إدريس: الكرامة منحة إلهية ولا يجوز إهانة إنسان لآخر دون حد تعزيري

د.عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
د.عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر

لقد نص القرآن على كرامة الإنسان لفظا ومعنى قال تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» وذكر الله سبحانه وتعالى اعتراض الشيطان على ربه لأنه كرم ابن آدم فقال: «أرأيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتنى إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته الا قليلا»، فلا يجوز إهانة الإنسان تحت أى مسمى أو مبرر.

 

وقد سمعنا مؤخرا واقعة إهانة لأحد أفراد الأمن الإدارى على يد ساكن فى أحد التجمعات السكنية، وعن ذلك يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:  كرم الإسلام الإنسان أيا كان دينه أو جنسه أو معتقده أو فكرة أو انتمائه قال تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم) والعموم فى بنى آدم فى الآية يشمل كل بنى آدم، وهذه الكرامة التى اختص بها الله الإنسان دون غيره من الكائنات ذات أبعاد مختلفة، فهى حماية إلهية له تنطوى على احترام عقله وحريته وإرادته وتنطوى على حقه فى الأمن على نفسه.

اقرأ أيضاً | محافظ أسوان: مهلة أسبوع لإنهاء أعمال البنية الأساسية بالإسكان المتميز

ويضيف: هذا التكريم يقتضى عدم جواز إهانته أو الاعتداء عليه إلا إذا وجد المقتضى لذلك، كأن ارتكب جريمة أوجبت تعزيره بإهانته، فلا يوجد مسوغ فى الشرع البتة يبيح الاعتداء على عرض أحد أو كرامته أو بدنه، ولذا فإن الشريعة الإسلامية نظمت بنصوصها عقاب من يعتدى على غيره سواء كان الاعتداء ماديا أو معنويا، وجعلت من بعض هذه العقوبات حدودا لا مجال لتخفيفها أو إبدالها بغيرها أو إسقاطها، ومن ثم فلا يجوز لأى إنسان أن يفرط فى كرامته أو يسكت على إهانة غيره له وإن اختلفت منزلة المعتدى والمعتدى عليه.

ويقول: ولا ننسى موقف سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الانتصاف لابن أحد الأقباط من ابن عمرو بن العاص رضى الله عنه فقد روى أنس بن مالك رضى الله عنه بينما نحن عند عمر بمنى إذ دخل علينا رجل من أهل مصر فقال: يا أمير المؤمنين إننى استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن العاص فسبقته فغدا على فضربنى بين ظهرانى المسلمين وقال: (خذها وأنا ابن الأكرمين) فجئت أباه أستأذنه فيما صنع بى فحبسنى ثم أرسلنى فخرجت فى حجاج المسلمين فجئت إليك لتأخذ مظلمتى فقال عمر: اعجلوا لى بعمرو بن العاص وابنه فأوتى بهما، وعندما تبين عمر من صحة الواقعة من الشهود  فدعا محمد وجرده من ملابسه ثم أمكن المصرى من السوط وقال اضرب فضرب المصرى وعمر يقول خذها وأنت ابن الألئمين.

وأيضا نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه فيتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته. وكذلك من مظاهر النهى نهى الإسلام الرجل عن تقبيح زوجته بالكلام وضرب وجهها فعن معاوية القشيرى قال يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال صلى الله عليه وسلم أن تطعمها إذا طعمت و أن تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا فى البيت، فالكرامة حق للإنسان أعطاه الله إياه وليس منة ولا تفضلا من أحد، فينبغى على الوالدين والمعلمين والناس مع بعضهم البعض أن يعتنوا بالكرامة خاصة عند التخاطب وفى التوجيه فنختار دائما ألفاظا حسنة ولغة راقية ومنطق مهذب استجابة لأمره سبحانه وتعالى: (وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)، وأيضا مراعاة الكرامة عند العقوبة، ففى بعض المنازل وأماكن العمل يكون هناك  تجاوز فى  العقوبات  مثل التشهير أو القسوة فى الألفاظ أو الذم الجارح و ربما الضرب على الوجه، ولنعلم أن الشخص الذى يتربى فى بيئة لا تشعره بكرامته يؤثر سلبا على فاعليته فى الحياة.