نبتة خضراء فى سوق لا ترحم

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كتب : محمد عبد الظاهر المطارقى

فى واقع الأمر، يتوجب علينا نحن (منتجى ومستهلكى أدب وثقافة الطفل) أن نقدم التحية الخالصة لمن يستحقها، إذ إن الواقع الذى نعيشه الآن قد اختلط فيه الحابل بالنابل، وطمست فيه حقائق وأشياء وتوالدت مشاهد جديدة غير مألوفة، بسبب الاستغلال السيئ لكثير من دور النشر للأوضاع، ودفعها بنفسها فى أتون الإنتاج الفنى المتعلق بأدب وثقافة الطفل

.

بدون اللجوء إلى دراسة منهجية تتكئ على أسس وقواعد علمية تمنحها القدرة على توظيف إمكاناتها المادية والفنية فى إنتاج وتسويق كتاب صالح للطفل يحمل كل سمات العمل الجيد، فالأمر فيما يخص الناشر هو أشبه بمغامرة غير مأمونة العواقب، لما يتطلبه الكتاب الطفولى من شروط ينبغى أن تتحقق، فى ظل تحديات شديدة القسوة، يتمثل بعضها فى ظروف اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية، ودرجة اهتمام الأسرة ومدى وعيها باعتبارها نواة المجتمع الأولى وكذا الإيمان بجدوى القراءة. فضلا عن وسائل أخرى تعد أكثر جذبا ومواءمة لطفل جديد، يختلف إلى حد كبير عن أسلافه من أجداده الأطفال الذين تعاملوا مع الحياة والواقع بصورة أكثر بساطة وتلقائية.

ولعل طفل الجيل الحالى يتفوق على البالغين أنفسهم فيما يخص الرقمنة وتعاطى التكنولوجيا بكل صورها، بل ولا نبالغ إذا قلنا إن ثمة نوع ما من تبادل الأدوار قد حدث فصار الطفل الآن هو الذى يقوم بدور الموجه والمرشد للبالغين، ويمكنه أن يقوم بمعالجة وإصلاح مايعجز عنه الآباء. لما يمتاز به من قدرة على التعامل مع هذا الواقع الجديد، لاسيما وهو ابن شرعى لهذا العالم، ويمكنه أن يتعامل بمنتهى الأريحية والبساطة مع هذا الواقع الجديد، بينما الأجيال السابقة تكتنفها حالة من حالات الرهبة وانعدام الثقة فى قدرتها على خوض غمار هذا العالم غير المأهول.

ومن ثم فقد أصبح على كاتب الأطفال، والناشر المتخصص فى مجالات الطفل أن يراعى هذا البعد الزمنى، وتلك الطفرة الهائلة التى حدثت بغتة، أو ربما فى غياب من الزمن، فقد تم اختزال العالم كله فى رأس زر صغير، بضغطة واحدة منه يمكننا الوصول إلى أقصى العالم وأدناه على الصعيدين التاريخى والجغرافى، وحدوث نوع من الامتزاج العجيب بين ثقافات متعددة ومتباينة جعلت بعض الدول القدرة تفرض هيمنتها الثقافية على العديد من شعوب العالم. ولأن الطفل هو البنية الأساسية التى تنبنى عليها كل آمال وطموحات المجتمعات الناهضة.

والحالمة والساعية إلى تحقيق واقع مستقبلى يكون أكثر إشراقا وازدهارا فى مختلف الأصعدة، وعلى جميع المستويات فكان لا بد حتما أن يتم النظر بعين الرعاية، والعناية، والاهتمام بهذه النبتة الخضراء التى تسمى الطفل، فكلما كان المجتمع بحكوماته، وكافة مؤسساته يمتلك الوعى الحقيقى بحاضره ومستقبله، فى ظل تحولات مجتمعية تجتاح العالم وثقافة عالمية مهيمنة تكاد تعصف بقيم وثوابت العديد من المجتمعات، يتوجب على تلك المؤسسات أن تقوم بدورها فى الحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع، من خلال الرسائل المتعددة التى يتم بثها إلى الطفل من خلال العديد من الوسائل والقنوات الشرعية، ومنها دور النشر المتخصصة بإنتاج كتب الأطفال.

ولعله فى العقود الأخيرة برزت العديد من دور النشر غير الرسمية التى تقوم على صناعة الكتاب الخاص بالطفل، وقد تعثر البعض منها وسقط سقوطا مدويا بكل أسف، فممارسة الاستخفاف المقيت والاستناد إلى أقلام زائفة، ولوحات شاحبة لا تمت إلى أى بعد جمالى، هو نوع من المتاجرة الدنيئة التى تسعى إلى التكسب والتربح على حساب الطفل، فى الوقت الذى تسعى فيه دور نشر حقيقية إلى الوصول لعقل ووجدان الطفل عبر بوابات شرعية، ومشروعة بدءا من احترام عقلية هذا الطفل، وتقديم ما يتواءم مع مرحلته العمرية من خلال تشكيل بصرى مبهج تتعانق فيه الكلمة بالصورة فى ألفة وتناغم محبب، مع التأكيد على قيم المجتمع والحفاظ على هويته وتقاليده الراسخة.


ولكى نصل إلى النتيجة المرجوة، يتحتم على الدولة أن تساند دور النشر، وأن تقوم على تشجيعها بشتى الصور الممكنة، وذلك من خلال دعمها للورق، والأحبار، واستخدام كل سبل الدعاية وتقديم البرامج الموجهة التى تثير شهية الطفل لاقتناء الكتاب، إذ إن تشجيع الطفل على القراءة هو دعم حقيقى لدور النشر المتخصصة وضمانة لاستمرارها فى إنتاج الجديد من الإصدارات الجيدة. 

اقرأ ايضا | امنحوا الصغار شارعا في مدينة النشر