف القضايا.

لماذا تأخذ القضايا وقتاً طويلاً.. على الرغم من اتخاذ الدولة عدداً من الإجراءات لسرعة التقاضى؟

للأمانة .. السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا فى منظومة العدالة، فيما يتعلق بقضايا الأسرة، فقد تم توحيد القضايا فى مكان واحد، ولكن مازال هناك نوع من البطء فى تنفيذ الأحكام، وغابت فلسفة الردع، لذلك نحتاج لتغيير المفاهيم، وضرورة أن يراعى كلا الطرفين مصلحة الطفل.

كيف يمكن أن نبدأ فى تشريع يحقق المساواة بين الطرفين أو يكون متوازناً بين كليهما؟

هناك 3 مشاريع قوانين لقانون الأحوال الشخصية، وخيرًا ما قام به وزير العدل بتشكيل لجنة من الخبراء خاصةً أنها جاءت وفق توجيهات رئاسية، لذلك أرى دمج تلك المشاريع وطرحها فى مشروع واحد ويطرح للرأى العام فى مدة لا تتجاوز الـ 3 أشهر، ويتم إجراء حوار مجتمعى لا تنحاز فيه اللجنة لطرف على حساب آخر، ثم يصدر التشريع ويظل فى جميع الأحوال تحت تجربة، خاصةً أنه ليس بالقوانين وحدها تحل القضايا، إنما هناك بعض الأمور تحتاج لرؤية واستراتيجية من الدولة والمجتمع فى حل المشاكل المتوقع حدوثها بين الجانبين.

لماذا يشعر الرجل بالظلم والاتجاه لإنصاف المرأة على حسابه؟

المجتمعات المتحضرة دائماً ما تنصف وتحمى الفئات الضعيفة والمرأة بالتجربة هى الحلقة الأضعف فى العلاقة الزوجية، والأمر يتطلب تدخل المشرع لحمايتها ، كما أن كل القوانين والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها الدولة المصرية تحمى حقوق المرأة بشرط عدم إساءة استخدام حق التقاضى.
قوانين مفخخة

ما أبرز القوانين التى توجد بها مشاكل وتحتاج لتغيير جذرى بها؟

فى مصر لدينا قانونان من أصعب القوانين لارتباطهما ارتباطاً وثيقاً بملايين المواطنين، الأول هو قانون الأحوال الشخصية لارتباطه بالأسرة، والثانى قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى العقارات القديمة، فكلا القانونين من القوانين المفخخة ويحتاجان حوارًا وطنيًا موسعًا ونوعاً من التأنى والعدالة والإنصاف كى يتم الانتهاء من أزماتهما.

إذا تحدثنا عن المرأة .. كيف ترى المكاسب التى حققتها المرأة فى العصر الحالى؟

للإنصاف المرأة هى الكائن الوحيد الذى يتحمل بشكل كبير فى السنوات الأخيرة أعباء عديدة، ولا يجب أن تندهش من ارتفاع عدد الأسر التى تعولها المرأة، فالرقم كبير للغاية، وهناك العديد من الدراسات التى تثير الدهشة فى هذا الشأن، ويكفى النظر إلى الدراسات الصادرة عن مركز البحوث الجنائية والاجتماعية بالإضافة إلى أن المفاهيم تغيرت والتعامل مع المرأة تغير، حيث أصبحت شريكًا رئيسيًا نتيجة للأوضاع الاقتصادية، ولكن هذا الأمر لا ينتقص من دور الرجل وما يتعلق بالقوامة.

نجاح المرأة

وماذا عن المكاسب السياسية للمرأة؟

المرأة حققت إنجازات غير مسبوقة بنصوص الدستور، فدستور 2014 أنصفها، ولأول مرة يصل عدد النائبات فى مجلس النواب ما يتجاوز 29%، و20% فى مجلس الشيوخ، كما وصل عدد الوزيرات إلى ثمانية فى الحكومة الحالية، بالإضافة إلى رؤساء وأساتذة جامعات وعمداء كليات، وأخيرًا حققت المرأة انتصارًا غير مسبوق بوصولها لمنصة العدالة فى القضاء والنيابة العامة ومجلس الدولة، وهو الحلم الذى تحقق فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما أن هناك مجالس داعمة للمرأة، كالمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى تترأسه سيدة ويضم لأول مرة 11 سيدة بين أعضائه، وهذا الأمر يشكل نقلة نوعية غير مسبوقة للمرأة المصرية، والحقيقة أن جزءاً كبيراً مما وصلت له المرأة كان بمجهودها الشخصي، حيث لايستطيع أن ينكر أحد، إلا جاحد، الدور الفاعل الذى لعبته فى كل الاستحقاقات السياسية والدستورية عقب ثورة 2011، وكذلك دورها فى ثورة 30 يونيو ورفضها فاشية الإخوان ومحاولتهم تغيير هوية الدولة المصرية.

طفرة حقوقية

ما المطلوب من المجلس القومى لحقوق الإنسان فى ثوبه الجديد؟

دعنى أؤكد على أمر مهم .. وهو التحسن الكبير الذى شهده ملف حقوق الإنسان فى السنوات الأخيرة، فرغم الشوائب المتعلقة بالحبس الاحتياطى أو بالقضايا المتعلقة بالشأن السياسي، إلا أن مصر حققت إنجازات غير مسبوقة، بدأت بالحوار الوطنى الواسع بين اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ممثلة فى وزارة الخارجية وبعض منظمات المجتمع المدني، وفى القلب منها المنظمات الحقوقية، وهو ما أسهم فى ظهور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى أسهم فيها المجتمع المدنى بصورة كبيرة، وهو ما يؤكد إمكانية نجاح الحوارات بين الدولة والمجتمع المدنى والأحزاب السياسية، إذا خلصت النوايا، والحوار الذى أدى لنجاح الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مؤشر على إمكانية نجاح الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما أنه لأول مرة تصدر الدولة استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تلزم فيها نفسها بإصلاحات جذرية وتحدد إطاراً زمنياً لتنفيذها، ويتوافر فيها إرادة سياسية ورغبة فى الإصلاح، خاصة أنها بنيت على ثلاثة مسارات، المسار الأول الإصلاح التشريعي، والثانى الإصلاح المؤسسي، والثالث بناء القدرات والتوعية، كما يعد إلغاء حالة الطوارئ، وتغيير قانون السجون، وإغلاق 15 سجناً، وبناء مركزين للإصلاح والتأهيل (بدر - وادى النطرون) نقلة نوعية غير مسبوقة فى ملف حقوق الإنسان فى مصر، والجدير بالذكر أن من مهام المجلس القومى لحقوق الإنسان تحويل الاستراتيجية الوطنية لواقع عملي، والتصدى لأى انتهاكات لحقوق الإنسان والعمل على تحسين حالة حقوق الإنسان والمساهمة فى وضع التشريعات ذات الصلة.

جمهورية جديدة

على الرغم من الظروف الاقتصادية التى يشهدها العالم ومصر بالقطع منها .. لكن ما تفسيرك على إصرار الدولة فى العمل بكل قوة فى المبادرة الرئاسية « حياة كريمة»؟

المبادرة الرئاسية « حياة كريمة» تستحق كل التقدير والاحترام، لأننا لأول مرة نشهد هذا التعاون الكبير بين الدولة والمجتمع المدنى لرفع الأعباء عما يزيد على 58 مليون مواطن خاصة فى الريف، فالمبادرة نالت استحسان المنظومة الدولية وأحدثت نقلة غير مسبوقة فى الريف المصري، كما أن دعم المجتمع للمبادرة سوف يعمل على استمرارها وتقويتها، فحياة كريمة أسست للجمهورية الجديدة، فهى جمهورية حقوقية بالدرجة الأولي، فما حدث فى مصر منذ 2011 حقوق كانت مؤجلة، ولكن الدولة التزمت بها، فأصبح لدينا شبكة طرق عصرية ومدن جديدة ونقل العشوائيات، وهناك عدد كبير من المواطنين الراغبين فى التطوع يشاركون فى المبادرة الرئاسية « حياة كريمة» مما يؤكد ريادتها وشعبيتها.

الحوار الوطني

ننتقل للحوار الوطنى .. لماذا اختزل البعض الحوار الوطنى فى العفو عن المحبوسين؟

من الظلم اختزال الحوار الوطنى فى قضية الإفراج عن بعض المحتجزين، ويجب أن يعلم الجميع أننا لا نمتلك رفاهية فشل هذا الحوار، فالدعوة تسعى لحوار وطنى واسع يصل للتوافق حول الأولويات، خاصة أن مصر أمامها العديد من التحديات ولديها فرص كبيرة من النجاح، لذلك علينا التفاعل مع الحوار بشكل جاد وموضوعي، والدولة كانت موفقة بأنها قدمت عربون محبة للشعب المصرى والأحزاب السياسية بعمليات الإفراج المتتالية، والتى نأمل أن تنتهى بتعديل بعض نصوص المواد التى أضيفت خلال الفترة الانتقالية، خاصة أن الدولة نجحت فى أن تستعيد عافيتها وقوتها واستقرارها وآن الأوان لإلغاء هذه النصوص ومنها إلغاء النص المتعلق بزيادة مدة الحبس الاحتياطى.

وما هى أولويات الحوار الوطنى؟

القضية الأساسية التى يجب أن تكون على رأس أولويات الحوار الوطنى قضية التنمية، وفى القلب منها الإصلاح الاقتصادى فى ضوء ما ترتب على جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، حيث تندرج تحت التنمية قضايا التعليم والصحة والبنية التحتية، وعلى الأحزاب أن تقدم رؤية بديلة، فالحوار الوطنى فرصة للأحزاب السياسية أن تخرج من المقرات للشارع، وتقدم نفسها كبديل للحكومة بما تمتلكه من رؤى وبرامج، وهذا ليس عيبًا على الإطلاق أن تقدم الأحزاب نفسها كبديل، خاصة أن الحياة السياسية وفق الدستور تبنى على التعددية الحزبية والسياسية، ويجب أن تقدم الأحزاب برامج تخدم المجتمع كى لا تترك أبناءنا فريسة لقوى الظلام، كما نحتاج لتقديم تعديلات تشريعية جذرية فيما يتعلق بقانون العقوبات، خاصةً أن فلسفة الاستراتيجية الوطنية تحد من العقوبات السالبة للحرية، وكذلك تعديل قانون الإجراءات الجنائية؛ فهناك قوانين مر عليها أكثر من 100 عام ومن حق المصريين عقب قيام ثورتين أن يشهدوا إصلاحًا تشريعيًا جذريًا.

أخيراً .. هل يسهم الحوار الوطنى فى تنشيط الحياة الحزبية من جديد؟

الحوار الوطنى فرصة لإحياء الحياة الحزبية المصرية من جديد وقبلة حياة للأحزاب السياسية، وعليها أن تستغل الفرصة لتعيد ترتيب البيت من الداخل والدخول فى تحالفات ،خاصة أن مصر بها أكثر من 100 حزب وأغلبها متشابه، وهذا يستدعى أن يكون لدينا تحالفات بين الأحزاب، وبعض الأحزاب التقط الخيط واشتبك مع الحوار الذى أحدث انتعاشة وحراكًا غير مسبوق فى الأحزاب السياسية، وعليها تقديم رؤى لمستقبل الوطن إقليمياً ودولياً بما يجعل الأحزاب فاعلاً وليس مفعولاً به.

إقرأ أيضاً|رشا راغب: الأكاديمية الوطنية للتدريب تلتزم بالحياد والتجرد في تنظيم وإداره الحوار الوطني